الدور الجديد لأوباما: ضامن تحالف يسار الوسط ضد ترامب

الدور الجديد لأوباما: ضامن تحالف يسار الوسط ضد ترامب


16 ابريل 2020
حياد أوباما أربك بايدن وحملته لفترة طويلة (Getty)
+ الخط -
خرج الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما أخيراً من الظل، بعد أدواره الخفية وراء الكواليس لإعادة ترتيب فوضى الانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي. وفي هذا الأسبوع الحاسم الذي تطغى عليه أخبار فيروس كورونا، سعى الليبراليون لإظهار أنّ أجنحة الحزب (اليسار والوسط) متحدة خلف المرشح الرئاسي جو بايدن في معركته المقبلة مع الرئيس دونالد ترامب. أوباما لا يرى فقط أن إرثه الرئاسي على المحك في هذه الانتخابات، لكنه يحاول توسيع الأجندة الليبرالية عبر تكريس تحالف يسار الوسط الذي أوصله إلى الحكم في العام 2008.

ومنذ فبراير/شباط الماضي، حسم أوباما قراره بإنهاء موقفه الحيادي، والدخول تدريجياً على خط الانتخابات التمهيدية لإنقاذ حملة بايدن المتعثرة، وقطع الطريق على بيرني ساندرز لتفادي تحويل الخطاب الديمقراطي إلى أقصى اليسار. احتدت المعركة في تلك الفترة داخل وبين التيارين، الوسطي واليساري، كما زادت الضغوط على أوباما لاتخاذ موقف، لا سيما ضغوط القيادات التقليدية في الحزب. وفي تلك الفترة أيضاً، كان هناك قرار إداري رئيسي بتعزيز دور فريق أوباما الأسبق داخل حملة بايدن، عبر ترقية أنيتا دان (شغلت سابقاً منصب كبيرة مستشاري الرئيس الأميركي السابق) لتقود هذه الحملة، وتعيين جينيفر أومالي ديلون (تولت دوراً رئيسياً في حملة أوباما) لتدير التنظيم الميداني.

هذه العوامل كانت نقطة تحول أوقفت تعثر بايدن، وضمنت له الفوز في كارولاينا الجنوبية، حيث ظهر مدى دعم الأفارقة الأميركيين لحملته، نتيجة الشراكة مع أوباما على مدى ثماني سنوات. وفي خطاب عبر الفيديو، على مدى 12 دقيقة، أعلن أوباما تأييده رسمياً لنائبه الأسبق، ورسم معالم وعناوين المواجهة مع الجمهوريين. كما انتقد ترامب أكثر من مرة، كالعادة من دون أن يسميه، بحيث اعتبر أن الولايات المتحدة تحتاج إلى قيادة "تسترشد بالمعرفة والخبرة والصدق والتواضع والتعاطف".

حياد أوباما أربك بايدن وحملته لفترة طويلة في الانتخابات التمهيدية، بحيث لم يعرف نائب الرئيس السابق كيف يستخدم تجربته مع أوباما في الحكم خلال المناظرات الرئاسية. وكان هناك تحفظ في تلك الفترة داخل فريق بايدن حيال انتقادات وجهت إلى مرشحهم من مسؤولين سابقين مقربين من أوباما، مثل ديفيد أكسلرود. وبالتالي ردت عليه، عبر "تويتر"، حفيدة بايدن، نعومي، عبر وصف الأخير بأنه "أحمق مع ميكروفون". بايدن أبلغ مستشاريه، بحسب صحيفة "شيكاغو تريبيون"، أن أوباما لم يحرك ساكناً لمساعدته في انتخابات كارولاينا الجنوبية فيما يبدو أنها محاولة لإظهار أن هذه العودة إلى صدارة السباق لم تكن بفضله. الآن هناك محاولة لجسر هذه الهوة، بحيث إن أبرز مستشاري أوباما، الذين هندسوا فوزه الرئاسي، ديفيد بلوف، سيشارك في بعض اجتماعات حملة بايدن، كما سيلعب الرئيس السابق دوراً في جمع التبرعات لهذه الحملة الرئاسية.


