ضم مدن وقرى المثلث للدولة الفلسطينية ستاراً لفكر التطهير

اقتراح ضم مدن وقرى المثلث للدولة الفلسطينية ستاراً لفكر التطهير العرقي

29 يناير 2020
تظاهرة سابقة في أم الفحم (العربي الجديد)
+ الخط -
تشكّل فكرة نقل وإعادة قرى وبلدات فلسطينية من المثلث داخل أراضي 48 إلى السلطة الفلسطينية، التي ظهرت في الصفحة 13 من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعلنة لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، دليلاً على عمق الدور الإسرائيلي في وضع الخطة وبنائها، بما يخدم أيضاً الفكر الصهيوني العنصري، القائم حتى اليوم على الفكرة الأصلية بـ"الاستيلاء على كل أرض خالية ممكنة، والتخلّي عن الأراضي المسكونة أو المأهولة بالسكان، والتخلص من عبء ديمغرافي داخل دولة الاحتلال". 

وتمتد منطقة المثلث من أم الفحم شمالاً، وحتى كفر قاسم جنوباً، على أراض تزيد مساحتها الأصلية عن مئات آلاف الدنمات، تم على مرّ السنين مصادرة أكثر من نصفها، وإقامة مجموعة مستوطنات وبلدات على أراضيها.

وعدّدت الصفحة المشار إليها قرى وبلدات المثلث المراد التخلّص منها بشكل دقيق لا يترك مجالاً للشك أن من قام بها هو الطرف الإسرائيلي، إذ تشمل الفقرة الغالبية العظمى من قرى وبلدات المثلث، وهي وفق ما ورد في النص الأصلي "كفر قرع، عرعرة، باقة الغربية، أم الفحم، قلنسوة، الطيبة، كفر قاسم، الطيرة، كفر برا، جلجولية. 

هذه المجتمعات، التي تعرف نفسها إلى حد كبير بأنها فلسطينية، كان حدّد لها أن تكون أصلاً تحت السيطرة الأردنية خلال مفاوضات خط الهدنة لعام 1949، لكن إسرائيل احتفظت بها في النهاية لاحتياجات عسكرية خفت ضرورتها منذ ذلك الحين. 

وترى الرؤية لهذه الخطة إمكانية إعادة ترسيم حدود إسرائيل بالاتفاق بين الطرفين، لتصبح قرى المثلث جزءًا من دولة فلسطين

وفقاً للاتفاق "تخضع الحقوق المدنية لسكان مجتمعات المثلث للقوانين المعمول بها والأحكام القضائية للسلطات المعنية"، لكن المهم في سياق طرح هذه الفكرة، إلى جانب الاستعانة بها لتضليل الجانب الفلسطيني من حيث "زيادة مساحة أراضي الدولة الفلسطينية"، هو السياق الداخلي المتعلق بالفلسطينيين في الداخل، وسياسات التطهير العرقي والترانسفير لهم، ومحاولات طردهم من أرضهم، وفق ما بيّنه كتاب المؤرخ الإسرائيلي آدم راز عن مجزرة كفر قاسم في العام 1956، والتي أريد لها أن تكون نسخة مكررة من مذبحة دير ياسين، في حث سكان قرى المثلث الجنوبي أولا في كفر قاسم ومحيطها على "الفرار"، والاتجاه شرقا إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني.



وقد ظل موضوع التخلص من الفلسطينيين في الداخل هاجسا لدولة الاحتلال حتى بعد حرب 67، من خلال اتباع سياسات تحكم وقمع ومصادرة أراض، وبرز بشكل علني أول مرة بعد أن فضحت صحيفة "عل همشمار" في العام 82 وثيقة سرية لمتصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية، يسرائيل كينغ، دعت إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين في الداخل لدفعهم نحو الهجرة.

وتحولت الفكرة إلى مشروع سياسي شامل أول مرة عندما طرحها رسميا كحل للصراع العربي الإسرائيلي أول مرة  الجنرال السابق ومجرم الحرب الإسرائيلي رحبعام زئيفي عام 1988، وجعلها شعارا لحزبه موليدت (لقي مصرعه في عملية نفذتها خلية للجبهة الشعبية عندما كان وزيرا للسياحة في حكومة شارون عام 2001). 

لكن تخصيص مشروع طرد فلسطينيي المثلث بدأه قبله في دعوات وتصريحات عنصرية الحاخام الأميركي الجنسية واليهودي الأصول وعضو الكنيست مئير كهانا، حيث حاول أكثر من مرة اقتحام مدينة أم الفحم لاستفزاز سكانها، وهي محاولات كررها أنصاره ومواصلو طريقه الذين يشكلون اليوم حزب "عوتصماه يهوديت" ويقوده إيتمار بن غفير.

