سورية.. شبيحة يبيعون أغراض الأحياء الثائرة في "سوق الحرامية"

سورية.. شبيحة يبيعون أغراض الأحياء الثائرة في "سوق الحرامية"

28 مايو 2014
جانب من المسروقات المباعة في سوق الحرامية (العربي الجديد)
+ الخط -

"سوق السُنّة، سوق الحرية، سوق الحرامية".. ثلاثة أوصاف لأسواق جديدة خلّفها اقتصاد الحرب في سورية، حيث أصبح من المتعارف عليه وسط السوريين أنه يمكنك شراء ما تحتاجه من هذه الأسواق لكن بأسعار بخسة، والسبب أنها مسروقة من منازل الأحياء الثائرة.

فور أن يقتحم جيش النظام، الحي الثائر تبدأ تلك الأسواق في النشوء نتيجة عمليات النهب المنظم، التي يقوم بها الشبيحة المصاحبون لفرق الجيش الى المنازل، التي هجرها أصحابها. تختلف طبيعة التبادل التجاري في هذه الأسواق من منطقة الى أخرى، كما تختلف آلية التعامل فيها، لكن من المتفق عليه وسط السوريين أنها تنشأ بسبب السرقة المنظمة التي تتلو عمليات القتل والاعتقال والتهجير. 

صحيفة "الوطن" التابعة للنظام السوري، بينت في إحصائية أن عدد حالاتِ سرقة المنازل المسجلة بلغ نحو 30 ألف منزل في سبع محافظات، وفي حلب وحدَها بلغ عددُ حالات سرقةِ المنازل نحو 12 ألف منزل، أغلبُها في حي الليرمون، إضافة الى بعض المناطق الريفية، وبلغت السرقات في ريف دمشق نحو ستةِ آلاف سرقة، وبغض النظر عن دقة تلك الإحصائية التي يؤكد ناشطون بأنها مضاعفة، لم تأت الصحيفة على ذكر الجهة التي تنهب تلك المنازل، وأين مصير تلك المسروقات، التي انتشرت على امتداد مناطق النظام على شكل أسواق منظمة، وتحت تسميات مختلفة، منها "سوق السُّنة"، "سوق الحرامية"، أو"سوق الحرية" كما يسمّيه بعض ناشطي الثورة السورية.

سوق السُنّه

في محافظة حمص، وفي حيّ عكرمة المخزومي، وتحديداً عند دوّار النزهة، وعلى حائط مسبح صحارى العائلي، نشأتْ ظاهرة "سوق السُنّة" لأول مرة، بعد أن أطلق شبيحة النظام، الاسم السابق على سوق شكّلوها من مسروقات منازل السكان في الأحياء الثائرة.
الملازم أحمد السبتي، كان يؤدي خدمة العلم في حمص، قبل أن يعلن انشقاقه عن قوات النظام، روى لــ"العربي الجديد" عن أيام خدمته وظاهرة السرقة التي عايشها عاجزاً عن فعل أي شيء: كانت قوات الشبيحة التي تشكلت من الأحياء الموالية للنظام في حمص، تتسابق على اقتحام الأحياء الثائرة، لعلمهم بما يستتبع ذلك من غنائم وسرقات لمنازل الأهالي، وغالباً ما كان الضباط  يمنحون تلك الأحياء لفرق الشبيحة لسرقتها، كمكافأة على قتالهم في جبهات أخرى.

أضاف الملازم السبتي، بتهكم وحسرة مستذكراً موقفاً حدث أمامه، "بعد نزوح الأهالي من حي الإنشاءات في حمص، كان مجموعة الضباط المسؤولين عن الاقتحام، يستثقلون عملية السرقة لعشرات الشقق السكنية، ليس من جانب أخلاقي، وإنما لأنها تحتاج جهداً في النقل والتسويق فيما بعد، فوجدوا مخرجاً لذلك بتضمين أبنية أو أحياء كاملة للشبيحة، حيث دخل شبيح يدعى، أبو جعفر، ومعه عشرات المقاتلين، فتم الاتفاق على منحه أبنية معينة عرفت بثراء أهلها، مقابل مبلغ مقطوع للضابط، وتم تحديد وقت معين له لإخلاء هذه المنازل، فأخرجوها كاملة ولم يتركوا أي شيء حتى صنابير المياه فكّوها، ثم نقلوها إلى البازار المشهور في حي عكرمة، والذي عرف فيما بعد بسوق السنة".

في المقابل قال سامر الحمصي، أحد الذين سرقت بيوتهم في حمص: قبل اقتحام حيّنا استطعت الخروج بأثاث منزلي، ظننت أني نجوت به، ليستوقفني حاجز شبيحة على الطريق، ويقوم بسرقة الأثاث كاملاً، لا بل والأكثر من ذلك اتهمني أنا بسرقتها.

لم تتوقف عمليات النهب، ومعها تلك الأسواق، حيث ظهرت مؤخراً فيديوهات وثقها ناشطون عن سرقة الجيش لأحياء حمص القديمة بعد أن خرج منها المقاتلون في الاتفاق الأخير.

 

سوق السنة في سوريا  

من حمص إلى دمشق

تنتشر "أسواق الحريّة" كالنار في الهشيم، ضمن العاصمة دمشق، في المَزّة وجسر الثورة وداخل مدينة دويلعة في حي كشكول، وضمن محيط كراج السومرية، كلها شهدت إقامة أسواق لمسروقات من منازل أهالي ريف دمشق الذين نزحوا إلى العاصمة، بعد اقتحام الجيش مدنهم.

