منحة الزواج في ليبيا... ازدياد حالات الطلاق وعقود قران للقاصرات

منحة الزواج في ليبيا... ازدياد حالات الطلاق وعقود قران للقاصرات

10 سبتمبر 2023
يعقد ليبيون زواجاً صورياً للحصول على منحة الزواج (Getty)
+ الخط -

استغل ليبيون في شرق البلاد وغربها منحة الزواج التي أقرتها حكومة الوحدة الوطنية، من أجل الحصول على قيمتها التي تزيد عن 8 آلاف دولار أميركي للطرفين، ما أسفر عن تزايد لحالات الطلاق وحتى إبرام عقود قران للقاصرات.

- تخشى الموظفة الليبية في محكمة طبرق (شرق طرابلس) سليمة أبو بكر، من انفجار جديد في أعداد حالات الطلاق بين دفعات الليبيين ممن ينتظرون دورهم للحصول على منحة تيسير الزواج، والتي أُقرت حتى يتسنى للراغبين في عقد قرانهم تغطية نفقاتهم بعد الحصول على مبلغ 40 ألف دينار ليبي (8297 دولارا أميركيا)، مقسمة على الطرفين بالتساوي، وكان الشرط الوحيد في البداية أن يقدم الشاب ما يثبت إقدامه على الزواج فقط، كما تقول لـ"العربي الجديد".

وتتابع أبو بكر التي تعمل في الإدارة المعنية بكتابة المحاضر أن أكثر من 40 ملفا شهريا لحالات طلاق تسجل في المحكمة، منذ إقرار المنحة في 12 أغسطس/آب من عام 2021 عبر وزارة الشباب في حكومة الوحدة الوطنية، مفسرة ذلك بعدم تقييد الاستفادة من المنحة التي ينظم إجراءاتها صندوق تيسير الزواج بأي شروط في البداية، ما أسهم في تصاعد حالات الطلاق الناجمة عن زواج صوري أو متسرع من أجل الحصول على المبلغ المالي.

أخطاء تنظيمية بعد إقرار منحة تيسير الزواج

بلغ عدد المستفيدين من منحة تيسير الزواج 50 ألف ليبي وليبية، إذ صرف المليار دينار الأول المخصص لها في 5 سبتمبر/أيلول عام 2021 وتلاه مليار ثان، وما زال 42 ألفا ينتظرون دورهم للحصول عليها لدى صرف المليار الثالث الذي ينتظر موافقة مجلس النواب الليبي، بحسب تأكيد مديرة إدارة شؤون الزواج في الصندوق نسرين بن نوبه لـ"العربي الجديد".

لكن الطلب الكبير على المنحة، كان يقف خلفه أشخاص سعوا إلى "المصلحة المادية"، وفق ما رصدته أبو بكر، ما أسفر عن تصاعد حالات الطلاق عقب القرار، بخاصة بين القصر من مواليد عام 2008.

وهو ما يؤكده قاض قابله معد التحقيق في فبراير/شباط 2023 داخل ردهات محكمة طبرق، وطلب عدم ذكر اسمه لأن القضاة ممنوعون من التصريح لوسائل الإعلام، موضحا أن الأرقام الموثقة لديهم في سجلات المحكمة ودفاتر كاتبي المحاضر، تفوق 60 حالة طلاق شهريا، وهذه أعداد ظهرت في البلاد منذ تفعيل منحة الزواج وتستمر آثارها على مستوى جميع المدن الليبية.

تسببت منحة الزواج بتفاقم الطلاق خاصة بين القاصرات

والتقت سهولة شروط التقدم على المنحة بأوضاع معيشية صعبة شجعت على استغلالها بحثا عن المال، بحسب ما جاء في كتاب أصدره المستشار محمد الحافي، رئيس المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء، في 15 سبتمبر عام 2021 والموجه إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ينتقد فيها قرار منحة الزواج، محذرا من أن "المقبلين على إبرام عقود الزواج من الشباب بشكل منقطع النظير، ليس من أجل تحقيق الأغراض التي ابتغاها الشرع الإسلامي ومقاصده، بل إن النية المبيتة قد تكون للحصول على العشرين ألف دينار المقررة لكل طرف"، وفق ما نص عليه الكتاب الذي اطلع عليه "العربي الجديد".

الصورة
الحافي
تحذير المجلس الأعلى للقضاء من تكدس طلبات الطلاق في المحاكم بسبب منحة الزواج (العربي الجديد)

ويقدر شاكر ياسين محمد، العضو في إدارة المحاماة العامة (حكومية تنوب عن المواطنين دون مقابل) بطبرق، من خلال عمله، التصاعد في حالات الطلاق المسجلة في المحاكم الليبية عام 2021 بنسبة تتراوح بين 30 و40% من إجمالي حالات الزواج، مقارنة بسنوات سابقة، وسجلت 7476 حالة طلاق عام 2019، وكانت 9425 حالة عام 2018، بينما سُجلت 10852 حالة طلاق عام 2017، بعد أن كانت 8743 عام 2016، بحسب آخر إحصائية على مستوى البلاد أعلنت في "المؤتمر العلمي الأول للطلاق في ليبيا.. الأسباب والحلول" والذي عقد في 7 و8 مارس/آذر 2020.

