إدلب تحت النار: سنوات من الاستهداف والتهجير والتحولات

إدلب تحت النار: سنوات من الاستهداف والتهجير والتحولات

04 مايو 2019
دمار واسع في إدلب (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
لليوم الرابع على التوالي، واصلت قوات النظام السوري وروسيا، أمس الجمعة، حملة القصف المكثف بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر على المنطقة منزوعة السلاح في ريفي حماة وإدلب، ما أدى إلى مقتل 11 شخصاً على الأقل فضلاً عن عشرات الجرحى، وسط مخاوف من ارتفاع عدد الضحايا جراء وجود إصابات خطرة، وهو ما يرسم ملامح محطة جديدة من مراحل استهداف المحافظة المتواصل في السنوات الأخيرة، منذ خروجها عن سيطرة قوات الأسد عام 2015. وألقت الطائرات المروحية التابعة للنظام، أمس الجمعة، عشرات البراميل المتفجرة على مناطق متفرقة في ريفي حماة وإدلب، في إطار الاستهداف الجوي الأسوأ والأعنف منذ 15 شهراً، بحسب تأكيدات الأمم المتحدة. وسقطت تلك البراميل خاصة على مناطق كفرنبودة، وكنصفرة وحرش كفرنبل وأطراف احسم والركايا والهبيط وغيرها من البلدات والقرى في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، مخلفة قتيلين، واحد في احسم والآخر في الهبيط. وتزامن ذلك مع عمليات قصف صاروخي مكثف من قبل قوات النظام على الهبيط ومناطق أخرى في سهل الغاب. 

بدوره، شنّ الطيران الحربي الروسي غارات جوية عدة على بلدة قليدين في سهل الغاب بريف حماة الغربي، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، بينهم امرأتان، وإصابة طفلتين بجروح. كذلك استهدفت الغارات بلدة شمسو في ريف إدلب الغربي، ما أسفر عن إصابة 6 مدنيين على الأقل. وقد ألغت مساجد في ريف إدلب الجنوبي صلاة الجمعة، أمس، على خلفية القصف المكثف الذي تتعرض له المنطقة من قبل الطيران الروسي والمروحي التابع للنظام. ولم يغادر الطيران الحربي والمروحي وطيران الاستطلاع أجواء محافظة إدلب منذ فجر أمس، الجمعة، إذ تتناوب أسراب من الطائرات الحربية والمروحية على قصف الشمال السوري، خصوصاً الريف الجنوبي لإدلب وصولاً إلى الريفين الشمالي والغربي لحماة.



ويأتي تصعيد حملة القصف منذ الثلاثاء الماضي، بالتزامن مع دفع النظام تعزيزات للمنطقة وإخلاء بعض بلدات ريف حماة الشمالي من المدنيين، ما دفع البعض لتوقع حدوث هجوم شامل أو هجمات محدودة على المنطقة. وتعتبر محافظة إدلب الواقعة في أقصى شمال غرب سورية، آخر ملاذ للمعارضة السورية المسلحة، كما تنتشر فيها فصائل جهادية، أبرزها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).
وتتمتع محافظة إدلب بأهمية كبيرة، فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الموالاة للنظام ومركز قاعدة حميميم الروسية. كما أن مدينة إدلب لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كيلومتراً. وقبل اندلاع الثورة في سورية، كان معظم سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون، فقد كان يطلق عليها اسم "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، إضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سورية.
وفي آخر تعداد قبل الثورة عام 2011 بلغ عدد سكانها نحو مليوني شخص، لكن هذا الرقم تغير كثيراً خلال السنوات الماضية نتيجة نزوح كثير من أهلها من جهة، وقدوم كثير من أبناء المناطق الأخرى للمحافظة هرباً من بطش النظام من جهة أخرى. ويعيش في المحافظة اليوم نحو 3 ملايين شخص من أبنائها والنازحين إليها، إضافة إلى مليون آخر يعيشون في مناطق على أطراف المحافظة، في أرياف حماة وحلب واللاذقية ضمن مناطق سيطرة قوات المعارضة.
