وراء قضبان المليشيات(2).. السوريون بين رعب سجون "داعش" والنظام

وراء قضبان المليشيات(2).. السوريون بين رعب سجون "داعش" والنظام

24 نوفمبر 2014
عناصر الجيش الحر يتعرّضون لتعذيب قاسٍ بسجون داعش(فرانس برس)
+ الخط -
بعد انتشار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في سورية وإحكام سيطرته على محافظة الرقة بشكل كامل، والتمدد على مساحة تصل إلى 90% من محافظة دير الزور، إضافة إلى الاستحواذ على ريف حلب الشمالي، بات التنظيم مسيطراً على ثلث سورية، يفرض قوانينه وشرائعه على أهلها، ويرسم شكلاً جديداً للحياة، مستعيناً بجهاز قضائي تمثّله المحاكم الشرعية، وآخر أمني لتطبيق قوانينه وتشريعاته عبر السجون والمعتقلات المنتشرة على مساحة امتداده.

تغص سجون داعش بالمدنيين والعسكريين من عناصر الجيش الحر، إضافة للصحافيين ونشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان، تلك السجون تعد مجهولة إلى الآن كما التنظيم القائم عليها، ثمّة معتقلون لا يعرف أحد في العالم الخارجي أنهم موجودون فيها.

تُهَم وعقوبات

تطال اعتقالات تنظيم الدولة كل معارض لقوانينها، سواء كان كبيراً أو صغيراً، مدنياً أو مسلحاً، وتتنوع أسباب الاعتقال والتهم الموجهة بحسب شريعة التنظيم. كما يقول (س.م)، الناشط ضمن مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد".
يتابع الناشط موضحاً أن المدنيين يواجهون تهماً يومية بمخالفة قوانين "داعش"، بدءاً من الحسبة، الالتزام باللباس الشرعي، الجهر بالكفر، ارتكاب المعاصي، كتدخين السجائر وشرب الخمور.

يضيف الشاب: "توجد أسباب أخرى للاعتقال، مثل عدم دفع الضرائب المالية على المحلات التجارية لقاء الحماية، إضافة لمخالفة لباس المرأة الشرعي الذي فرضه التنظيم، وعدم الالتزام بالفصل بين الذكور والإناث في مختلف مناحي الحياة، مع فرض غرامة مالية على مَن لا يلتزم بذلك في خطوة أولى، وإغلاق المؤسسة واعتقال القائمين عليه بتهمة الكفر في مرحلة ثانية".

أحمد مرهج، أحد الناجين من سجون "داعش"، اعتقل بتهمة التهرب من ضرائب الدولة بسبب نشاطه التجاري في ريف دير الزور، عوقب بالاعتقال شهرين وغرامة مالية قدرها 100 ألف ليرة سورية (600 دولار أميركي)، يشرح مرهج، لـ"العربي الجديد"، أنواع العقوبات التي تعرّض لها المدنيون ممّن كانوا معه داخل السجن قائلاً: "تعتمد العقوبات على المحاكم الشرعية التابعة للتنظيم، فبعد عرض الجرم عليها، تتم دراسته، يقر المتهم بالعقوبة، والتي تراوح بين التعزير بالسجن، الجلد، الغرامة المالية، أو النفي، والقتل الذي يتفرع بدوره أيضاً إلى القتل عبر الصلب، الشنق، الرجم، الرمي بالرصاص".



سجون عامة

يقوم تنظيم الدولة باعتقالات شبه يومية بين المدنيين في مناطق سيطرته، ويتوزع هؤلاء على سجون عامة معروفة يقضي فيها الناس مدة الحكم أو تتم فيها عمليات التحقيق. بلال عبد السالم، شاب في العقد الثاني من عمره، أحد هؤلاء ممّن عاينوا التجربة يصف، لـ"العربي الجديد"، سجن الريف الشمالي في حلب، الذي اعتقل فيه بتهمة الجهر بالكفر قائلاً: "بعض سجون التنظيم عبارة عن مدارس أو مؤسسات دولة، ذات أبواب موصده جيداً وحراسة مشددة. داخل السجون تحدد العقوبة من قبل الهيئة الشرعية التابعة للتنظيم، حيث يتم الإيداع داخل السجن لحين البت بالحكم الشرعي للهيئة".

