ممر الكوكايين... الطريق إلى أوروبا يبدأ من البرازيل عبر غرب أفريقيا

ممر الكوكايين... الطريق إلى أوروبا يبدأ من البرازيل ويمر بغرب أفريقيا

11 ابريل 2024
تفشي الفقر والفساد في غرب أفريقيا يسهل مهمة المهربين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تزايد تهريب الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا عبر البرازيل وموانئ غرب أفريقيا، يكشف شبكات معقدة تربط المنتجين بالمستهلكين، مع تسليط الضوء على دور غرب أفريقيا كمحطة رئيسية.
- الفقر والفساد في غرب أفريقيا يسهلان التهريب، مع تورط نخب سياسية وعسكرية، خاصة في غينيا بيساو، مما يؤكد على الحاجة لتعزيز الرقابة.
- فشل برنامج الأمم المتحدة لمحاربة الاتجار بالمخدرات وتطور حيل الشبكات الإجرامية يدل على الحاجة الماسة لتطوير أساليب المراقبة وتعزيز التعاون الدولي.

يتصاعد تهريب الكوكايين المزروع في دول أميركا اللاتينية عبر البرازيل، التي تنسّق شبكات المهربين فيها بين المنتجين والمستهلكين النهائيين في أوروبا، بينما يصل المخدر إليهم عبر موانئ غرب أفريقيا، وسط فوضى أمنية.

- سيطرت مشاعر الدهشة على القبطان كريم مارا، رئيس الخدمات اللوجستية في القوات البحرية السنغالية، بسبب حجم كمية مخدر الكوكايين الكبيرة التي جرت مصادرتها على متن سفينة قادمة من أميركا اللاتينية اعترضتها الدورية التي كان يقودها في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، على بعد 150 كيلومتراً قبالة ساحل دكار، بينما كانت في طريقها لدولة غامبيا المجاورة في غرب أفريقيا. 

وصادرت البحرية السنغالية ثلاثة أطنان من الكوكايين موزعة على أكياس، يحوي كل منها 30 كيلوغراماً، وفق مارا، الذي أكد لمعد التحقيق اعتقال طاقم السفينة، المكون من 10 أشخاص، ينحدرون من نيجيريا والسنغال وغينيا والرأس الأخضر وأيرلندا الشمالية، وأحالتهم إلى الجهات المختصة. 

اللافت أنه بعد شهر من تلك العملية الكبيرة، وتحديداً في ديسمبر/كانون الأول 2023، ضبطت البحرية السنغالية ثلاثة أطنان و690 كيلوغراماً من الكوكايين على متن سفينتين، أوقفت طاقميهما بإجمالي 12 فرداً، بينهم خمسة إسبان، بحسب بيانات مديرية الإعلام والعلاقات العامة بالقوات المسلحة السنغالية. 

وتقع تلك الضبطيات الكبيرة في منطقة غرب أفريقيا، بعدما صارت محطة رئيسية على طريق الكوكايين الممتد من أميركا الجنوبية إلى أوروبا، بحسب تقرير "تجارة الكوكايين في أفريقيا"، الصادر عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية (منظمة مستقلة في جنيف) في أغسطس/آب 2023، والذي أكد "مصادرة 24 طناً من الكوكايين في جميع أنحاء غرب أفريقيا في عام 2022"، موضحاً أنه "مع استمرار تزايد زراعة نبتة الكوكا (تستخرج منها مادة الكوكايين) في أميركا اللاتينية وتزايد الاستهلاك في أوروبا، ينقل المزيد من المخدر على طول مسار غرب أفريقيا".

 

كيف يصل الكوكايين إلى غرب أفريقيا؟

شارك القبطان مارا في ست عمليات اعتراض لسفن تهريب الكوكايين المتوجه إلى أوروبا عبر الساحل السنغالي، خلال الأعوام من 2019 وحتى 2023، كما يقول لـ"العربي الجديد". 

