الانتخابات المبكرة في تركيا... مستبعدة

الانتخابات المبكرة في تركيا... مستبعدة

12 مايو 2020
لم يحقق إمام أوغلو الكثير من الإنجازات (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -
شكّل فوز المعارضة التركية في انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة التي جرت في مارس/آذار من العام الماضي، وخصوصاً في كبريات المدن التركية، وهي مدينة إسطنبول، وذلك بعد 25 عاماً من سيطرة الأحزاب المحافظة عليها، وأهمها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وكذلك العاصمة أنقرة، أملاً كبيراً لدى المعارضة العلمانية وأنصارها، في تحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في البلاد. وتحاول هذه المعارضة استغلال روح الانتصار، وظهور قيادي شاب هو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عن حزب الشعب الجمهوري، الذي التف حوله جيل تركي شاب، وخطف جزءاً من أنصار "العدالة والتنمية". ويأتي ذلك خصوصاً أن المعارضة كانت تعاني من عدم إمكانيتها تصدير زعيم يمكن أن ينافس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك منذ العام 2002، تاريخ وصول "العدالة والتنمية" لسدة حكم البلاد، وحتى الآن.

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة من المزمع إجراؤها في وقتٍ واحد بموعدها الطبيعي خلال العام 2023، لكن التطورات السياسية تدفع دائماً بالمعارضة بين الحين والآخر للحديث عن فرضية إجراء انتخابات مبكرة، من أجل استغلال الطاقة الشعبية في البلاد قبيل حلول الانتخابات المقبلة، واحتمال حصول تطورات قد تعيد لمعان نجم أردوغان، تماماً كما حصل خلال جائحة كورونا، حيث أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبية الرئيس التركي بنسبة 15 في المائة. ويتحدث قياديون من المعارضة عن فرصة تغير الحكم في البلاد، متوقعين زوال حكم أردوغان، وهو ما أيدته أقلام صحافية من المعارضة والتيارات اليسارية، إلى حدّ دفع بعضها للحديث عن التغيير، سواءً عبر الانتخابات أو بطرق أخرى، ما أعاد إشعال السجال السياسي في البلاد.

وتتحجج الأطراف السياسية التركية التي تدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة، في المقام الأول، بأن الاتجاه الشعبي العام يميل إلى التغيير، وذلك على الرغم من استطلاعات رأي تبرز رفضاً لإجرائها، ولا تزال تعطي أفضلية لأردوغان.


ولم يجد الرئيس التركي منافساً له في المعارضة على مدار السنوات السابقة، إلا أن وصول إمام أوغلو لرئاسة بلدية إسطنبول أكسب الأخير شعبيةً كبيرةً، وخلال وقتٍ قصيرٍ، ما جعل تركيا كلّها تسمع به. وساهمت بذلك إعادة إجراء الانتخابات في هذه المدينة، حيث فاز إمام أوغلو بالدورة الأولى، ثم رفع أصواته بشكل كبير في الثانية. وبرأي المعارضة، فإن هذا الواقع، سيدفع الشارع التركي للتصويت له في حال حصول انتخابات مبكرة، إضافة إلى محاولة استغلال الحالة الاقتصادية السائدة في البلاد جرّاء وباء كورونا، وانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية. بهذا المعنى، فإن المعارضة التركية تنتظر الشعلة التي ستفجر الضغط الشعبي.

أما السبب الثالث المهم وراء هذا الدفع والطرح بإمكانية تبكير الانتخابات، فهو تشكل حزبين جديدين من رحم "العدالة والتنمية"، هما حزب "المستقبل" بزعامة رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وحزب "دواء" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، حيث تعتقد المعارضة أن "دواء" و"المستقبل" سيستنزفان الحزب الحاكم، وإن لم يكن بشكل كبير، فإنهما سيفقدان أردوغان أغلبية النصف زائد واحد ما سيؤثر عليه ويجعله جزءاً من الماضي.

لكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة في تركيا يحمل مخاطر كبرى على المعارضة، تتجلى في أن استقالة أكرم إمام أوغلو من منصبه رئيساً لبلدية إسطنبول، سيجعل هذا المقعد شاغراً، وسيملأه حزب العدالة والتنمية، لأنه المسيطر على المجلس البلدي، ما سيقود بالتالي إلى فقدان هذه المدينة مجدداً لأربع سنوات مقبلة، موعد إجراء الانتخابات المحلية.