وقد التحقت إدلب بالثورة السورية في وقت مبكر، وكانت أول المدن التي انتقلت إلى حمل السلاح ضد النظام أواخر العام 2011. وفي مطلع عام 2012 خرجت قرى وبلدات عدة فيها عن سيطرة النظام السوري، أبرزها سراقب ومعرة النعمان وجبل الزاوية.
وبعد خروج هذه البلدات عن السيطرة، شنت قوات النظام عليها غارات جوية بالصواريخ والبراميل المتفجرة. وركزت في قصفها على الدوائر الرسمية ومنازل المدنيين، ما أدى إلى مقتل كثر، وخروج عدد من المدارس والدوائر الرسمية عن الخدمة نتيجة تضررها بالقصف، ولحق بالبلدات دمار واسع، خصوصاً في الأبنية السكنية.
وخلال عامين من تأسيس الجيش الحر، وباتساع مناطق سيطرته وزيادة أعداده، تشكلت بعض الألوية، أهمها لواء "صقور الشام" الذي كان بقيادة أحمد الشيخ، المعروف بأبي عيسى. وفي ربيع العام 2015 تشكل "جيش الفتح"، وهو اتحاد عسكري بين الفصائل المسلحة في إدلب، وتمكن من السيطرة على مدينة إدلب، ومن ثم على جسر الشغور بريف إدلب الغربي، وهي بوابة المحافظة إلى اللاذقية، معقل النظام السوري، ومطار أبو الظهور العسكري، وبذلك أصبحت مدينة إدلب ثاني مركز محافظة يخرج عن سيطرة النظام بعد الرقة.
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها في بعض الأوقات.
وتعرضت إدلب اعتباراً من العام 2014 إلى هجمات كيميائية عدة. فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 إبريل/ نيسان 2014)، وبلدتي سرمين وقميناس (مارس/ آذار 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أودى بحياة عشرات الأشخاص. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
مع انتهاء 2015، شهدت إدلب تحولات كثيرة، من أبرزها تفكك جيش الفتح نتيجة حالة الجمود العسكرية، وقد حاول فك الحصار عن مدينة حلب مرتين، لكن محاولاته باءت بالفشل. وشهدت المحافظة حينها اقتتالات داخلية بين الفصائل، انتهت في كل مرة بتعزيز سيطرة "جبهة النصرة" بتسمياتها اللاحقة المختلفة من "فتح الشام" وصولاً إلى "تحرير الشام"، فيما تواصلت هجمات قوات النظام بدعم روسي على المحافظة، وهو ما دفع الدول الثلاث الأكثر تدخلاً في الحرب السورية، روسيا وإيران وتركيا، إلى إنشاء "منطقة خفض التصعيد" في محافظة إدلب، وذلك بموجب اتفاق أستانة في مايو/ أيار 2017، لكن هذا الاتفاق لم يتم احترامه مطلقاً من جانب قوات النظام وروسيا. وقد عمدت قوات النظام في نهاية ذلك العام ومطلع العام 2018 للزحف نحو المناطق الشرقية في المحافظة، أو ما يعرف بمناطق شرق السكة، قضمت عشرات القرى والبلدات، وأجبرت فصائل مسلحة، وتحديداً جبهة النصرة، على التراجع إلى الغرب.
وعلى أنقاض اتفاق "خفض التصعيد"، توصلت تركيا وروسيا في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، إلى اتفاق "سوتشي" في محاولة لتجنيب المدينة هجمات النظام، عبر إقامة منطقة منزوعة السلاح للفصل بين قوات النظام ومليشياته من جهة، والفصائل المسلحة من جهة أخرى.