أوباما وصف ساندرز في خطابه بأنه "أميركي أصيل كرّس حياته لإعطاء صوت لآمال الناس وأحلامهم وإحباطهم. لم أتفق أنا وهو دائماً على كل شيء، لكن كان لدينا دائماً قناعة مشتركة بأن علينا جعل أميركا مجتمعاً أكثر عدلاً وإنصافاً". هذه الإشارة إلى ساندرز ليست صدفة، بل تأتي بعد أكثر من اتصال هاتفي بين الرجلين خلال الأسابيع الماضية، في محاولة لـ"تسريع نهاية اللعبة" في مسار الانتخابات التمهيدية، كما نقلت عن أوباما أكثر من صحيفة أميركية. وللصدف، فإن ما سهل مهمة أوباما لتوفير هذا الالتفاف المبكر حول بايدن كانت تغريدات ترامب بعد انسحاب ساندرز، التي حاولت إشعال الخلافات داخل الحزب الديمقراطي. لكن هذا الأمر لا يزعج ترامب بالضرورة، لأن الرئيس الأميركي سيركز على استقطاب جزء من قاعدة ساندرز، عبر اتهام الأخير بأنه قام بتسوية مع القيادة التقليدية في الحزب الديمقراطي.

هذه الوساطة التي أجراها أوباما سرّعت الاتفاق بين بايدن وساندرز، لكن ليس واضحاً بعد ماذا تضمن هذا الاتفاق، وإذا ما يشمل توافقاً شاملاً حول خطاب الحزب في الانتخابات العامة، وإذا كان اختيار بايدن لمنصب نائب الرئيس ستكون مرشحة يرضى عليها ساندرز؟ (ساندرز حسم أنه سيختار امرأة لمنصب نائب الرئيس). وأعلنت المرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية التي تمثل أيضاً التيار التقدمي، السيناتور أليزابيث وارن، أمس الأربعاء، تأييدها لبايدن، وهي من الأسماء المطروحة لمنصب نائب الرئيس، لأنها تساعد بايدن على استقطاب جزء من التيار اليساري، وكانت قد أدت دوراً بارزاً في ضمان فوزه عندما أوقفت بهجومها صعود حملة عمدة مدينة نيويورك الأسبق، مايكل بلومبيرغ، كما أضعفت بيرني ساندرز عبر بقائها في السباق. وفي وقت سابق من الشهر الحالي غرد أوباما، عبر "تويتر"، داعماً أفكار وارن في تحديد دور الحكومة الفيدرالية في التعامل مع الأوبئة. بايدن استمر في التحول إلى اليسار الأسبوع الماضي، عبر إعلان دعمه لبرامج ساندرز، مثل خفض سن الرعاية الطبية إلى 60 سنة، وإلغاء الديون الجامعية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً بالساعة. كما يتفق الطرفان على إجراءات متعلقة بعدم المساواة والتغير المناخي والرعاية الصحية، مع اختلاف في التفاصيل.

العلاقة المعقدة التي تجمع أوباما بساندرز كانت مفتاح هذه التسوية داخل الحزب الديمقراطي. حملة ساندرز كانت استخدمت صوراً لمرشحها مع أوباما في الإعلانات الدعائية، وظل ساندرز يتصل بأوباما لإطلاعه على آخر تطورات حملته الرئاسية، ولهذا السبب ظل الرئيس السابق متمسكاً بقرار البقاء على الحياد. لكن بعد خسارة بايدن في ولاية أيوا بداية العام الحالي، تسرب عمداً كلام لأوباما يحذر فيه من سياسات ساندرز "الثورية". كما لفت إلى أن الناخب الديمقراطي يريد التغيير و"ليس هدم النظام". وفي محاولة لحث مناصريه، اعتبر ساندرز، من جهته، أن رفض انتخاب بايدن تصرف "غير مسؤول" لأنه يعزز فرص ترامب بالفوز. الناطقة الإعلامية السابقة لحملة ساندرز، بريانا جوي غراي أعلنت بوضوح، عبر "تويتر"، أنها لن تصوت لصالح بايدن، وهناك انقسام داخل الحركة اليسارية حول قرار ساندرز المبكر إعلان تأييده لبايدن.

هذا المسار التوحيدي طمأن قاعدة الحزب الديمقراطي إلى أن سيناريو عام 2016 لن يتكرر، ولن يكون المؤتمر القومي للحزب في مدينة ميلووكي، في أغسطس/آب المقبل، ساحة مواجهة سياسية بين التيارين، اليساري والوسطي. أوباما تعلم من درس 2016، حين دعم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون من دون أن يسعى للتواصل مع ساندرز لضمان وحدة الحزب. لكن هذا الالتفاف اليوم حول بايدن لا يعني بالضرورة أن ساندرز قادر على إقناع كل مناصريه بالتصويت لبايدن، تحت شعار الوحدة لهزيمة ترامب. هناك الكثير على المحك لأوباما في الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل، لا سيما أنها ستكون اختباراً لمدى قبول الناخب باستعادة إرث أوباما، أو الاستمرار مع ترامب لولاية ثانية.