هالة خليفة، إحدى النازحات من مدينة زملكا إلى دمشق العاصمة، روت لــ"العربي الجديد" قصة منزلها المسروق بعد النزوح، "خرجنا بأرواحنا فقط، اضطررنا لاستئجار منزل يأوينا أنا وعائلتي، لم يكن المنزل مفروشاً، فبعت ما أملك من ذهب لشراء الفرش، وقد دلني بعض الأصدقاء على سوق في منطقة دويلعة، وأنا أتجول في السوق، صعقت بفرش منزلي معروضاً كما هو، البراد والتلفاز والغسالة".

وأضافت "فكرت مئة مرة أن أقول للبائع إنه فرش بيتي، ولكن ترددت ففي كل الأحوال لن يعيده إلي، وفي النهاية اشتريت الفرش كاملاً، على الأقل أعرف أني لا أشتري مسروقات أحد آخر، ودفعت مبلغ 250 ألف ليرة سورية وعيناي تدمعان، إذ أن بعض تلك القطع مازلت أدفع أقساطها إلى الآن".

ربما كانت هالة أفضل حالاً من أبو رامز الرجل الستيني، الذي رأى آلات ورشة الخياطة التي كان يملكها في عربين، معروضة للبيع في سوق الحرامية، تحت جسر الثورة في العاصمة دمشق.

أبو رامز، قال هو الآخر: كان لدي مجموعة من العاملين ضمن الورشة، وبعد النزوح فقدوا عملهم نتيجة إغلاقها، أحدهم يعمل على سيارة نقل صغيرة في سوق الحرامية، وفي يوم أخبرني أنه رأى آلات الورشة معروضة في السوق، توجهت إلى هناك وقد رأيتها فعلاً، لم يكن لدي المال لإعادة شرائها، ولم أستطع التحرك وأنا أعرف أنها ملكي، جن جنوني فأخبرت البائع أنها ملكي ولابد أن يعيدها لي، فما كان منه إلا أن استدعى بعض الباعة الآخرين وبدأوا في شتمي، وكادوا يضربونني لولا تدخل بعض الناس.

طبيعة السوق

على الرغم من طرافة التسمية التي تصيب بعض مرتاديه وبائعيه بالإحراج أحياناً، بمجرد أن تطأ أرض سوق الحرامية المفتوحة في دمشق، وتمشي في الهواء الطلق، تشعر بدوار شديد وعدم القدرة على السير لكثرة البضائع المفروشة على الأرض، والمبعثرة بشكل فوضوي، وكأن الأرض خارجة لتوها من زلزال، ليصعب تمييز البائع من الشاري.

"الكماشة"..الاسم الحركي لشاب في ثلاثينات العمر، وقف في سوق الحرامية وأمامه غرفة نوم مفككة القطع، وطاولات مختلفة الحجم، وكراسي ومقاعد ورفوف لا تخفي حالتها الجيدة، وكأنها جلبت من منزل مرتب لتفترش قارعة الطريق، وعند سؤاله عن البضاعة، أجاب بحذر وارتياب، "اشتريتها من الأهالي الذين غادروا منازلهم، ما اضطرهم لبيع فرشهم" وأضاف بلهجة عدائية، "لماذا تسأل؟  هنا إما أن تشتري أو تذهب في طريقك".

 وعند سؤال بائع آخر رفض ذكر اسمه قال: قبل النزوح كان الناس يرفضون شراء المسروقات، على الرغم من سعرها المنخفض، أما بعد النزوح، والحصار الاقتصادي الذي منع استيراد بضائع كثيرة، وخاصة الكهربائية منها ارتفع الطلب، ومعه الأسعار بشكل مضاعف عن السابق، حيث زاد إقبال الناس على السوق.

سرقة وغنيمة

تختلف مبررات "الشبيحة" ومسوغاتهم للسرقة، فمنهم من يعتبرها "غنيمة"، ومنهم من يعتبرها تعويضاً عن التعب والتضحيات التي بذلوها في جبهات القتال، خاصة أنهم يسرقون منازل ليس فيها أحد، كما يقولون بعد أن فر منها أهلها، لكن جميعهم يحلل السرقة ويبيع رافعاً شعار: "بيع ولا تخلي اسمك يضيع"، وبينما كانت الفتوى محسومة بالنسبة للشبيحة بتحليل السرقة، لاقت جدلاً واسعاً بين المواطنين فمنهم من يرى أنها مال حرام يرفضون إدخاله بيوتهم ومحالهم، وهو ما أكده "سعيد" صاحب محل بيع الأجهزة الكهربائية: جاءني شخص وعرض علي شراء بضاعة بنصف ثمنها، ولم يكن بحوزته فواتير تثبت مصدرها، لكني رفضت لأني أعلم علم اليقين أنها مسروقة، وأنا أرفض شراء بضاعة مسروقة، ولو كان هامش الربح فيها يصل الى 100%.

بينما لمهاب، الشاب الذي فرش بيت الزوجية من السوق نظرة أخرى، حيث أوضح "لا تعنيني الطريقة التي يحصل فيها البائع على بضائعه، ما دمت أدفع ثمنها من مالي الحلال، وما دام البائع لا يصرح أن مبيعاته مسروقة".