الدواء في زمن الحرب... التهريب شرقا وغربا إلى ليبيا

الدواء في زمن الحرب... التهريب شرقا وغربا إلى ليبيا

09 سبتمبر 2014
مخزن دواء بأحد مستشفيات طرابلس(عبدالله دوما/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

فشلت المواطنة الليبية سامية عمران في تأمين جرعات قليلة من دوائها إذ تعاني من بكتيريا نادرة تسبب لها التهابات حادة بالمعدة، ولم تتمكن من الأمر إلا عبر وسطاء في مشافي طرابلس.

لم تجد سامية دواءها في الصيدليات والمراكز الصحية فلجأت لمخازن المهربين، لكنها فوجئت بأن حالتها تدهورت أكثر بعد تناول الدواء، راجعت طبيبها، وتبين لها أن الدواء فاسد بسبب سوء التخزين، وفي طبرق شرق ليبيا مأساة من نوع آخر إذ يعاني الليبي حمزة الشيخ فقدان رضيعه جراء دواء قلب منتهي الصلاحية حصل عليه من صيدلية معروفة بالمدينة.

غياب الدواء وفساد الموجود منه لا يمكن تفسيره في ظل ميزانية جهاز الإمداد الطبي المسؤول عن استيراد الأدوية البالغة 1.5 مليار دينار ليبي سنوياً (قرابة 2 مليار دولار) وهو ما يعد رقماً كبيراً قياساً إلى عدد سكان البلاد البالغ 7 ملايين نسمة بحسب آخر إحصاء، في الوقت ذاته فإن ما بين 50% و70% من الأدوية الموجودة بالصيدليات مهربة إما من في الشرق أو تونس في الغرب وفقاً لمسؤولين بجهاز الإمداد الطبي، فيما تعتبر ليبيا منطقة ترانزيت لمرور الأدوية المزورة منها إلى دول الجوار الفقيرة وعلى رأسها دولة تشاد.

كيف يجري التهريب؟

للإجابة عن السؤال السابق توجهنا إلى منزل الليبي حسين سعد الذي يقع على الحدود المصرية الليبية، وتحديداً بين منطقة "امساعد" الليبية والسلوم وسيدي براني المصرية، يتعاون سعد مع المصري خالد على تهريب الدواء المصري إلى مدينة "امساعد" حيث يسكن ويخزن بضاعته في ملحق بمنزله يقوم فيه بعقد الصفقات مع صيدليات المنطقة الشرقية دون أن تكون لديه أدني فكرة عن الأدوية وحفظها والأساليب الصحيحة والظروف المناسبة لنقلها وتخزينها، وهو ما يؤدي إلى تلف العديد منها، يقول سعد "في السابق عملت بتهريب المواد الغذائية لكن أرباحها قلت ونصحني عمي الصيدلي بأن أعمل في تهريب الدواء لمكاسبه الكبيرة"، يقوم حسين وزملاؤه بنقل الأدوية في سيارات دفع رباعي عبر الصحراء أو حملاً على الأكتاف في حال كانت الشحنة بسيطة، يعبرون منطقة الألغام، والأسلاك الشائكة ليلاً أو يقدم رشوة لموظفي الجمارك ليتمكن من تمرير بضاعته نهاراً.

القانون الليبي

تغيب عن ليبيا الكثير من التشريعات القانونية منذ فترة القذافي التي اتسمت بالفوضوية لكن مفتاح الأسطي وزير الصحة في حكومة عبدالسلام جلود التي تشكلت عقب انقلاب معمر القذافي علي الملك إدريس السنوسي عام 1969 كان قد أصدر قرار 69 لسنة 1972 في شأن تنظيم تجارة الأدوية حظر بموجبه على غير الشركات المملوكة للدولة استيراد الأدوية أو المتاجرة فيها بأي شكل من الأشكال، وأبقى القرار حق استيراد الدواء لوزارة الصحة حصراً، وظل القرار حبراً على ورق واستمر تهريب الأدوية حتى في عهد القذافي الذي تساهل نظامه في الأمر، عدل القرار لاحقاً بواسطة ما عرف باللجنة الشعبية العامة (الحكومة الليبية في عهد القذافي) التي أصدرت قراراً برقم 167 لسنة 2006 سمح للشركات الليبية باستيراد الأدوية باستثناء أدوية معينة وصفت في القرار بالأدوية ذات الطبيعة الخاصة كاللقاحات والأمصال والأنسولين وغيرها.