وفي العام 2004، تحولت الفكرة من مجرد تصريحات إلى مشروع متكامل كجزء من التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، قدمه في مايو/ أيار من ذلك العام وزير الأمن الأسبق السياسي المولدافي الأصول أفيغدور ليبرمان، كجزء من الحل الرسمي، حيث عرض مبادلة المستوطنات بقرى وبلدات المثلث، بزعم الاعتماد إلى تسويات مشابهة في التاريخ، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية في مناطق مختلفة في العالم.

وتحول شعار ضم أراضي المثلث والتخلص من مدن المثلث وقراه إلى أداة لمناكفة الفلسطينيين في الداخل وأحزابهم السياسية، عبر تشويه موقفهم الرافض لمساواتهم بالمستوطنين والمستوطنات، والادعاء بأنهم يريدون الكسب من بقائهم تحت دولة إسرائيل والاستفادة من خدماتها، مع الإبقاء على عدائهم للدولة، وكونهم طابورا خامسا.

وقد لفت وزير السياحة يريف لفين، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، في سياق امتداحه لترامب وخطته إلى أنها "المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تبادل أراض مأهولة لا أراض خالية من السكان، وأن على الفلسطينيين في منطقة المثلث أن يسألوا أنفسهم عن سبب طرح مسألة تبادل الأراضي، وأن يجروا حسابا مع النفس، وبالأساس مع قادتهم"، وهو تصريح يكشف أن أحد اعتبارات طرح الفكرة التخلص من جزء من الشعب الفلسطيني يشكل مصدر قلق لدولة الاحتلال. 

وعقب مضر يونس، رئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية ورئيس مجلس عارة وعرعرة، على طرح هذا البند في الخطة بقوله لـ"العربي الجديد": "هذه الاتفاقية لا يمكن أن تنفذ وليس فقط موضوع تبديل الأراضي مع وادي عارة. هذه اتفاقية ضدّ حقوق الشعب الفلسطيني. نحن جزء من الشعب الفلسطيني، ونرفض الخطة جملة وتفصيلا، وهذا هو الموقف الفلسطيني العام".

وشدّد يونس على أنه "لا يمكن أن تتم الصفقة والشعب الفلسطيني يرفضها. هذه ليست فقط خطة لتبادل الأراضي. فالصفقة لا تتحدث عن حق العودة، ولا عن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية"، مضيفا أن "هناك أمرا عبثيا، حسب الخارطة التي شاهدتها أمس لـ"صفقة القرن"، عارة تُضم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، أما عرعرة فلا، ونتحدث عن بلدة واحدة ومجلس واحد وأشقاء وأبناء عائلة يقطنون بين عارة وعرعرة. كذلك الأمر في أم الفحم سوف تُضم، ولكن حي عين أم إبراهيم لا يشمل الضم وفق الخارطة".

من جهته، قال رئيس بلدية الطيبة شعاع منصور، لـ"العربي الجديد": "نحن هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون. لا يمكن لأحد أن يتعامل معنا كسلعة تمكن إزالتها من مكان إلى آخر، هنا ولدنا وهنا سوف نموت. نقولها وبكل شموخ نحن أقوى وأطول، وأعمارنا ووجودنا هنا أطول بكثير من أعمارهم السياسية والحياتية. فلسطين دولة سوف تقوم، يجب أن يؤمن الجميع أن الحل لدولتين لشعبين هو الحل الوحيد الذي يمكن أن ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والقدس ستكون العاصمة الأزلية لدولة فلسطين في القدس الشرقية".

وعقب أحمد ملحم، رئيس اللجنة الشعبية لوادي عارة: "ما يسمى بـ"صفقة القرن"، وتحديداً فكرة نقل منطقة وادي عارة والمثلث إلى السلطة الفلسطينية، لا بدّ من الرجوع إلى نظرية الترانسفير الذي طرحها رحفعام زئيفي قبل ثلاثين عاماً لتفريغ إسرائيل من العرب، كل ما يرد هنا حول هذه الصفقة إنما يؤكّد أن المشروع صهيوني بامتياز، بحيث إنّ الفكر الصهيوني يهدف إلى التخلص من أكبر كم من الفلسطينيين العرب، والاستيلاء على أكثر ما يمكن من الأرض الفلسطينية".

المساهمون