تقليصات الأونروا.. معركة التمويل تهدد قضية اللاجئين

تقليصات الأونروا.. معركة التمويل تهدد قضية اللاجئين

27 يوليو 2015
فلسطينيون يتظاهرون ضد تقليص الأونروا لخدماتها (العربي الجديد)
+ الخط -
اضطر اللاجئ الفلسطيني توفيق الشريف من سكان مدينة البيرة وسط الضفة الغربية المحتلة، إلى استدانة مبلغ كبير من المال من أجل مساعدة ثلاثة من أبنائه على إكمال تعليمهم الجامعي، بعد حرمانه من تجديد عقد العمل الذي حصل عليه من وكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قبل نحو 7 أعوام.

هجرت عائلة الشريف في العام 1967 من بلدة الثور في القدس المحتلة إلى مدينة البيرة. عمل موظفا في وزارة الأوقاف الأردنية في القدس المحتلة، وفي العام 2007 تمت إحالته إلى التقاعد المبكر، ما يعني أن راتبه أصبح 187 دينارًا فقط تساوي 264 دولارا أميركيا، من أصل 550 دينارًا أردنيًا أي ما يناظر 778 دولارا أميركيا. اضطر الشريف للجوء إلى الوكالة، إذ عمل بعقد مؤقت عدة أشهر، ولم يستمر في العمل بسبب التقليصات المتواصلة في ما تقدمه الأونروا من خدمات.

يقول الشريف لـ"العربي الجديد": "الأونروا لم تقف معي في أصعب اللحظات، لم تسمح بتجديد عقد عملي، ما اضطرني للاعتماد على الدين من أجل إكمال حياتي".

خدمات تقلصت بالتدريج

تدرجت الأونروا في تقليص خدماتها إلى أن أصبحت شحيحة وتراجعت بعدما كانت تقدم خدمات متنوعة ومتميزة، إذ كان اللاجئ الفلسطيني يحصل على مواد عينية تموينية وخدمات صحية وتعليمية وفرص تشغيلية للحد من البطالة، ما قد يسد رمق فقر أولئك اللاجئين.

تقليص الخدمات التي تقدمها الأونروا على مراحل نال من فئات محددة من الفلسطينيين في نطاق عمل الأونروا في لبنان، وسوريا، والأردن، وقطاع غزة، والضفة الغربية، بعد أن أعلنت نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، أن 85% من إجمالي عدد موظفيها الدوليين البالغ عددهم 137 موظفًا والذين يعملون بعقود قصيرة الأجل سينفصلون عن العمل وفق عملية تتم على مراحل وتستمر حتى نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، ضمن إجراءات تهدف للتقليل من التكاليف إلى الحد الأقصى الممكن.
اتخذت الوكالة تدابير تقشفية صارمة، حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم خدماتها حتى نهاية العام، إذ تشمل الخدمات التي تستمر في تقديمها مجالات الصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، والصرف الصحي ومشاريع الطوارئ التي يتوفر لدى الوكالة تمويل من أجلها.

لكن اللاجئ توفيق الشريف يرى، أن "تقليص مختلف خدمات الأونروا إلى أن وصلت إلى حد تقليص الخدمات التعليمية مصيبة حلت باللاجئين الفلسطينيين، رغم محاولات نفيها من قبل بعض المسؤولين في الوكالة".

ويعتبر الشريف في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مجرد وجود إعلان من هذا النوع من قبل الوكالة، يمهد فعلاً لإنهاء خدماتها تماما قائلا: "ما زلت أستفيد من بعض الخدمات كما في القطاع الصحي وهو مقبول نوعًا ما، لكنه دون المستوى المطلوب".

مدير مخيمات الوسط في دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، محمد عليان، بيّن في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "تقليص الأونروا لخدماتها في الصحة والتعليم والإغاثة يؤثر بشكل سلبي على مناحٍ كثيرة في حياة اللاجئين الفلسطينيين، بخاصة أن أهالي المخيمات يعانون الفقر أصلاً".



