الخلافات تعصف بـ"الفتح": هل يتفكك أكبر التحالفات العراقية؟

الخلافات تعصف بـ"الفتح": هل يتفكك أكبر التحالفات العراقية؟

15 مايو 2020
أثار بيان الغبان جدلاً داخل تحالف الفتح(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

تبرز خلافات حادة داخل أكبر التحالفات السياسية العراقية الذي يوصف عادة بأنه مدعوم أو مقرب من إيران، وهو تحالف "الفتح"، الذي يضم كتلاً سياسية مهمة عدة، أبرزها "بدر"، "صادقون"، "سند"، و"عطاء"، وكلها تمتلك أجنحة مسلحة تعمل ضمن هيئة "الحشد الشعبي". وتؤكد مصادر سياسية وأخرى مقربة من فصائل مسلحة، أنّ الخلافات تتعلق بطبيعة التعامل مع ملف الوجود الأميركي واستمرار التصعيد ضدّ واشنطن في العراق، فضلاً عن مسألة منح فرصة لحكومة مصطفى الكاظمي للعمل على العبور بالبلاد إلى مرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة.

أولى بوادر الخلاف كانت من خلال بيان، صدر يوم الجمعة الماضي، عن رئيس كتلة "الفتح" في البرلمان، النائب محمد الغبان، الذي حمل خطاباً هادئاً على غير العادة، تناول المشهد السياسي في العراق، ودعا فيه الولايات المتحدة إلى إعطاء العراق ما وصفه "الأولوية في الدعم والمساندة"، في لغة جديدة تختلف كلياً عن بيانات التهديد والتهجم على واشنطن من قبل التحالف المدعوم إيرانياً. ليرد بعد ساعات قليلة على البيان نواب وممثلون من داخل التحالف، اعتبروا أنّ موقفهم عقائدي بما يتعلّق بالولايات المتحدة، وأنّ "المقاومة الإسلامية" وأميركا "ضرتان لا تجتمعان"، وفقاً لما عبّر عنه بيان صدر عن جواد الطليباوي، القيادي في كتلة "صادقون" المنضوية ضمن "الفتح"، وتمثل الجناح المسلح لمليشيا "العصائب" بزعامة قيس الخزعلي. ليصدر بعد ذلك أيضاً تصريح آخر عن عضو في التحالف، وهو أحمد الكناني، قال فيه إنّ "المبادئ لا تتجزأ"، مضيفاً في ما بدا أنه رد على بيان الغبان: "كن واضحاً قبل كل شيء. أميركا عدو أزلي للأوطان الحرة، لم ولن نطلب مساندتها يوماً لأنها السبب الرئيسي بما نحن فيه، ولست ذا نظر ثاقب! والإزاحة ستشمل كل من جعل نفسه في موضع الشك".

وقالت مصادر سياسية من داخل تحالف "الفتح"، لـ"العربي الجديد"، إنّ الانقسامات التي طفت على السطح خلال الأيام الماضية هي بين كل من كتلة "بدر" بزعامة هادي العامري من جهة، وكتلتي "صادقون" و"سند" من جهة أخرى، وتدعمها في موقفها فصائل مسلحة تعرف بمصطلح "الولائية"، في إشارة إلى كونها مرتبطة بمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.

وتتركز الخلافات، بحسب المصادر ذاتها، على رغبة زعيم التحالف ورئيس منظمة "بدر" هادي العامري، بتجنب التصعيد مع واشنطن، وتأجيل أي مواجهة سياسية في الوقت الحالي حيال الوجود الأميركي في العراق، ليضاف ذلك إلى خلافات سابقة حيال رؤية مكونات التحالف لدعم حكومة الكاظمي من عدمها.

وفي هذا الإطار، قال قيادي بارز في تحالف "الفتح" ومنظمة "بدر"، متحدثاً عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، إنّ "بيان الغبان لم يكن شخصياً، بل جاء وفق توجيهات العامري، والأخير يدرك خطورة الوضع الذي يمر به العراق على مختلف الأصعدة (الأمنية، الاقتصادية، والصحية)، والعبور به إلى برّ الأمان يحتاج إلى دعم دولي كبير، وعلى رأس هؤلاء الداعمين الولايات المتحدة، خصوصاً لقرب رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي منها".

وأضاف القيادي الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنّ "العامري تعامل بشكل سياسي ودبلوماسي مع التغييرات التي حصلت في العراق، لكن هذا الأمر أغضب حلفاءه في تحالف الفتح، وحتى خارج التحالف من الفصائل المسلحة، وبرزت ردود منهم على تغيير الموقف هذا، لبيان موقفهم أمام جمهورهم بأنهم ليسوا مع هذا التغيير". وأكد أنّ "الخلافات داخل تحالف الفتح ما زالت قائمة، على الرغم من تحرك العامري لاحتواء الأزمة تجنباً لاحتمالات تشظي التحالف".

من جهته، علق سعد السعدي، القيادي في حركة "العصائب" بزعامة قيس الخزعلي، على الخلافات بالقول في حديث مع "العربي الجديد"، إنها "أمر طبيعي، ولكل جهة أو شخص توجه سياسي معين، لكن الكل متفق على شيء مهم، وهو ضرورة إخراج القوات الأميركية من العراق". ونفى أن يكون هناك تفكك داخل التحالف، مؤكداً أنّ "جبهة محور المقاومة متماسكة وقوية، وكل قوى التحالف متفقة على مواجهة التدخلات الأميركية في العراق".

واعتبر السعدي أنّ "رئيس كتلة الفتح البرلمانية محمد الغبان، خانه التعبير في بيانه، وكل القوى في الفتح تحمل وجهة نظر واحدة تجاه الولايات المتحدة، وهو عدم طلب المساعدة من واشنطن، وهي لم تقدم أي مساعدة للعراق طيلة السنوات السابقة، وهذا الموقف ثابت ولن يتغير وكل قوى تحالف الفتح متفقة عليه".

وتعليقاً على الموضوع ذاته، اعتبر الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الشريفي، أنّ "تحالف الفتح هش منذ البداية، إذ لم يستند إلى برنامج واضح أو رؤية موضوعية في قراءة الأحداث ومستقبلها، ولهذا نرى أنّ هناك تفككاً واضحاً بهذا التحالف".

وأوضح الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "زعيم تحالف الفتح هادي العامري، لم يتقرّب إلى الولايات المتحدة، لكن تبيّن أن هناك نوعاً من التسوية أو التوافق الأميركي - الإيراني في مسألة اختيار مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة، خصوصاً أنّ الأخير أقرب إلى واشنطن من طهران". وتابع أنه "في بداية ترشيح الكاظمي لرئاسة الوزراء، كل القوى السياسية والمسلحة الموالية لإيران رفضته بشكل مطلق، لكن بعد ظهور توافق أميركي - إيراني، وجدنا أنّ غالبية تلك القوى وافقت على الكاظمي، وصوتت له تحت قبة البرلمان العراقي". واعتبر الشريفي أنّ "الخلافات الحالية داخل تحالف الفتح، والسجلات الإعلامية بين قوى التحالف، تهدد بشكل حقيقي بتشتت الأخير وتفككه، وربما يكون هناك تدخل إيراني لتهدئة الأوضاع داخل الفتح لمنع تفككه".