إهدار المال العام... تلاعب في الإعانات يحرم بلديات جزائرية التنمية

06 مارس 2023
ثلثا بلديات الجزائر تصنف باعتبارها فقيرة (Getty)
+ الخط -

تعرف بلديات جزائرية إهداراً للمال العام المخصص لمشروعات تنموية بعضها لا ينفذ أو يظل حبراً على ورق، بينما تجري مخالفة القانون ومعايير توزيع الإعانات الحكومية، ما أدى إلى زيادة الفوارق بين المناطق الغنية والفقيرة.

- لم يلمس العشريني الجزائري خالد عبد القادر تحسناً في خدمات مياه الشرب والتطهير (الصرف الصحي) وتعبيد الطرقات في بلدية الجبابرة الواقعة بولاية البليدة شمال شرقيّ الجزائر حيث يعيش، رغم تخصيص السلطات موازنة لها ضمن دعم القطاعات التنموية، وبالتالي يفترض أن تعود بالنفع على سكان البلدية البالغ عددهم 3403 نسمات، حسبما يقول لـ"العربي الجديد". 

و"استفادت بلدية الجبابرة من 353 مليون دينار جزائري (2 مليون و572 ألف دولار أميركي) من الإعانات خلال الفترة من عام 2018 وحتى 2022، موجهة لقطاعات التربية والأشغال العامة والتطهير والتزويد بالمياه الصالحة للشرب والإنارة العمومية والرياضة"، حسب ما جاء في التقرير السنوي لعام 2022، الصادر في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عن مجلس المحاسبة (أعلى جهاز رقابي على الأموال العمومية بالجزائر)، والذي أوضح أن "ولاية البليدة استفادت من 13.316 مليار دينار (97 مليوناً و588 ألف دولار) من إعانات التجهيز التي يمنحها صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية (حكومي) في عام 2018، واتضح أن غالبية المشاريع التي وُجِّهَت هذه التمويلات إليها أُعدَّت على عجل ودون إشراك كافٍ للبلديات المعنية بها من خلال تحديد الاحتياجات وتقدير تكاليف إنجاز البرامج، إضافة إلى عدم احترام معايير تخصيص الإعانات المالية، وتجاوز الآجال التعاقدية للإنجاز".

بالمثل "استفادت البلديات التابعة لولايات تلمسان، وسيدي عباس، وتيارات، وعين تموشنت، والنعامة خلال الفترة منذ عام 2016 وحتى عام 2020 من 13 مليار دينار (95 مليوناً و272 ألف دولار) كإعانات لإنجاز وتجهيز منشأة رياضية، منها 9.443 مليارات دينار (69 مليوناً و200 ألف دولار) من صندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية. لكن نتائج الرقابة بينت أن المشاريع الخاصة بهذه المنشأة من طرف البلديات ومديريات الشباب والرياضة في الولايات، يشوبها العديد من النقائص والقصور، مثل غياب التخطيط وعدم إشراك المجتمع المدني في اختيار عمليات التجهيز وعدم تطبيق المعايير التنظيمية لتغطية الاحتياجات وعدم انطلاق المشاريع بعد سنوات من إقرارها"، حسب المصدر السابق.

كيف تُستغل إعانات الدولة المقدمة للبلديات؟

تحصل البلديات على إعانات اجتماعية من مديرية النشاط الاجتماعي التابعة لوزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، وصندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، الذي يقدم مساعدات مالية للجماعات المحلية المعوزة لدعم برامج التنمية على المستوى الوطني للتقليل من الفوارق المسجلة بين البلديات الغنية والفقيرة، وتحسين الإطار المعيشي للسكان، حسبما يقول سليمان ناصر، أستاذ الاقتصاد بجامعة قاصدي مرباح الحكومية في مدينة ورقلة جنوب شرقيّ الجزائر، مضيفاً أن وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، ترصد ميزانيات للبلديات، توجه لتغطية نفقات الأجور ومصاريف التسيير. 

