شارع السورجية: خيّاطو غزّة يحيكون الحكايات

شارع السورجية: خيّاطو غزّة يحيكون الحكايات

28 أكتوبر 2019
المهنة تأثرت بفعل الأوضاع الاقتصادية السيئة (العربي الجديد)
+ الخط -
يجتمع عدد من الخياطين الفلسطينيين في شارع السورجية داخل منطقة غزة القديمة، إلى الشرق من مدينة غزة. تعود حرفهم التي اعتادوا عليها إلى عقود مضت، وتحولت مع الزمن إلى ركن تراثي قديم، من أركان المدينة العتيقة.

يعود اسم شارع السورجية إلى الخياطة، نسبةً إلى سرج الملابس، ويحتوي على حوانيت صغيرة، متراصة جنباً إلى جنب، وقد تميزت بقدم البناء، بينما تحمل الشوارع المؤدية إليها ملامح من تاريخ المدينة التي تعتبر من أقدم المدن في العالم، حيث تعود معظم المباني فيها إلى العصرين المملوكي أو العثماني، ولا تزال تحتفظ بالعديد من الشواهد الأثرية القديمة.
يطلق اسم غزة القديمة على البلدة القديمة، وهي جزء أساسي من مدينة غزة، التي هي بالأساس جزء مما يُسمّى "قطاع غزة"، وتتكون من حي الدرج شمالاً، وحي الزيتون جنوباً، وتضم ميدان فلسطين من الناحية الغربية، وحي الشجاعية من الناحية الشرقية وعدداً من الأحياء بداخلها. تبلغ مساحة غزة القديمة نحو 1.6 كيلومتر مربع.

لم يلغِ انتشار معامل الخياطة في أرجاء قطاع غزة، بما في ذلك الحديث منها، إقبال المواطنين على تلك المنطقة القديمة، إذ يرتادها الزبائن على اختلاف أعمارهم في الأيام العادية، بينما يزداد الإقبال مع اقتراب الأعياد والمناسبات، وقد اعتاد كل منهم على خياط يزوره دون غيره.
يقول الخياط محمد المزيني (58 عاماً) إنه تعلم الخياطة على يد شقيقه الأكبر، الذي افتتح حانوته داخل شارع الخياطين قبل حوالي 60 عاماً، موضحاً أنه كان يختص بصناعة البدل الرسمية، والأثواب الفلسطينية، ويحيك باقي أصناف الملابس.

يوضح المزيني لـ"العربي الجديد" أنه بدأ بالعمل في الدكان صغير الحجم، وما يحتويه من لفافات أقمشة منذ 35 عاماً، وقد اعتاد على ذلك الشارع القديم، والذي تلفه المباني العتيقة من كل مكان، مبيناً أن مهنته تزداد عراقة، بسبب ما يلفها من أعيان أثرية قديمة، ولا يزال مولعاً بها حتى الآن.

لم ينكر المزيني، وقد لف عنقه بحبل جلدي لقياس الأثواب، أن المهنة تأثرت بفعل الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر فيها قطاع غزة، والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، إلا أنها لا تزال تحجز مكاناً، وأولوية لدى الكثير من الزبائن، الذين اعتادوا على نكهتها اليدوية.
يوافقه في الرأي الخياط عبد الله الملاحي (40 عاماً)، والذي يعيل أسرة مكونة من سبعة أفراد، حيث عمل في الخياطة منذ صغره، إلا أنه بدأ بالعمل في شارع السورجية منذ ثلاث سنوات، مضيفاً: "السنوات الأخيرة تختلف كلياً عن سابقاتها".

عن سبب الاختلاف يقول الملاحي، في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، إن العمل داخل منطقة قديمة تاريخية، يشعر الخياط والزبون بأنها مهنة تراثية، حيث تتأثر الحرفة وفق المكان والمحيط، مضيفاً: "تلفّ الشارع من جميع النواحي مبانٍ قديمة، ذات طابع تراثي وأثري".
أما الخياط طارق مروان (42 عاماً)، فقد كانت بدايته مع عالم الخياطة مختلفة، إذ اختص والده بتصليح ماكينات الخياطة النسائية، فدفعه الفضول إلى التعلم عليها، وإتقان العمل عليها قبل نحو 18 عاماً.

في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، يقول طارق: "كنت أعمل في عدد من مصانع الخياطة، لكن إتقاني للمهنة، وشغفي بها، دفعاني إلى افتتاح المحل الخاص بي، وشجعني على ذلك وجود محل ملك خاص بنا داخل شارع الخياطين، أو ما يطلق عليه شارع السورجية".
يشير إلى أن العمل في منطقة الخياطين تأثر سلباً مثل باقي المهن في قطاع غزة نتيجة عدم انتظام الرواتب والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، إلا أنه لا يزال متمسكاً بمكانته، لموقعه الجغرافي المتوسط لسوق الملابس، وشارع عمر المختار التجاري الحيوي.

يوضح كذلك أن تواصل إقبال الزبائن على شارع السورجية زاد بعد إغلاق نسبة كبيرة من المصانع الآلية في قطاع غزة، والتي لحقت بها الخسائر المادية بفعل الأزمة المالية الخانقة.
لا يزال مروان يعشق مهنته القديمة التي نشأ معها. يقول: "هناك مزيج غريب وجميل بين خياطة الأثواب والملابس في منطقة قديمة، يحفها التاريخ والعراقة والأصالة من كل الجهات"، آملاً أن يتم الاهتمام بكل المناطق القديمة والأثرية، والمهن التراثية، ورعايتها، والحفاظ عليها من الاندثار.

دلالات

المساهمون