تصعيد إدلب مستمرّ بانتظار القمة الروسية ـ التركية

تصعيد إدلب مستمرّ بانتظار القمة الروسية ـ التركية

25 اغسطس 2019
النزوح يستمر بكثافة من محافظة إدلب(عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال محافظة إدلب في شمالي غرب سورية تحت وطأة تصعيد عسكري واسع النطاق من قبل قوات النظام والجانب الروسي، في ظلّ مواصلة النظام غاراته تمهيداً لتعزيز سيطرته على طريقين يربطان حلب بوسط البلاد وساحلها. وتترقّب المنطقة عموماً لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، يوم الثلاثاء المقبل، ومن المرجح أن تكون إدلب على طاولة المباحثات، في وقت بدأت ترتسم فيه ملامح مأساة إنسانية نتيجة نزوح عشرات الآلاف من المدنيين في ظل ظروف كارثية. واستأنفت قوات النظام، أمس السبت، عمليات القصف الجوي والبري على قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وذلك عقب هدوء استمر لساعات، وسط تخوف من بدء قوات النظام عملية عسكرية جديدة تستهدف معرة النعمان وريفها. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن الطيران الحربي التابع لقوات النظام شنّ غارات عدة بصواريخ شديدة الانفجار على بلدة التمانعة ومحيطها شرق مدينة خان شيخون. وأضافت المصادر أن القصف الجوي ترافق مع قصف صاروخي مكثف على بلدات وقرى جرجناز والدير الشرقي والدير الغربي والتح ومعرشمارين وكفرسجنة وحيش، الواقعة شرق مدينة معرة النعمان وشمالي شرق خان شيخون. وكشفت أن الطائرات الحربية والمروحية استهدفت، منذ مساء الجمعة وحتى صباح أمس السبت، بأكثر من 300 غارة جوية وقذيفة صاروخية، قرى وبلدات جنوبي إدلب، مشيرة إلى أن طائرة حربية روسية استهدفت بحمولة كاملة أطراف بلدة حيش، حيث توجد النقطة التركية الجديدة.

وذكرت المصادر أن طائرة حربية تابعة للنظام استهدفت بالصواريخ منطقة لا تبعد سوى 400 متر عن النقطة التركية المتمركزة في قرية الصرمان، المعروفة بالنقطة "الثامنة" بريف إدلب الشرقي، الجمعة. وبحسب المصادر، تقع تلك القرى والبلدات المستهدفة بالقصف، الجمعة والسبت، شرق الطريق الدولي الواصل بين حماة وحلب، مروراً بمعرة النعمان وسراقب وخان شيخون، في مؤشر واضح على نية قوات النظام التقدم باتجاهها لتأمين الطريقين الدوليين "أم 4" الذي يربط مدينة حلب بالساحل السوري، و"أم 5" الذي يربط حلب بمدينة حماة وسط البلاد.

وبحسب ناشطين، فإن تلك المناطق شهدت حركة نزوح كبيرة خلال الأيام الماضية، ومن المرجح أن تعمد قوات النظام إلى تهجير السكان قبل التقدم على الطريق الدولي. وأشار هؤلاء إلى وجود تخوف لدى المدنيين من تقدم النظام في المنطقة، كما حصل في خان شيخون أخيراً.

من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قوات النظام تحشد على محور التمانعة ضمن القطاع الجنوبي من الريف الإدلبي، وسط ترقّب لشن حملة عسكرية برية على قرى ريف معرة النعمان الشرقي، بعد أن فرضت سيطرتها على كامل ريف حماة الشمالي ومناطق هامة جنوب إدلب. كما أوضح أن طائرات النظام الحربية نفّذت السبت نحو 21 غارة استهدفت خلالها التمانعة ومحيطها والتح وجرجناز بريف إدلب الجنوبي الشرقي، كما قصفت طائرات روسية بنحو 10 غارات محور التمانعة وكفرسجنة والتح والهلبة بريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي. ووفق المعطيات الميدانية، تبدو مدينتا سراقب ومعرة النعمان، هما الهدف القادم لقوات النظام الساعية للسيطرة على مجمل ريفي إدلب الشرقي والجنوبي للسيطرة والتحكم في الطريق. وذكرت مصادر محلية أن "مدينة سراقب هي الأهم لقوات النظام، لكونها ملتقى طريقي أم 5 وأم 4. وسراقب عبارة عن مدينة بين أربعة جسور لطرق دولية".