يتابع عبد السالم: "تراوح حدة التعذيب من سجن لآخر، لكن أكثر ما شاهدته كان لعناصر الجيش الحر ممّن تم القبض عليهم، وهؤلاء لا يقضون مدة طويلة في هذه السجون العامة، إذ يتم تحويلهم فوراً لسجون خاصة".

سجون الأطفال

للأطفال في سجون تنظيم الدولة نصيب، حيث يستذكر عبد السالم ما رآه داخل السجن بعد أن لبث طفل عمره 13 عاماً، في المعتقل مع والده شهراً ونصف، كل واحد منهما في مهجع منفصل.
"لم يكن الطفل وحده"، لكن عدداً لا بأس به من الأطفال أيضاً معتقلون لدى "داعش" بتهم مختلفة بعضها يصل للكفر، كما يروي عبد السالم.

معتقلات سرية

تتوزع سجون تنظيم الدولة على امتداد المناطق الشرقية والشمالية الشرقية بسورية، في كل منها يقيم التنظيم سجوناً خاصة. أبو مجاهد الحلبي، أمير سابق ومنشق عن تنظيم الدولة (داعش)، يرسم خارطة سجون داعش في سورية قائلاً، لـ"العربي الجديد": "يحتوي ريف دير الزور على العديد من السجون، لكن تعتبر سجون مدينة البوكمال الحدودية أكثرها تحصيناً وسرية حيث تحتوي على معتقلين من التنظيم نفسه، إضافة لصحافيين وشخصيات مهمة، اختار التنظيم وضعهم في هذا المكان لسهولة وامكانية نقلهم للعراق في حال حصلت عمليات اقتحام أو قصف. كما تتوزع السجون السرية في ريف دير الزور الغربي، حيث يوجد عدد كبير منها في منطقة جبل طابوس في بلدة الشميطية، منجم الملح في بلدة التبني، وزغير شامية والوحدة الإرشادية، وجميعها تعتبر مراكز اعتقال وسجون".

وعن محافظة الرقة يضيف: "يعتبر سجن "عكيرشة"، القرية التي تقع على بعد عشرين كلم شرق مدينة الرقة، من أهم مراكز سجون التنظيم في سورية وأكبرها، حيث يعتبر السجن السري للتنظيم، بداخله يتم احتجاز المعتقلين الأجانب والعرب، إضافة لمبنى المحافظة، والذي يعد من مراكز الاعتقال الأساسية في الرقة، ولكن سجن السد في مدينة الطبقة هو الأهم، وغالباً ما يعتقل فيه الصحافيون الأجانب، كما يحتوي على عدد كبير من قادة فصائل الجيش الحر، إضافة لسجن في مدينة تل أبيض، أما في حلب فيعتبر سجنا منبج ودير حافر من أهم السجون".

وبحسب شهادات من معتقلين سابقين خرجوا من تلك السجون، فإن بعض عناصر تنظيم الدولة كانوا محتجزين معهم في السجن نفسه، بينهم القادة "أبو الوليد الطبقة" و"أبو إسلام الحلبي" والكويتي "حسين رضا".

تعذيب ممنهج

عندما تدخل أحد سجون داعش السرية، تفاجأ بمشاهد مستنسخة من أقبية النظام السوري، هناك تجد وجوهاً دامية متورمة من الضرب، وآخرون أجسادهم مهترئة من الجَلْد". هذا ما قاله راضي نعمان، أحد الناجين من سجن "عكيرشة" في الرقة. يضيف نعمان، لـ"العربي الجديد": "من شدة التعذيب، يطالب المعتقلون بالموت أحياناً، إذ يبدأ العذاب بالإهانات اللفظية، الجلد، الشبح، الدولاب، ثم التهديد بالذبح، إلا أن أكثر حالات الموت تتم بسبب الأمراض، مَن يمرض يعد مشروع ميت لا محالة. هناك لا يوجد مَن يعالجه أو أي دواء، إلا المعتقلين الذين يريدهم التنظيم أحياء لأنه سيبادلهم بأسرى".