و"يعود تاريخ تهريب الكوكايين بين البرازيل وغرب أفريقيا إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكن منذ عام 2018، كانت السنغال من بين الوجهات العشر الأولى للكوكايين المضبوط في الموانئ البرازيلية، وبحلول عام 2019، شقت نيجيريا وغانا وسيراليون طريقها إلى القائمة"، حسب تقرير "تجارة الكوكايين في أفريقيا"، الذي أعده غابرييل دي سانتيس فيلتران Gabriel de Santis Feltran، الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي (منظمة أبحاث  حكومية في فرنسا)، وإيزابيلا فيانا بينهو Isabela Vianna Pinho، طالبة الدكتوراه في علم الاجتماع بجامعة ساو كارلوس في البرازيل، ولوسيا بيرد Lucia Bird، مديرة مرصد الاقتصادات غير المشروعة في غرب أفريقيا، التابع للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والتي قالت لـ"العربي الجديد" إن "تهريب الكوكايين عبر غرب أفريقيا إلى أوروبا أصبح ظاهرة إقليمية".

24 طناً من الكوكايين صُودرت في بلدان غرب أفريقيا خلال عام 2022

ويلفت التقرير ذاته إلى أن "البرازيل نقطة عبور في سلاسل قيمة الكوكايين، كونها لا تنتج نبات الكوكا الخام بل تستورد الكوكايين على شكل عجينة خام أو هيدروكلوريد الكوكايين (مسحوق الكوكايين) من المنتجين في بوليفيا وبيرو وفنزويلا وكولومبيا، ومن ثم يجري تصديره عبر الموانئ والمطارات البرازيلية".

 

الصورة
تورط قوى إنفاذ القانون في تجارة المخدرات

لكن لماذا تفضل عصابات تهريب الكوكايين مسار عبر غرب أفريقيا؟ يجيب مصدر في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فضل عدم ذكر اسمه، لكونه غير مخول بالتحدث للإعلام، قائلاً إن عصابات التهريب تفضل هذا المسار لقلة إمكانيات المراقبة والضبط والسيطرة، بسبب غياب الحراسة الأمنية للمناطق الحدودية البرية والبحرية، ويضيف قائلاً لـ"العربي الجديد": "أغلب دول منطقة غرب أفريقيا تعاني من ضعف شديد في السيطرة على الحدود، وهو ما تعيه العصابات الإجرامية جيّداً، لذلك تفضّل نقل الكوكايين إلى أوروبا عبر حدودها". 

ويتفق معه كبير مفتشي المديرية العامة للجمارك السنغالية، مالك مبايي MALICK MBAYE، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ مهربي الكوكايين في أميركا اللاتينية، يستغلون هشاشة المنظومة الأمنية، وضعف إمكانيات فحص الحاويات في موانئ المنطقة، على خلاف أميركا الوسطى التي تتمتع بأجهزة أمنية ورقابية قادرة على رقابة الحدود، وكشف محاولات الاختراق، أو التسلل والدعم الأميركي لها.

 

تورّط نخب سياسية وعسكرية في التهريب 

يلعب تفشي الفقر والفساد دوراً كبيراً في تزايد تهريب الكوكايين في منطقة غرب أفريقيا، إذ يسهل إيجاد متعاونين في التهريب، حسبما يقول الدكتور دجيبي دياخاتي Djiby Diakhaté ، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الشيخ أنتا ديوب Cheikh Anta Diop  في دكار، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن الفساد والرشوة في إدارات دول غرب أفريقيا يشكلان سبباً رئيسياً لتهريب الكوكايين إلى أوروبا، بالتواطؤ مع المسؤولين، أو عناصر من الجمارك، أو مسؤولين عسكريين، أو عمال أحواض الموانئ الذين يسهلون تهريب المخدرات إلى أوروبا، مقابل الحصول على المال.

ينقل الكوكايين إلى البرازيل ومنها إلى موانئ غرب أفريقيا وصولاً إلى أوروبا

ويدعم ما سبق "تورط نخب سياسية وعسكرية في غينيا بيساو في سوق الكوكايين"، وفق تقرير المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة، الصادر في يوليو/ تموز 2022، بعنوان "سياسة الكوكايين في غرب أفريقيا: شبكات الحماية في غينيا بيساو"، موضحاً أن "غينيا بيساو تعد نقطة دخول رئيسية للكوكايين إلى غرب أفريقيا، وهي المنطقة التي أصبحت نقطة عبور على طرق تهريب الكوكايين الدولية بين دول الزراعة في أميركا اللاتينية والأسواق الاستهلاكية النهائية في أوروبا".

