محمود الشرع... مصوّر يعكس الحياة في ظلال الماء
كأنّه يستعيد بلاده عبر حضورها في بلاد أخرى (فيسبوك)
قبل أن يكون أعمالاً فنيةً، يمثّل التصوير الفوتوغرافي للمصور محمود الشرع (1973) تحدياً مع الذات وهاجسا للحصول على اللقطة المختلفة التي لا يراها الآخرون، لتقديم الجمال البصري في ذلك الاختلاف، من دون السقوط في فخ المبالغة أو "الفذلكة"، بحسب وصفه.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول المصور والصحافي الذي يعيش في فرنسا: "منحني التصوير فرصة البقاء ضمن الدائرة التي أحب، والتي عملت فيها سابقاً في مجال التلفزيون والصحافة، وكانت لغتي ووسيلتي في التواصل مع محيطي الاجتماعي الجديد في فرنسا".
لطالما كانت علاقة الشرع وثيقة بالصورة عموماً، سواء من خلال عمله بالإخراج التلفزيوني، أو اهتماماته السينمائية ومتابعته الحثيثة لنتاجاتها عالمياً.
يضيف الشرع: "علاقتي مع التصوير الفوتوغرافي قديمة كهاو ومتذوق، وبدأت العمل الاحترافي في هذا المجال منذ ثلاث سنوات، بعد أن تمكنت مع عائلتي من الاستقرار في فرنسا وتجاوز الصعوبات التي تواجه كل لاجئ من أجل بدء حياة جديدة بتحدياتها الكثيرة وأهمها اللغة".
لا يتعمد الشرع اختيار مواضيع محددة لصوره، لكن الشارع هو دائماً ما يجذبه، ويعتمد غالباً على الضوء الطبيعي وعلى عفوية المكان والأشخاص والأشياء، ويحاول تجنب فكرة تحضير الصورة قبل التقاطها.
يوضح: "منذ أواخر عام 2017 شاركت بالعديد من المعارض الجماعية في مدينة ريمس التي أقيم فيها.. فيما كان معرضي الشخصي الأول في بداية حزيران من هذا العام، من فعاليات مهرجان H2O والذي يقام سنوياً في مدينة Blois الفرنسية. الثيمة الأساسية للمعرض كانت الماء، وهي ثيمة عملت عليها بشكل متقطع خلال العامين الماضيين وسأستمر بالعمل عليها خلال الفترة القادمة".
يتابع قائلاً: "أشتغل دائماً على درجات الأبيض والأسود، مع خروقات قليلة للألوان، ربما في أقل من 5 في المائة من صوري، وهذا الخيار الفني أجده الأنسب لما أود تقديمه".
وذكر أن المعرض حقق دفعة إيجابية بالنسبة له، سواء على الصعيد الإعلامي المحلي أو تفاعل الحضور والزوار مع صوره، وقال: "المعارض هي فرصة لإغناء العمل الفني من خلال النقاشات أو ملاحقة ردود فعل المتلقين، يمكنني القول بشكل عام إنها كانت تجربة غنية ومفيدة جداً".
في هذا السياق، عند النظر إلى الأعمال الفوتوغرافية التي شاركت في المعرض، نجد أن الشرع يلتقط صوراً لمدينته الجديدة، في "المنفى"، لكن نُلاحظ فيها ما يُشبه الاستعادة الناقصة لمكانه الأول؛ أي سورية. الماء هو العنصر الأساسي في الصور، لكن الصور تركّز أيضاً على الناس من حوله، أو ظلالهم فيه. في الصور التي نرى فيها انعكاس الأشخاص في الماء، نشعر كأنّها صور لمنفى، لشخص يستعيد مكانه الأوّل من خلال وجوه ضبابية نتيجة انعكاسها في الماء؛ وجوه أصبحت بعيدة جدّاً، وغائمة، لكن المصوّر يعثر عليها في منفاه/مكانه الجديد، في الماء.
في صور أخرى، ننظر إلى أطفال يُطعمون الحمام، وهذا أمر يلفتنا كثيراً حين نزور بلداً ما، ربما من الممارسات التي يفعلها السائح هو إطعام الحمام، أو التقاط صور لمن يطعمونه.
هكذا، يستعيد محمود الشرع بلاده، عبر بلاد أخرى، أو يستعيد براءة البلاد الأولى، قبل أن تمزّق الحرب أوصالها، وتشوّهها.
وبطبيعة الحال، سنرى صوراً كثيرةً للنوارس؛ فهي ترمز للاجتياز، أو العبور، والتحليق فوق الماء وعلى ضفافه، كأنّها دائماً على استعداد للرحيل.
يحضر الشرع في الفترة القادمة للمشاركة في العديد من المعارض الجماعية، بانتظار معرضه الثاني في مدينة ريمس بداية سبتمبر/أيلول المقبل، وسيكون عن تصوير الشارع، الأمر الذي يعتبره فرصة مهمة للمزيد من التواصل مع الوسط الفني والثقافي في المدينة التي يقيم فيها منذ خمس سنوات، كما يحضر لمشروع معرض في باريس مطلع العام القادم.