 

من هي الفئات التي أساءت استغلال المنحة؟

رصدت المحامية منال الساكر، التي تعمل في مكتبها الخاص بطبرق، الفئات التي استغلت قرار المنحة بغرض الحصول على المال، أولها القصّر من النساء والرجال، وبالرغم من أن أعدادهم كانت كبيرة إلا أنهم حصلوا على إذن قضائي للزواج، والغالبية من هؤلاء أحجموا عن الاستمرار في الحياة الزوجية والاكتفاء بما في أيديهم من أموال، وهناك فئة أخرى ممن هم في سن الزواج القانونية، لكنهم لجأوا للطلاق بعد الحصول على منحة الزواج وانتهى الأمر بينهما بتقاسم المال وكل ذهب في حال سبيله، بخاصة أنه لم تسنّ أي شروط بشأن السن لدى إقرار منحة الزواج في بدايتها، وهو ما أعطى الأريحية للمحكمة لتوافق على عقد القران بوجود إذن القضاء الذي يأخذ بعين الاعتبار موافقة ولي الأمر على تزويج القاصر أو القاصرة، إذ إن القانون الليبي رقم 10 الصادر عام 1984 والمعدل عام 2015 نص على أن تكون سن الزواج القانونية 18 عاما للذكر والأنثى، ومن هم دون هذه السن يحتاجون إذنا قضائيا وموافقة ولي الأمر، حسبما تقول الساكر لـ"العربي الجديد".

وتقرّ بن نوبه بأن عام 2021 الذي أُقرت خلاله المنحة سجل تزايدا كبيرا في عقود الزواج التي وصل عددها إلى 133 ألفا، من بينهم 50 ألف ذكر وأنثى حاصلين على منحة الزواج، منها 940 حالة زواج لفتيات قاصرات، بينما كان متوسط حالات الزواج في ليبيا سابقا 40 ألف حالة سنويا.

وصل عدد عقود الزواج المسجلة عقب قرار المنحة إلى 133 ألفاً

لكن على مستوى مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية والتي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تكشف الإحصائيات عن تصاعد في عدد حالات زواج القاصرات المسجلة في عام 2021، إذ بلغت حينها 3581 حالة، من أصل 9873 عقد زواج جديد، بينما كان عدد العقود 1125 عقدا عام 2020، و740 عام 2019، و854 عقدا في 2018، بحسب بيانات حصل عليه "العربي الجديد" من رئيس المؤتمر العلمي الأول للطلاق في ليبيا عبد الجليل الفزاني، وجرى جمعها عبر سجلات محاكم جنوب وشمال وشرق بنغازي الابتدائية في 6 مارس/آذار 2022.

وتعزو بن نوبه هذا الارتفاع في تزويج القاصرات إلى عدم تحديد أي شروط للمتقدمين لدى صرف المليار الأول، لكن عقب رصد القفزات في حالات الزواج تداركت إدارة الصندوق الأمر، وأقروا ضوابط أهمها أن يكون المتقدم للمنحة قد بلغ 25 عاما للزوج و18 عاما للزوجة، وألا يزيد فرق العمر بين الزوجين عن 15 عاما، لكنها تعود وتحمل المسؤولية لأولياء الأمور والقضاة الذين أعطوا الإذن لزواج القاصرات، موضحة أنهم في صندوق تيسير الزواج مهمتهم دعم استكمال الزواج فقط.

 

من جهته، يوضح عضو المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا المستشار سعد المصراتي لـ"العربي الجديد" أن القانون رقم 10 لعام 1984 يحدد سن الزواج للذكر والأنثى بعمر 18 عاما، وهناك "سلطة تقديرية للقاضي" تخوله بمنح إذن قضائي بعقد القرآن لمن تقل أعمارهم عن 18، لكنه يحمّل المسؤولية لولي الأمر في تزويج ابنته القاصر التي تفتقر للكفاءة الجسمانية أو الذهنية، كما يحمل المسؤولية لبعض القضاة إذا خالفوا الشروط والضوابط المنظمة لعملية الزواج لأية أغراض أو أهواء شخصية.

وتلقي الساكر أيضا بجزء كبير من المسؤولية على أولياء الأمور الذين مارسوا سلوكا انتهازيا، فكانت التبعات الاجتماعية والمادية كبيرة على الطرفين، بخاصة في حالات القصّر من الجنسين الذين حصلوا على إذن الزواج من أجل عقد قرانهم والتقدم إلى المنحة والتي لم تكن من نصيبهم، ما دفعهم إلى إنهاء زواجهم.