خدمات أصبحت من الذكرى

معاناة اللاجئين وتخوفاتهم من تزايد وتيرة تقليص خدمات "الأونروا" بين الحين والآخر، تؤكده الحاجة فتحية نمر من سكان مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين جنوبي مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، إذ تصف خدمات الوكالة سابقا بأنها كانت أفضل بكثير مما هي عليه الآن.

وتتحدث الحاجة فتحية عما كانت عليه خدمات الوكالة سابقًا من تقديم تموين شهري، وغيرها من الخدمات التي تقلصت وأصبحت تقتصر على حالات الشؤون الاجتماعية البالغة المعاناة.
يقول أمين سر خدمات مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمالي رام الله، حسين عليان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "كل لاجئ فلسطيني كان يحصل في السابق على خدماته بشكل كامل حتى بدأت عمليات التقليص والتخفيض، التي حرمت الكثير من اللاجئين من الخدمات حتى وصلت إلى 5% مما كان يقدم".

تأسست الأونروا كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة في عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين من لاجئي فلسطين المسجلين لديها. وتقتضي مهمة الوكالة الدولية بتقديم المساعدة للاجئي فلسطين حتى يتم التوصل لحل عادل لمحنتهم.

التعليم مهدد بالانحسار و"الصحي" خدماته ضئيلة

بسبب العجز في ميزانية الأونروا العادية، فإن 700 مدرسة مدعومة من الأونروا، فيها نصف مليون طالب فلسطيني، معرضة للتوقف عن تقديم خدماتها، بينما يفتقر القطاع الصحي للكثير من الخدمات التي تم تقليصها بسبب الأزمات المالية التي تقول عنها الوكالة، وفق ما يؤكده الناطق الرسمي للأونروا سامي مشعشع لـ"العربي الجديد".

يشتكي عدد من اللاجئين، من تقليص صفوف الغرف الصيفية وإلغاء تشعيبها، ما أدى إلى أن يصل عدد الطلاب في الصف الواحد، إلى 50 طالبا وهو ما يعني زيادة الاكتظاظ في الصفوف وتراجعٍ المستوى التعليمي للأطفال.

ويستوعب الصف الواحد ما بين 20 و25 طالبًا بشكل طبيعي، لكن عدد الطلاب في مدارس الأونروا زاد وأصبح الحد الأدنى للصف نحو 40 طالباً، إلا أن الأونروا زادت مؤخرا على كل صف دراسي، ما يقارب عشرة طلاب، ما يفاقم المشاكل التعليمية في المخيمات.

يحذر المسؤول في مخيم الجلزون حسين عليان من تضرر قطاع التعليم، قائلا: "إلى جانب البطالة الناجمة عن وقف التشغيل، أو التشغيل المؤقت فقد أصبح قطاع التعليم الأكثر تضررًا".
ويقول المسؤول في مخيم الجلزون، إن "الوكالة خفضت الشهادة العلمية التي تقدمها كلية الطيرة برام الله وغالبية طلابها من اللاجئين من نظام البكالوريوس إلى شهادة دورة مهنية فقط، وكذلك خفضت شهادة كلية قلنديا المهنية شمالي القدس من شهادة معترف بها، إلى دورة مهنية لمدة تسعة شهور حذفت منها مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية".
كما أن الوكالة تراجعت في خدماتها في مجال البنية التحتية، وقطاعات الصحة والتعليم والإغاثة الاجتماعية، وقلصت الكثير من خدمات الدواء المقدمة من الوكالة، يقول عليان، إضافة إلى معاناة اللاجئين من نقص في العيادات الصحية والكادر الطبي، بينما تم وقف التحويلات الطبية للحالات المرضية المزمنة التي تستوجب علاجاً متواصلاً.

"لا يقدم القطاع الصحي سوى خدمات وعلاجات أولية وبعض الأدوية والتحويلات الطبية، لكنها ليست بالمستوى المطلوب"، وفق ما ترويه اللاجئة الفلسطينية فتحية نمر عن تراجع الوكالة في تقديم خدماتها الصحية المجانية التي كانت توفرها من خلال الاتفاق مع مستشفى المطلع في القدس قبل عدة سنوات، إلى حد أن اللاجئ أصبح يدفع علاجه كبقية المواطنين، ما يعني زيادة في حجم مصاريفه والعبء المالي المترتب على ذلك.