لماذا التهريب

يعمل الدكتور محمد فوزي - صيدلي مصري من محافظة مطروح الحدودية - بإدارة إحدى شركات الأدوية في مدينة بنغازي –، يفسر فوزي تهريب الدواء بأن السوق الليبي مفتوحة ولا يوجد فيها رقيب ولا حسيب، حتى أن بعض التجار من دولة تشاد يشترون كميات كبيرة من الأدوية المغشوشة من مدينة أجدابيا وسط ليبيا ويهربونها عبر الصحراء إلى بلدهم.

يواصل فوزي حديثه بأن أهم أسباب التهريب عبر الحدود المصرية الليبية يتمثل في رغبة شركات إنتاج الدواء المصرية بتحقيق معدلات بيع عالية لأصناف غير فعالة لا تجد من يشتريها في مصر، في حين أن السوق الليبي خصب جداً ويستهلك كميات كبيرة من الأدوية ولديه قدرة شرائية عالية، ويلفت فوزي إلى أن أهم مشاكل تجارة الدواء في ليبيا عدم وجود تسعيرة إجبارية موحدة للبيع داخل ليبيا "حتى أنك قد تجد صنفاً بدينار في مكان وعشرة بآخر في سوق غير منضبطة لا يوجد بها إنتاج محلي".

يتابع فوزي قائلا "ليس كل الدواء المهرب مغشوشاً وبالتأكيد توجد حالات قام فيها تجار ليبيون بتقليد أدوية عالمية في مصانع سرية متخصصة في صناعة الأدوية المغشوشة في مصر حيث تقوم المصانع المذكورة بطباعة ملصقات وصناعة عُلب وعبوات مزيفة لأدوية عالمية وتعبئتها بمنتج مغشوش. ومن أشهر الأدوية المغشوشة بودرة بانيوسين للجروح Baneocin التي صنعها أحد التجار الليبين في مصر وقلد شكل العبوة وبيعت في ليبيا على أنها أصلية".

تدخل الدكتورة عائشة الدوجاني الأستاذة بكلية الصيدلة بجامعة طرابلس في الحديث قائلة "يعمل العديد من التجار في تهريب الدواء بسبب الرغبة في الربح السريع والفوضى القائمة في ملف الدواء في ليبيا وشح العديد من الأدوية"، وتواصل "لا يوجد أي دور للدولة الليبية في مسألة الرقابة على سوق الدواء" وتقول "حتى قبل الانفلات الذي تشهده البلاد حالياً بسبب الحرب لم تكن هناك رقابة بالمعنى الحقيقي بل كانت شكلية يدخل فيها عامل الفساد والرشوة إضافة إلى عدم توفر معامل رقابة نوعية داخل البلاد أو بالمنافذ البرية والبحرية"، وهو ما يوافق رأي الدكتور فايز علي، صيدلي بمدينة طبرق شرقي ليبيا، والذي يقول إن عمليات تهريب ضخمة للأدوية تجري عبر حدود ليبيا تصل قيمتها إلى ملايين الدينارات، حيث تباع الأدوية المهربة إلى شركات وصيدليات كبرى تقبل شراء الدواء المصري الرخيص الذي تم نقله عبر دروب صحراوية في درجة حرارة تصل إلى 40º بينما متوسط درجة حرارة حفظ الأدوية بين 15º و25º وهو ما يؤدي بالتأكيد إلى فساده".

يتابع موضحاً "لا يوجد رقابة على الصيدليات، وكثير من العاملين في مجال تجارة الأدوية ليسوا من ذوي الاختصاص، يمارسون تجارة الأدوية مثل تجارة المواد الغذائية دون دراية بأساليب حفظ وتخزين الأدوية، كما أن ما يتعلق بالأدوية الفاسدة والمغشوشة والمنتهية الصلاحية يتوقف على ضمير التاجر أو الصيدلي فقط لعدم وجود جهة تحاسبه".