وخُصِّص 1990 مليار دينار (14 ملياراً و583 مليوناً و993 ألف دولار) كإعانات للبلديات خلال الأعوام من 2015 إلى 2020، حسب تأكيد البرلماني جواهرة محمد رضا، النائب في المجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني، والذي استقى هذه المعلومات من التقرير السنوي 2022 الصادر عن مجلس المحاسبة، مشيراً إلى أن هذه المساعدات والإعانات لم تحقّق النتائج المرجوة بسبب بعض الاختلالات، إذ إن بعض البلديات تعرف تأخراً تنموياً، لأن العديد من المشاريع ظلت مجرد حبر على ورق، بسبب قانون الصفقات العمومية، الذي يستدعي إطلاق مناقصة ودراسة وعدة إجراءات أخرى تعرقل سير المشاريع في الوقت الذي لا تمنع من وقوع تجاوزات.

وهو ما يؤكده التقرير التقييمي لمجلس المحاسبة حول المشروع التمهيدي لقانون تسوية الميزانية لسنة 2019، موضحاً أن "آجال إيداع العروض المحددة من طرف بعض البلديات ما بين 5 و10 أيام تعتبر غير كافية للسماح لمنافسة أوسع للمتعهدين وتلقي أفضل العروض، ما يشكل خرقاً للفقرة الرابعة من المادة الـ66 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 المؤرخ في 16 سبتمبر/ أيلول 2015، والتي تنص على أنه "يجب أن تفتح المدة المحددة لتحضير العروض لأكبر عدد ممكن من المتنافسين". و"تم استلام عرض واحد لكل مشروع في عدة بلديات في ولاية تلمسان، وتراوح آجال إيداع العروض ما بين 8 و7 أيام"، وفق المصدر السابق.

تلك التجاوزات يؤكدها التقرير السنوي لمجلس المحاسبة 2022، في حالة ولاية البليدة، موضحاً أن "التسرع في إعداد  المشاريع وإطلاقها، أدى إلى نتائج سلبية أثرت بظروف تنفيذ عمليات التجهيز، إذ سُجِّلَت عدة نقائص، من بينها تجاوز الآجال التعاقدية للإنجاز، وإبرام ملاحق تتضمن إضافات وتخفيضات هامة في كميات الأشغال وتغيير موضوع العملية".

قضايا منظورة أمام القضاء

"يحصي حزب جبهة العدالة والتنمية الجزائري المعارض وجود 1100 متابعة قضائية متنوعة، (تبدأ من شكاوى بسيطة وتصل إلى قضايا الفساد)، بحق رؤساء بلديات من إجمالي 1541 ميراً (لقب رئيس البلدية في الجزائر) يزاولون مهامهم، بحسب دراسة أعدها المحامي ورئيس مجلس الشورى الوطني بالحزب لخضر بن خلاف.

1100 متابعة قضائية متنوعة بحق رؤساء بلديات

ويقر محمد خلوفي، رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية الجبابرة، الذي انتُخب في نوفمبر 2021، بتسجيل حالات فساد وسوء تسيير للبلدية في السنوات السابقة، ومنها تجاوزات أمين الخزينة طوال 27 عاماً، مؤكداً أن ضعف الميزانية السنوية والتجاوزات والخروقات التي شهدتها ميزانية البلدية، شكلت عائقاً كبيراً أمام انطلاق عجلة التنمية في البلدية التي لا تحوز أي عائدات جبائية، ويقول إن البلدية تعاني من عجز بلغ 130 مليون دينار (946 ألف دولار). 

"وندفع اليوم ثمن ما حدث سابقاً"، يضيف خلوفي، لـ"العربي الجديد"، متابعاً: "وجدنا في خزينة البلدية 46 مليون دينار (335 ألف دولار)، كانت موجهة لتهيئة 4 طرقات، وإنجاز أربعة ملاعب جوارية ومشروع خاص بالتهيئة الحضرية لأحد أحياء البلدية، لكن بسبب العجز الذي تعاني منه البلدية، اضطررنا إلى تحويل الأموال لتغطية النفقات وتسيير أعمال البلدية، في ظل تعطل عجلة التنمية".