ويبلغ عدد المنشآت التعليمية التابعة للأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة 346 منشأة، منها 245 في غزة والبقية في الضفة، وتقدم الأونروا الخدمات التعليمية إلى نحو 276 ألف طالب، منهم 225 ألفاً في قطاع غزة، والبقية في الضفة، ضمن خدمات تعليمية جامعية ومهنية ومراحل أساسية، في حين تعمل بعض المدارس بنظام الفترات لقلة عدد المباني المتاحة. وتعمل الأونروا على توفير الخدمات الصحية في كافة مخيمات اللجوء في غزة والضفة الغربية، بنحو 22 مركزًا صحيًا في غزة، وعشرات العيادات الثابتة والعيادات المتنقلة في أماكن تواجد اللاجئين غير تلك المخيمات.

تقليص الأونرورا إنفاقها على الخدمات في المخيمات الفلسطينية انعكس بشكل سيئ على حياة اللاجئين الفلسطينيين وفاقم من أزماتهم في المخيمات، لا سيما في قطاع التوظيف ما عزز من البطالة في المخيمات وزاد من نسبتها ونسبة الفقر بين الفلسطينيين، كما يوضح حسين عليان في تصريحاته لـ"العربي الجديد".

ميزانية ضعيفة لا تلبي الاحتياجات

يحمل الناطق الرسمي للأونروا سامي مشعشع، أحداث مخيم اليرموك في سورية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سبب المشكلة قائلا لـ"العربي الجديد":"الخدمات لم تقلص بل زاد المحتاجون لتلك الخدمات بعد ما زاد العبء والالتزامات المالية على الوكالة، نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة للاجئين الفلسطينيين".

وتحتاج الأونروا إلى نحو 100 مليون دولار لسد عجزها في الميزانية العادية التي تخصصها للخدمات الصحية والإغاثية والتعليم، بينما تحتاج إلى 500 مليون دولار لسد عجزها في ميزانية الطوارئ في قطاع غزة، إضافة إلى 300 مليون دولار في سورية.

وتعاني الأونروا من عدم إمكانية بناء تسعة آلاف منزل هدمت بشكل كامل بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، واقتصرت عملية الإعمار على ترميم عشرات آلاف المنازل، نتيجة العجز في ميزانية الطوارئ. ورغم تشريد 380 ألف لاجئ فلسطيني في سورية، فإن الأونروا لم تستطع تقديم الخدمات المناسبة لأولئك المشردين، ما قد بعث برسالة سلبية تجاه الوكالة خصوصًا بين الشباب الفلسطيني في المخيمات.

البحث عن مصادر تمويلية لدعم الأونروا

العجز في ميزانية الوكالة دفعها إلى البحث عن مصادر تمويلية أخرى لتوفير تلك الاحتياجات من خلال دول مانحة جديدة، إذ إن الفصل الدراسي القادم لم يتبق له سوى عدة أسابيع فقط، ما قد يحرم مئات آلاف الطلبة من خدمات التعليم.

مشعشع أكد لـ"العربي الجديد" أن كل محاولات البحث عن ممولين قد باءت بالفشل لغاية الآن، والدول المانحة لم تتغير بعد، رغم محاولات التواصل مع بعض الدول الأخرى مثل الصين.

وتحاول الأونروا زيادة ميزانيتها السنوية لسد احتياجات اللاجئين الفلسطينيين، بينما يرى المسؤول الفلسطيني في ملف اللاجئين بمنظمة التحرير محمد عليان أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وكافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني ولجان الخدمات الشعبية في المخيمات، يقفون عند مسؤولياتهم ويطلعون على المشكلة عن كثب، ما يؤكد دورهم المناط بالضغط على الأونروا في تحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، أو المساعدة في البحث عن ممولين جدد.

بوادر أزمة كبيرة في مخيمات الضفة

تنذر التقليصات التي تسعى إلى تنفيذها وكالة الغوث ببوادر أزمة جديدة ستعم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، لكن معالمها ستتضح مع بداية الفصل الدراسي الجديد، كما يقول المسؤول في مخيم العروب أحمد أبو خيران.