كما أن الزجّ بإمام أوغلو في هذه الفترة، بعد أقل من عام واحد فقط على استلامه مقاليد حكم بلدية إسطنبول، دون أن تظهر إنجازاته حتى الآن، يجعل طرحه حالياً يحمل من المخاطرة الكبرى التي قد تحرق ورقته نهائياً أمام أردوغان. ويملك الرئيس التركي رصيداً كبيراً من الحنكة والخبرة السياسية، ليس على المستوى الداخلي وحسب، بل على المستوى الدولي، ويتمتع بمكانة دولية تجعله مشكلاً قطباً يحسب له حساب. أما إمام أوغلو، فقد واجه معوقات عديدة خلال فترة العام، من خلال عدم تعاطيه جيداً مع بعض القضايا المصيرية. ومن الأمثلة على ذلك، غيابه بعد شهرين من استلام مهامه خلال فيضان ضرب إسطنبول الصيف الماضي، كذلك تزلجه على الثلوج إبان زلزال ضرب ولاية إلازيغ الشتاء الماضي، وبالتالي فإنه يحتاج لإنجازات تعزز فرصه في احتمال التغلب على أردوغان في أي انتخابات مبكرة إن حصلت.

أما على صعيد الأحزاب، فيرى "الحزب الجيد" ورئيسته ميرال أكشنر، أن الانتخابات المبكرة غير مرجحة، وكذلك رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، لكن بقية المنتسبين لـ"الشعب الجمهوري" وقيادييه والإعلام التابع له، يرون أن هناك إمكانية من أجل تقديم موعد الانتخابات لا سيما في ظلّ رغبة أردوغان بالاستفادة من ارتفاع شعبيته. إلا أن هذا القرار يحتاج إلى أغلبية برلمانية، لا يملكها سوى حزب العدالة والتنمية مع حليفه في التحالف الجمهوري، حزب الحركة القومية، لكن الرغبة في تبكير الانتخابات غير موجودة لدى الحليفين حالياً، خصوصاً أن أردوغان تبقت له آخر فترة رئاسية دستورياً، ما يعني أن الانتخابات المقبلة ستكون الأخيرة له، وأنه لن يفرط بالسنوات الثلاث المتبقية له من ولايته الحالية. كما أن زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي الذي يملك مواقف "مفتاحية" أيضاً، ليس في إطار تقديم موعد الانتخابات.

وأظهرت استطلاعات رأي نشرت نتائجها أخيراً عن شهر إبريل/نيسان الماضي، وصدرت عن مراكز استطلاع عدة، من بينها "أوبتيمر" و"كونسيسوس"، أن الانتخابات المبكرة إن حصلت فإنها ترفع من أصوات أردوغان إلى أكثر من 49 في المائة، فيما انخفضت شعبية أكرم إمام أوغلو إلى حدود 17 في المائة، في حين ارتفعت شعبية وزير الصحة فخر الدين قوجا، ورئيس بلدية أنقرة عن المعارضة منصور ياواش. كما أظهرت الاستطلاعات أن 66.6 في المائة من الشعب يرفضون إجراء الانتخابات المبكرة، ومن يريدونها تبلغ نسبتهم 33.4 في المائة، كما أن 72 في المائة من المستطلعة آراؤهم لا يريدون رؤية أحزاب جديدة. ولم يكشف إن كانت هذه الاستطلاعات قد جرت قبل تشكيل الحزبين الجديدين، أو بعده.

وعلى الرغم من أن أي انتخابات لا يبدو أنها ستكون قريبة بسبب استمرار جائحة كورونا حتى العام المقبل، وتواصل المخطط الحكومي بقيادة أردوغان لمواجهتها، إلا أن تركيا لا تعرف أجندتها السياسية ثباتاً، وقد تشهد تحولات في وقت قريب، قد تفاجئ الأوساط السياسية، التي قد تسمع ربما بالإعلان عن عزم إجراء انتخابات مبكرة بأي وقت.