الصورة
متابعات قضائية متنوعة

 

توزيع غير عادل للإعانات 

"يُصنف ثلثا البلديات (من أصل 1541 بلدية) باعتبارها فقيرة، بينما البلديات الغنية لا تتعدى 7%، الأمر الذي يستدعي إلزامياً تدخل الدولة لضمان استدامة سيرها والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، وفق تقرير مجلس المحاسبة الصادر في 24 نوفمبر الماضي، لكن "عملية الرقابة لمجلس المحاسبة أظهرت أن توزيع الاعتمادات بين البلديات المختلفة يتم في غياب معايير محددة مسبقاً، إذ استفادت في جميع الولايات، البلديات التي هي في وضعية مالية جيدة، على عكس البلديات التي تعاني من صعوبات مالية والتي تسجل تأخراً في التنمية"، وفق المصدر السابق، مستدلاً على ذلك بـ"استفادة 3 بلديات في ولاية البليدة تتمتع بوضع مالي مريح من مجموع 25 بلدية بالولاية من 35% من إجمالي الإعانات الممنوحة للولاية والمقدرة 13.316 ملياراً في عام 2018".

خلل في توزيع الإعانات الحكومية بين البلديات الغنية والفقيرة

وتنص المادة الـ21 من المرسوم التنفيذي رقم 98-227 المؤرخ في 13 يوليو/ تموز 1998، المتعلق بنفقات الدولة للتجهيز على أن "برنامج المخططات البلدية للتنمية (PCD) يوزع مع تفضيل البلديات المحرومة، ولا سيما في المناطق الواجب ترقيتها، حيث يجب أن تمنح هذه الأخيرة الأولوية للبلديات ذات المداخيل الخاصة المنخفضة، والتي لا تستطيع تمويل الأعمال من ميزانيتها الخاصة، وكذلك البلديات المتخلفة من حيث المرافق العمومية".

إصلاحات قانونية

"تغيب عملية تخطيط وبرمجة التنمية على مستوى العديد من البلديات، وكذلك لا يجري إشراك المواطنين والأطراف المحلية الفاعلة في خيارات وأولويات التهيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق الشروط التي رسمتها السلطات العمومية والكفيلة بضمان التنمية المستدامة للجماعة المحلية وتحسين مستوى معيشة المواطنين"، وفق التقرير التقييمي لمجلس المحاسبة حول المشروع التمهيدي لقانون تسوية الميزانية لسنة 2019.

ومنح قانون البلدية صلاحيات واسعة لرؤساء البلديات أدت إلى تسجيل حالات فساد، حسبما يقول البرلماني رضا، مضيفاً أن السلطات العليا للبلاد تسعى لإدخال تعديلات على القانون، الذي سيصدّق عليه البرلمان في عام 2023، وتتضمن التعديلات إصلاح الاختلالات وسد الثغرات والنقائص، التي أدت إلى حصول تجاوزات وخروقات في البلديات وتجاهل مخططات التنمية المحلية وتحسين الإطار المعيشي للمواطنين. ويتابع رضا: "يجب أن لا نغفل عن قانون الصفقات العمومية، الذي يجب أن يعاد النظر في بعض بنوده، داعياً إلى ضرورة إضفاء طابع المرونة في الإجراءات المنظمة لعمل البلدية وإبرام الصفقات العمومية".

وجرى تجميد بعض المشاريع من قبل أعضاء لجنتي فتح المظاريف وتقييم العروض التابعة للجماعات المحلية (البلديات)، خلال الأعوام من 2015 إلى 2020 بسبب تخوفهم من حصول خروقات، ما يعني ضرورة تبسيط الإجراءات مع أهمية تفعيل الرقابة على المال العام، من خلال الرقابة القبلية المتمثلة بالمراقب المالي والرقابة البعدية التي يمارسها مجلس المحاسبة ومختلف الهيئات المختصة، كما يختتم البرلماني رضا.