وأوضح أبو خيران، مدير خدمات مخيم العروب للاجئين الفلسطينيين جنوبي مدينة الخليل، بأن وكالة الغوث بدأت بتقليصات كبيرة تشمل أقسام الصحة والتعليم والإغاثة الاجتماعية، وهو ما سيؤثر سلباً على حياة اللاجئ الفلسطيني، ويمس بالخدمات بشكل مباشر. ويشكل تقليص الخدمات أزمة مستمرة مع وكالة الغوث والجهات المانحة، التي سبق أن تكفلت برعاية اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها، وفق أبو خيران.
وحذر المسؤول في مخيم العروب من موجة احتجاجات وخطوات تصعيدية ستحدث، ما سيدخل المخيمات الفلسطينية منعطفًا جديدًا، من خلال سلسلة من الإضرابات الشاملة التي ستعم كافة المخيمات، احتجاجًا على تنصل وكالة الغوث من خدماتها.

وتعيش المخيمات الفلسطينية بحسب أبو خيران حالة خاصة من المعاناة، في ظل هجمات الاحتلال الإسرائيلي عليها من جهة، وإهمال السلطة الفلسطينية المتعمد لها من جهة أخرى، إلى جانب تقليل وتقليص وكالة الغوث لخدماتها.

ويؤكد أبو خيران أن سياسات الأونروا هذه ستحدث أزمة متفاقمة في كافة القطاعات الصحية والاجتماعية والتعليمية داخل المخيم، ما يصعب الظروف المعيشية على اللاجئين والذين هم مسؤولية الأمم المتحدة ووكالة الغوث التابعة لها.

وتعاني كافة المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، من الاكتظاظ السكاني، وقلة المساحة وعدم توفر أماكن للتوسع العمراني، في الوقت الذي لم تفِ فيه وكالة الغوث بوعودها بزيادة مساحة البناء للمخيمات، فيما تعيش عشرات الآلاف من الأسر في بيوت وغرف سكنية غير آمنة، ما يعرض حياتهم للخطر في حال حدوث هزات أرضية.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية أكثر من 2.6 مليون لاجئ، منهم 1.7مليون في غزة، و914 ألف لاجئ في الضفة الغربية، في حين بلغ عدد المخيمات التي تعترف بها الأونروا؛ 26 مخيمًا، منها 18 في الضفة وثمانية في قطاع غزة، علاوة على وجود عدد بسيط من المخيمات التي تشرف عليها منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر دون اعتراف من الوكالة الدولية.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في كلٍ من الأردن ولبنان وسورية أكثر من 3 ملايين لاجئ، وبلغ عدد مخيمات اللجوء في هذه الدول 34 مخيمًا، تقدم فيها الأونروا الخدمات التعليمية والصحية إما من خلال مدارس ومراكز صحية تابعة لها أو من خلال الاتفاق مع القطاع الخاص.
لا يخفي اللاجئ علي البابا من سكان مخيم الأمعري، تخوفه من إعلان الوكالة عن سلسلة تقليصات جديدة في خدماتها، قائلاً "أراها محاولة للتخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين ومن عبئها، إذ وصلت تلك التقليصات إلى الخدمات الأساسية التي لا يمكن للاجئ الاستغناء عنها، رغم أنها لا تقدم لأغلبية اللاجئين غير خدمات التعليم والصحة".

ويؤكد البابا أن أول المتضررين من تلك القرارات التي تصدرها الأونروا، هم اللاجئون الفلسطينيون وخاصة من يسكنون في المخيمات، في ما يرى المسؤول في ملف اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، محمد عليان، أن ما تحاوله الوكالة من تقليص لتلك الخدمات بحجة عدم وجود تمويلٍ كافٍ، لا يعفيها من مسؤولياتها التي يجب أن تتحملها. ويطالب عليان السلطة الفلسطينية بالضغط على الأونروا للتراجع عن هذه التقليصات، ومناشدة الدول المانحة لتوفير تمويل يسد حاجة اللاجئين.