يضيف فايز لـ"العربي الجديد" أن بعض شركات الاستيراد المشهورة رسمياً في ليبيا تمارس التهريب أيضاً لتمرير بعض أنواع الأدوية، ويقول "أغلب الأدوية في الصيدليات مهربة بشكل غير شرعي وغير موثوقة المصدر ولا الفاعلية بنسبة تصل إلى 70% في بعض الصيدليات".

جهاز الإمداد فاشل وفاسد

تعاني المراكز الصحية والمشافي التابعة للدولة من نقص حاد في كميات الأدوية بسبب عجز جهاز الإمداد عن توفيرها، وهو ما بررته الوزارة في بيانات للرأي العام عبر وسائل إعلام محلية بعدم توفر السيولة المالية نظراً لعدم اعتماد الميزانية العامة للدولة، كما أن الأوضاع الأمنية المتدهورة حالت دون وصول شحنات بعض الأدوية، إضافة إلى تعرض بعض مخازن الجهاز لسرقات من قبل عصابات مسلحة.

الدكتور أحمد علي - موظف بجهاز الإمداد الطبي ببنغازي - أرجع في تصريحات لـ"العربي الجديد" نقص الأدوية بالمراكز الصحية إلى "قلة العطاءات المعلنة من جهاز الإمداد لاستيراد الدواء" ، لافتاً إلى أن "مختلف المناطق تعتمد على إدارة جهاز الإمداد المركزية بطرابلس والتي لم تنجح في توفير الكميات المطلوبة منها في العاصمة، وبالتالي لا يصل الدواء إلى الأطراف".

بنحو مباشر يتهم الدكتور ناجي بركات - وزير الصحة السابق في عهد المجلس الانتقالي في عام 2011 - جهاز الإمداد الطبي الليبي بالفساد ونقص الشفافية بمناقصات الدواء قائلا لــ"العربي الجديد": "استحوذ رجل الأعمال حسن الأسطي صاحب شركة الصدي بعلاقاته مع وزيرة الصحة السابقة فاطمة الحمروش على قرابة 100 مليون دينار قيمة عقود وقعها مع الوزارة لتوريد أدوية، كما استحوذ رجل الأعمال مصباح الزوي صاحب شركة الشاملة بعلاقاته مع الوزير نور الدين دغمان على عقود بقيمة قرابة 100 مليون دينار أيضاً، وربما وصلت العقود التي حصلت عليها شركتا الأسطي والزوي إلي ما يزيد عن 300 مليون دينار لكل منهما، ولا نعلم كيف تم الأمر، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول كيف يعمل الجهاز وكيف يعلن عن مناقصاته".

يتابع بركات أن كثيراً من موظفي جهاز الإمداد ووزارة الصحة يمتلكون شركات أدوية وهم شركاء في شركات أخرى، بحسب الوزير السابق الذي يرى أن رجال النظام السابق لا يزالون مسيطرين على الجهاز الذي يحتاج إلى الشفافية في تعاملاته مع الشركات المصنعة.

انعدام الرقابة

ضعف الرقابة على الدواء أحالنا إلى الدكتور عبدالسلام الجازوي الموظف بمركز الرقابة على الأغذية والأدوية ببنغازي والذي يرى أن "مركز الرقابة على الأدوية جهة صاحبة رأي فني وليست مخولة بالضبط القضائي في ظل ضعف الأجهزة الأمنية"، يتابع الجازوي أن الغش الدوائي موجود في مختلف دول العالم ويضيف "في ليبيا الغش الدوائي يتركز في أصناف معينة كأدوية التخسيس والمنشطات الجنسية وبعض الامراض المزمنة ولا نعرف ما الحل".
--------------------------
إقرأ أيضا:
الدواء في زمن الحرب: العلاج القاتل بالعراق
الدواء في زمن الحرب:التصدير مستمر وشح محلي في سورية
الدواء في زمن الحرب: الرصيد "تحت الصفر" في غزة