ويبدي أستاذ علم الاجتماع في جامعة طبرق الحكومية عبد الفتاح بالعيد هودج قلقه من الاستهتار بموضوع الزواج، حتى أصبح التعامل مع الأمر ماديا بحتا منذ إقرار المنحة، بعيدا عن أسس وقواعد والهدف الشرعي من الزواج، بل وتعدى حتى العادات والتقاليد المعمول بها في المجتمع الليبي، إذ شهد المجتمع الليبي طفرة عام 2021 على مستوى عدد حالات الزواج المسجلة، لدرجة أنه كان من الصعب والطريف، على حد وصفه، إيجاد مأذون لعقد القران في فترة تقديم الطلبات للمنحة، وذلك لكثرة المقبلين على عقد قرانهم في ذلك الوقت، لتنتج عن تلك الطفرة زيادة في الطلاق الذي بات يؤرق المجتمع الليبي، الذي يسجل حالة طلاق من بين كل 3 حالات زواج.

تحايل للحصول على المال

يستغرب عبد الباسط ألطيف، أمين مكتب السجل المدني في طبرق من تكرر مشهد قدوم ولي الأمر حاملا معه حكم طلاق لابنته التي لم يمض على زواجها سوى فترة بسيطة، مستذكرا قصة أب زوّج اثنتين من بناته ثم حضر بعد مدة قصيرة جدا ومعه حكم طلاق البنتين، علما أن كلتيهما حصلتا على مبلغ المنحة عقب عقد قرانهما وفقا لما رواه الوالد.

والمثير أنه ليس من المعقول أن يكون السبب عدم التوافق مع زوجيهما، والحديث لألطيف، كون الزواج والطلاق كان للبنتين في ذات الفترة "ومن الواضح أنه جرى ترتيب الزواج بهدف الاستفادة من مبلغ المنحة، وغيرهما كثيرات ممن كانت أعمارهن أقل من 14 عاما". 

الصورة
تسجيل أعداد كبيرة في عقود الزواج خلال العام 2021
زيادة كبيرة في عقود الزواج خلال عام 2021 (Getty)

أما القصة الأغرب على حد وصفه، فهي صدمة رجل كان يتردد على السجل للحصول على بعض المستندات، وفوجئ بأن ابنه مقيد في السجل "متزوج"، ليجد أن ابنه عقد صفقة زواج من فتاة بهدف الحصول على المنحة، ولم يعتزم إشهار ذلك لوجود نية مسبقة بإنهاء هذا الزواج عقب حصول الطرفين على مبلغ المال، ما يؤكد أن هناك اتفاقات جرت بين بعض الأسر على استلام المال، وكأن الطرفين في فترة خطوبة تنتهي بعدم التراضي والانفصال، وأضاف ألطيف لـ"العربي الجديد" أن هذا القرار تسبب بما لا يدع مجالا للشك في ارتفاع عدد حالات الطلاق. لكنه لا ينفي حقيقة أن هناك بعض المواطنين استفادوا منه واستطاعوا تكوين أسر.

ويعدّ السجل المدني طرفا مهما، ومنه تبدأ الإجراءات الورقية وتثبيت العقد ليحصل المقبل على الزواج بعد عقد القران على ما يسمى ورقة وضع عائلة ورقم قيد للتقدم إلى منحة الزواج. ويقرّ أمين السجل المدني ألطيف بوقوع أخطاء إدارية أسهمت في تفاقم تبعات المنحة منها إسناد المهام في السجل لأشخاص غير مؤهلين من المتعاونين في فترة الضغط التي أعقبت الإعلان عن المنحة، ما تسبب بحدوث تجاوزات تمثلت بإعداد وثيقة سجل مدني رغم أن المستندات المطلوبة كانت ناقصة، وعقب اكتشاف هذه الأخطاء لاحقا تم إيقاف معاملاتهم ولم يمنحوا قيد عائلة وتم استثناؤهم من المنحة. وهذا كله كان نتيجة إقبال المواطنين على التسجيل وإلحاحهم على إتمام إجراءاتهم ليتقدموا للمنحة.

وتكشف بن نوبه وقوع محاولات تحايل عبر إدخال أرقام وطنية غير صحيحة لقبول الطلب، لكنها تؤكد أنه جرى اكتشافها عن طريق نيابة الأحوال المدنية.

ورغم ما واجهه المجتمع الليبي من تداعيات سلبية للمنحة، لكن ذلك لا ينفي حقيقة استفادة مواطنين ومن بينهم المراسل الصحافي امقرب المجبري، والذي عبر عن سعادته بمبلغ المنحة التي شكلت فارقا في حياته، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن تفاهم الطرفين المقبلين على الزواج بصرف هذه المنحة بالكيفية التي تخدم مستقبلهما، هو عامل نجاح قوي يساعد على بناء أسرة ناجحة.