تكرار ذات السيناريو


يتكرر سيناريو معاناة لاجئي الضفة الغربية، ولكن بشكل أكثر قسوة مع اللاجئين الفلسطينيين ممن عاشوا في سورية، وتركوا مخيماتهم بسبب الحرب، مرتحلين إلى لبنان. من هؤلاء أبو أحمد الذي يرى بأن "الوكالة تمادت في سياسة الظلم من خلال تقليص خدماتها، وإلغاء برنامج الطوارئ لنازحي مخيمات سورية".

يطالب أبو أحمد الوكالة بالعودة عن قرارها بوقف دفع بدل الإيجار بدءاً من مطلع شهر يوليو/تموز الجاري، معتبراً أن القرار الخاص به وبنظرائه، يهدف بالأساس إلى تخلي الأونروا عن مسؤولياتها تجاه النازحين من مخيمات سورية، وتركهم في العراء.
علي هويدي، المنسق الإقليمي لـ"مركز العودة الفلسطيني- لندن" وخبير في شؤون "الأونروا"، يعلق على قرارات الأونروا قائلا لـ"العربي الجديد": "تقليص الخدمات ليس جديداً، إذ بدأ منذ 30 سنة، والتدرج في موضوع التقليص هدفه سياسي، وليس مشكلة مالية تعاني منها الدول المانحة، لأن هذه الدول تقدم تبرعات بشكل طوعي وهي غير ملزمة بدفع ميزانية لوكالة الأونروا، ولا أظن أن الدول المانحة عاجزة عن توفير مبلغ العجز المقدر بمائة مليون دولار، لذلك أرى أن القرار هدفه سياسي للضغط على اللاجئ الفلسطيني للقبول بأي استحقاق سياسي في المستقبل يتم التوافق عليه من خلال تسوية غير عادلة".

وأشار هويدي إلى وجود ميزانيتين لوكالة الأونروا، رئيسية وأخرى خاصة بالبرامج الخاصة، قائلا: "الدول المانحة تتجه لدعم البرامج الخاصة على حساب الميزانية الرئيسية، وهو ما يعد ضغطاً لفرض حلول على اللاجئين الفلسطينيين قد يؤدي لإسقاط حق العودة".

ويلمح هويدي إلى خطر التقليصات على المستوى الأمني، قائلا "نسبة البطالة تزيد عن 60% بين اللاجئين الفلسطينيين، والفقر أكبر من المستوى المتعارف عليه عالمياً، وكذلك نسبة التسرب المدرسي المتزايدة باستمرار، وهو ما يعد تهديدا أمنيا"، معتبرا أن المفوض العام للأونروا استخف بعقول الناس من خلال قوله "إن كلمة تقليص خدمات كلمة خاطئة، نحن نحاول الحفاظ على الخدمة نفسها ولكن بكلفة أقل".

ويتفق ياسر رمضان، رئيس لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين من سورية في المخيمات الفلسطينية بمنطقة صيدا، مع الرأي السابق قائلا: "بعد نزوح الفلسطينيين من سورية إلى مخيمات لبنان، لم تقدم الأونروا لهم الخدمات إلا بعد مرور سبعة أشهر، اقتصرت الخدمات جزئيا على الجانب الصحي، ولم يتم قبول أي طالب في مدارس الأونروا، ولكن بعد ضغط شعبي اقتصرت المساعدات على حصص غذائية، و 100 دولار أميركي شهرياً لكل عائلة بدل إيواء، و30 دولاراً بدل غذاء لكل فرد".

التحقت نسبة قليلة من أبناء العائلات الفلسطينية السورية المهجرة بمدارس الأونروا، إذ بلغ عدد الطلاب 2050 طالباً في كل المناطق، كما اقتصرت الخدمات الصحية على أمور بسيطة، فيما تحتاج العمليات الجراحية إلى موافقة من الأونروا في سورية، تستغرق شهراً وتغطي في النهاية ما نسبته 30% من تكلفة العملية.