بدوره، رجّح قائد العمليات في "جيش العزة"، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد" استمرار التصعيد في شمالي غرب سورية من قبل النظام والجانب الروسي. وأشار إلى أن قوات النظام ستستمر في التقدم "ما دامت قادرة على ذلك"، مضيفاً: "يركزون (الروس) على المدن على جانبي الطريق". وأعرب عن اعتقاده بأن مهمة قوات النظام ستكون أصعب في حال توغلها شمالاً في عمق محافظة إدلب. وتبدو قوات النظام المنتشية بنصر "متوحش" تحت غطاء ناري روسي وبمساعدة من المليشيات الإيرانية، مصرة على التقدم في عمق ريف إدلب الجنوبي لتأمين الطريق الذي يربط حلب بالساحل السوري. ولكن من المتوقع أن تصطدم بصد من فصائل المعارضة المتمركزة في المنطقة بانتظار المعركة.

في غضون ذلك، يترقب الشمال الغربي من سورية القمة الروسية التركية في موسكو يوم الثلاثاء، والتي المتوقع أن تثمر عن اتفاق جديد في محافظة إدلب ومحيطها، ربما يتجاوز اتفاق سوتشي المبرم بين الطرفين في سبتمبر/أيلول الماضي. ونصّ اتفاق سوتشي على إقامة منطقة خالية من السلاح بين مناطق سيطرة الطرفين، وتسيير دوريات مشتركة بالتنسيق على حدود المنطقة المحددة التي يصل عرضها إلى 20 كيلومتراً، كما نص على فتح الطرق الدولية، ومنع الاستفزازات بين الأطراف المعنية. ولكن الجانب الروسي تجاوز الاتفاق ووفّر لقوات النظام غطاءً نارياً مكّنها من السيطرة على أكثر من 25 مدينة وبلدة وقرية وموقع في ريفي حماة وإدلب ولا تزال تلوّح باجتياح شمالي غرب سورية برمته. كما ضربت قوات النظام طوق حصار حول نقطة مراقبة تركية في مدينة مورك بريف حماة الشمالي، رغم نفي الجانب التركي. وقالت مواقع إعلامية معارضة، أمس، إن المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، هددت بإزالة نقطة المراقبة التركية في مورك. ونُقل عن شعبان قولها، في مقابلة مع قناة "الميادين"، يوم الجمعة إن "النقطة التركية في مورك محاصرة، وسيتمكن الجيش السوري من إزالة النقاط التركية وإزالة الإرهابيين"، مدّعية أن تركيا حوّلت نقاط المراقبة، التي نشرتها ضمن اتفاق أستانة، إلى مواقع لنقل الأسلحة إلى من أسمتهم "الإرهابيين". ووصفت النقاط التركية بـ "نقاط احتلال لأجزاء من الأراضي السورية"، قائلة إن "تركيا لم تلتزم باتفاق أستانة وتبادلت الأسلحة مع جبهة النصرة، واحتلت الأرض".

في السياق، ترتسم في الأفق ملامح مأساة إنسانية كبرى في إدلب، بسبب حركة نزوح تفاعلت خلال نحو 4 أشهر من المعارك والقصف الجوي الذي لا يكاد يهدأ من قبل الطيران الروسي وطيران النظام. وذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن نحو 75 في المائة من سكان مدينة معرة النعمان نزحوا نحو الحدود السورية التركية، خلال الأيام القليلة الماضية، موضحة أن نحو 90 في المائة من سكان بلدة كفرنبل نزحوا أيضاً، إضافة إلى نزوح شبه كامل من ريف معرة النعمان الشرقي. وقالت المصادر إن المناطق الحدودية مع تركيا "باتت مزدحمة"، مؤكدة وجود آلاف المدنيين في العراء في ظروف "تكاد تصل حدود الكارثة"، التي أشارت إلى نزوح أكثر من مليون مدني منذ بدء الحملة العسكرية واسعة النطاق ضد محافظة إدلب ومحيطها في نهاية إبريل/نيسان الماضي.