جاء التوصل إلى هذا الاتفاق في خضم عمليات قصف وتحشيد واسعة لقوات النظام وروسيا في نهاية صيف العام الماضي، مشابهة للحملة التي تجري اليوم، حيث ألقت طائرات النظام السوري منشورات على أجزاء من محافظة إدلب في بداية أغسطس/ آب، تدعو فيها الأهالي للتعاون مع قوات النظام. وشددت من حملات القصف التي استهدفت جميع البنى التحتية في المحافظة، وتسببت بمقتل واصابة مئات المدنيين. غير أن المواقف الدولية المعارضة لهجوم شامل على إدلب خشية حدوث كوارث إنسانية، وموجات تهجير جديدة، دفعت روسيا إلى العدول عن فكرة الهجوم، والتوصل إلى اتفاق "سوتشي" مع تركيا.
ويستطيع المراقب للتطورات في إدلب أن يلاحظ أوجه الشبه الكثيرة بين ظروف التسخين ضد إدلب صيف العام الماضي، وما يجري اليوم، مع فارق أن الموقف الدولي آنذاك كان أقوى مما هو اليوم، إذ صدرت في حينه مواقف قوية من الدول الكبرى محذرة من عواقب أي هجوم واسع على إدلب، أو استخدام أسلحة كيميائية فيها.
كما أن الموقف التركي كان قوياً وصريحاً وقتها في معارضة أي هجوم شامل على إدلب، بينما ما زالت تركيا تلتزم رسمياً الصمت إزاء الهجمات الحالية.
وحضرت التطورات في إدلب في اجتماعات الدورة الـ45 للهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، التي انطلقت أمس، حيث تم بحث التصعيد العسكري الأخير لقوات الأسد وروسيا. وكان الائتلاف قد اعتبر مع بداية التصعيد، أن الحملة العسكرية "هي في حقيقتها عملية تهجير جماعي"، وشدد على أن "المجتمع الدولي مطالب بالتدخل العاجل لمنع تفاقم هذا الوضع، والعمل على فرض ضغوط فورية لوقف هذه الحملة الإجرامية التي تستهدف المدنيين في المقام الأول وتسعى لإفراغ المنطقة منهم".
كما أكد رئيس هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، نصر الحريري، أن اجتماعات وفد الهيئة في جنيف، أمس الجمعة، مع المجموعة المصغرة حول سورية (تضم فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والأردن) والأمم المتحدة ومندوبي بعض الدول، "ناقشت التصعيد العسكري في شمال سورية والمجازر البشعة التي يرتكبها النظام وحلفاؤه (روسيا وإيران) ضد المدنيين من أبناء شعبنا". وأشار إلى أن المباحثات ركزت على ضرورة "الدفع باتجاه وقف إطلاق النار واحترام اتفاق سوتشي المبرم بين الرئيسين التركي والروسي".
وتأتي التطورات في إدلب في وقت تستمر المشاورات الإقليمية والدولية حول سورية، بما في ذلك اللقاءات التي عقدها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري، أمس، في جنيف، مع ممثلين عن "هيئة التفاوض"، بعدما أنهى
زيارة إلى أنقرة عقد خلالها سلسلة اجتماعات مع كبار المسؤولين الأتراك حول سورية، وصفها حساب السفارة الأميركية في سورية على موقع تويتر بـ"إيجابية ومثمرة". وفي السياق، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الجمعة، إن بلاده بدأت ترى بعضاً من المرونة في موقف الولايات المتحدة الأميركية حيال المنطقة الآمنة في سورية. وأوضح أكار أن المباحثات التي أجراها، الأربعاء الماضي، مع جيفري والوفد المرافق له "كانت مفيدة وإيجابية". ولفت إلى أنه ناقش مع المسؤولين الأميركيين جميع وجهات نظر ومواقف وعروض وطلبات تركيا. وأضاف: "سعدت جداً برؤية جيفري ووفده التي تقترب من وجهات نظرنا، وأرى أننا سنقترب من بعضنا في القضايا الثنائية، وفي مقدمتها المنطقة الآمنة في سورية من خلال اللقاءات المقبلة".