و"تعتمد النخبة السياسية والعسكرية على الأسواق غير المشروعة المربحة في البلاد، لتكملة الميزانيات العامة، بدءاً بتهريب الأسلحة في تسعينيات القرن الماضي، ثم تهريب الكوكايين"، وفق التقرير ذاته، والذي أعدته، مديرة مرصد الاقتصادات غير المشروعة في غرب أفريقيا التابع للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة، لوسيا بيرد Lucia Bird، موضحة أن "شبكة حماية تنشط بين النخبة في بيساو تسمح بتدفق المواد غير المشروعة والإشراف على الأمر، وتسمح بالعمل نقطة عبور ومركزاً للتخزين وإعادة التعبئة وإعادة التوزيع لتدفقات أنشطة الاتجار الدولي بالكوكايين"، "بالنظر إلى المستوى العالي من الحماية التي يجري توفيرها لتجارة الكوكايين في البلاد"، كما تقول بيرد في ردها المكتوب لـ"العربي الجديد" وتضيف في تقريرها: "ديناميات الجريمة المنظمة وعدم الاستقرار: رسم خرائط للمراكز غير المشروعة في غرب أفريقيا"، الذي تضمن خرائط للمحاور الرئيسية في الاقتصادات غير المشروعة في المنطقة -بما في ذلك تجارة الكوكايين- أن "الجهات الفاعلة التابعة للدول تلعب دوراً محورياً في التدفقات غير المشروعة عبر الموانئ البحرية الثلاثة عشر في المنطقة، والتي جرى تحديدها مراكز انطلاق لتجارة الكوكايين غير المشروعة. وتسلط هذه النتيجة الضوء على الدور المهم الذي يلعبه الفساد في مواقع البنية التحتية للنقل البحري بالمنطقة".

كما توصل التقرير الصادر في سبتمبر/أيلول 2022، والذي شارك فيه رئيس تحرير نشرة المخاطر الفصلية في مرصد الاقتصادات غير المشروعة في غرب أفريقيا، ليس تازيريا Lyes Tagziria، إلى "تورط قوى إنفاذ القانون في تجارة المخدرات في عدد من المطارات عبر المنطقة، بما في ذلك في ساحل العاج، وغانا، وليبيريا، وبشكل ملحوظ في غينيا بيساو".

 

فشل برنامج المكافحة

في ديسمبر 2010، دشّنت الأمم المتحدة برنامجاً إقليمياً لمحاربة الاتّجار بالمخدرات في غرب أفريقيا، في محاولة لدعم جهود دول المنطقة، عبر منح مالية، للمساعدة في السيطرة على حدودها البرية والبحرية، بحسب موقع الأمم المتحدة، لكن بعد 13 عاماً، تفاقم الأمر، إذ تستخدم الشبكات الإجرامية حيلاً مختلفة لتهريب المخدرات، منها إخفاء الكوكايين في السلع والمواد الغذائية، مثل السكر، أو السلع المعبأة في حاويات السفن التي تعبر المحيط الأطلسي في طريقها إلى أوروبا، حتى إنها صارت توظف مهربات ينقلن المخدرات جواً إلى دول غرب أفريقيا، ومن هذه الحيل ابتلاع الكوكايين وتخزينه في المعدة، إذ أوقف "موظفو الجمارك السنغالية في مطار بليز دياغني الدولي بدكار، مواطنة من جنوب أفريقيا أثناء قدومها من أديس أبابا، واعترفت أنها تناولت 100 حبة من كريات الكوكايين، وثبت الأمر بعد فحص مخبري جاءت نتيجته إيجابية، وأدخلت السيدة إلى المستشفى الرئيسي (HPD) في دكار، بغرض إخراج كريات الكوكايين، تحت إشراف قسم الطوارئ، بطلب من قبل إدارة الجمارك"، بحسب الموقع الرسمي للمديرية العامة للجمارك السنغالية، والتي ضبطت في المنافذ البحرية والجوية والبرية للبلاد 7.4 أطنان من الكوكايين، وهي في طريقها إلى أوروبا، خلال الفترة من 2019 حتى 2022، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، مبي انجاي  MBAYE NDIAYE  مدير عام مديرية الجمارك السنغالية.

لكن كبير مفتشي المديرية العامة للجمارك السنغالية يؤكد لـ"العربي الجديد" أن دول غرب أفريقيا تحتاج إلى أجهزة متطورة لمراقبة الحدود، وتحديداً رادارات تكشف وتحدد المواقع، وتصنف الأشخاص أو المركبات المتحركة، لكشف المخدرات المهربة، في ظل تطور أساليب المهربين.