راجي سلمان يعمل ضمن مجموعة من الشباب على توثيق انتهاكات تنظيم الدولة، يقول لـ"العربي الجديد": "معظم سجون داعش سرية، والقليل منها علنية، تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب ولا أحد يملك عدداً ثابتاً للمعتقلين في سجون التنظيم. كل يوم يختفي العديد من الشباب في سجون داعش، ينكرالتنظيم وجودهم لديه، حتى لا يتحملوا مسؤولية موت أحدهم تحت التعذيب".

يكشف سلمان عن توثيق نحو 110 حالة وفاة لأشخاص قضوا تحت التعذيب في سجون التنظيم في الرقة بين شهري مايو/ أيار وسبتمبر/أيلول. ويوضح أن عدداً غير قليل من معتقلي سجون التنظيم يتعرضون للتعذيب داخل السجن، وعقب ذلك تطبّق العقوبات بشكل علني في الساحة العامة كنوع من الردع، لافتاً إلى أن مَن يتعرّض للتعذيب في الداخل غالباً ما يكون من فصائل مقاتلة معادية للتنظيم يرغب في انتزاع معلومات منهم". ويشير راجي إلى أن مبنى المحافظة وسد الفرات في مدينة الطبقة أصبحا مكانين يراجعهما كل يوم مئات الأهالي سائلين عن المعتقلين، وغالباً ما يعودون إلى منازلهم دون جدوى.

السجانون

يؤكد معظم الناشطين ضمن مناطق سيطرة تنظيم الدولة، أن القائمين على السجون، سواء العامة أو السرية، هم من المهاجرين، لأن التنظيم لا يثق بالأنصار (عناصر التنظيم من السوريين)، إذ وقعت كثير من حالات التعاطف مع المسجونين وتهريب لبعض السجناء في السجون التي تولى أمرها سوريون.

زاهر الرواس، أحد المعتقلين السابقين في سجن السد بالرقة، يروي، لـ"العربي الجديد"، عن السجانين الذين عايشهم 5 أشهر داخل السجن قائلاً: "يعيش المعتقلون مع سجانين لا رحمة عندهم، بعضهم تحت سن 18 يعذبون رجالاً بعمر آبائهم، وهناك عدد لا بأس به قدم من العراق ولديه الخبرة في إدارة السجون وتنظيمها". يستذكر زاهر اسم أحد هؤلاء السجانين، ويقول: "لا يمكن لمَن دخل سجن السد أو غيره من سجون الرقة إلا وسمع عن "خطيب الجزراوي" المكلف بالسيطرة والتنظيم لسجون الرقة".

"معظم المعتقلين السابقين يعرفون شراسته لدرجة أنه عندما يدخل إحدى الغرف التي يحتجزون بداخلها الجميع يصمت ويدير وجهه للحائط، ولا أحد يجرؤ على النظر في وجهه"، هكذا اختتم زاهر شهادته.

تقارير دولية

منظمة العفو الدولية انتقدت، في تقرير لها، ممارسات تنظيم الدولة داخل السجون في سورية، وقالت في تقريرها المعنون بـ"عهد الخوف": "إن الدولة الإسلامية دأبت على انتهاك حقوق السكان المحليين دون رحمة". وكشف التقرير عن سبعة من مرافق الحجز تستخدمها "داعش" في محافظة الرقة ومدينة حلب، فيما أكد مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، فيليب لوثر، أن قائمة المخطوفين والمحتجزين داخل سجون داعش تضم أطفالاً أقل من 18 عاماً.

من جهتها، ترجّح الناشطة الحقوقية، لميس العبد، احتجاز تنظيم الدولة أكثر من 1800 سوري في محافظة الرقة ودير الزور من المدنيين، مؤكدة توثيق عمليات إعدام تعسفية بحق المدنيين في المعتقلات قبل الانسحاب من مناطق سيطرة التنظيم دون أي محاكمة.