تعاني عائلة اللاجئ الفلسطيني عبدالرحيم محمد من شطبهم من لوائح مساعدات الوكالة بحجة أنهم عادوا إلى سورية، بينما هم في لبنان، فيما يقول شقيقه: "تم إبلاغنا أنه من بداية شهر تموز/يوليو ستتوقف الأونروا عن دفع بدل الإيواء لكل عائلة، وحتى بدل الغذاء تم تقليصه إلى 27 دولاراً أميركياً شهرياً لكل فرد، كما أبلغنا بتوقف بدل الغذاء بعد 3 أشهر".

الأونروا: الوضع كارثي

تصف مسؤولة الإعلام في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة في بيروت، زيزيت دركزللي، وضع اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية إلى لبنان بـ"الكارثي" نتيجة تراكم عوامل داخلية وخارجية.
وتقدر دركزللي في تصريحات لـ"العربي الجديد" عدد اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية إلى لبنان بحوالي 44 ألف شخص، لجأوا إلى لبنان خلال السنوات الأربع الماضية مع تطور أحداث الأزمة السورية. ويقيمون في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الموجودة في مختلف المناطق اللبنانية، وفي عدد من المدن.

وتشير إلى تنوع ما تقدمه الوكالة للاجئين النازحين بين "الخدمات الاعتيادية كالصحة والتعليم التي نقدمها لكافة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إضافة إلى تقديم خدمات إغاثية للنازحين من سورية تشمل الحماية والاستشارة القانونية وتمويل المشاريع الصغيرة (مايكرو فايننس)".

كما تقدم الوكالة مبالغ مالية للاجئين، عبارة عن بدل غذاء شهري يبلغ 27 دولاراً أميركياً للفرد، وبدل إيواء شهري للعائلة يبلغ 100 دولار. وتؤكد دركزللي "وقف تقديم بدل الإيواء ابتداء من يوليو/تموز الجاري نتيجة نقص التمويل في الوكالة". وهو ما ينعكس سلباً على النازحين الذين يقيمون بمعظمهم في غرف مستأجرة داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، أو في منازل أقربائهم بشكل مؤقت حتى إيجاد مسكن مستقل للاستئجار.

وتعود أسباب نقص التمويل، بحسب دركزللي، إلى "عوامل خارجية مرتبطة بازدياد الأزمات على صعيد الشرق الأوسط والعالم، وتزايد أعداد اللاجئين والأمراض المستعصية التي تحتاج إلى تمويل كبير، ما أدى لحصول معركة تمويل بين مختلف المشاريع. وعوامل أخرى داخلية تتمثل في ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان من الغذاء إلى الدواء وصولاً إلى إيجارات مكاتب الوكالة ومؤسساتها الصحية والتربوية المنتشرة في كافة المناطق، وفرض بدل مالي على إقامة اللاجئين النازحين من سورية". ويبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة (450 دولاراً)، في حين تتجاوز كلفة استئجار غرفة واحدة في بيروت وضواحيها 300 دولار أميركي.

وتصف دركزللي، مشكلة منح الإقامات بالكارثة، بعد قرار لجهاز الأمن العام اللبناني بفرض سمات دخول مقابل بدل مالي يبلغ 200 دولار على السوريين والفلسطينيين القادمين من سورية، بدءاً من يناير/كانون الثاني الماضي بهدف تقليص تدفق اللاجئين من سورية إلى لبنان.
وتشير دركزللي إلى أن "أغلب اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية غير قادرين على توفير بدل الإقامة السنوي. كما يرفض الأمن العام اللبناني منح الإقامات للاجئين الذين يستوفون الشروط المطلوبة ويملكون المبلغ". وتحذر المتحدثة الإعلامية للوكالة من تفاقم أزمة الإقامات بسبب "تعرض النازحين لخطر الاعتقال المتكرر والحرمان من حق التنقل، كما لا يتمكن النازحون من تسجيل حالات الزواج والطلاق والوفاة والولادة نتيجة إقامتهم غير القانونية". وعادة ما يحتاج اللاجئون المعتقلون إلى مساعدة قانونية تقدمها الوكالة وجمعيات أهلية محلية ودولية، تنتهي بإطلاق سراحهم دون حل مشكلة وضعهم القانوني غير السليم.

--------
اقرأ أيضا :
"العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
جنود إسرائيل الغربيون
"العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين