العراق: جهود سياسية منعت هجوماً على قاعدة أميركية

العراق: جهود سياسية منعت هجوماً على قاعدة أميركية

02 يناير 2020
تحوّل محيط السفارة إلى ما يشبه الثكنة(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

مع استمرار حالة التأهب داخل السفارة الأميركية في بغداد، التي علّقت أنشطتها حتى إشعار آخر، ونصحت رعاياها بعدم السفر إلى العراق، بدا الوضع، أمس الخميس، هادئاً في محيطها. غير أن الأوضاع كادت تتدهور إلى وضع أخطر، إذ كشف مسؤول عراقي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، أن فصائل مُسلحة مرتبطة بإيران كانت تُخطط لشن هجوم صاروخي على قاعدة التاجي شمالي بغداد، التي تستضيف العشرات من أفراد الجيش الأميركي ضمن وحدة تابعة للتحالف الدولي في العراق، إلا أن الحكومة وجهات سياسية أخرى وقيادات في رئاسة أركان الجيش نجحت في منع الهجوم، فيما أعرب وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر عن اعتقاده أن "كتائب حزب الله" العراقية قد تنفذ عملاً استفزازياً آخر، محذراً، في الوقت ذاته، من أنها ستندم إذا أقدمت على هذا الأمر. وأعلن أنه لم يلمس تحركاً كافياً من العراق لمواجهة الجماعات المدعومة من إيران، معتبراً أن عليه محاسبة الضالعين في هجمات على قوات أميركية. وأشار إلى أنه لم يتلق أي طلب عراقي لتقليص عدد الجنود الأميركيين في البلاد.

وفي سياق التصعيد المضبوط بين واشنطن وطهران، قال قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، أمس الخميس، إنّ "إيران لا تتجه للحرب، لكنها لا تخشى أي صراع"، وذلك بعدما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن طهران تقف وراء احتجاجات مناهضة للولايات المتحدة في العراق. ونقلت وكالة "تسنيم" عن سلامي قوله "لا نقود البلاد إلى الحرب، لكننا لا نخشى أي حرب، ونقول لأميركا بأن تحسن الحديث عند مخاطبة الأمة الإيرانية. لدينا القوة لتحطيمهم عدة مرات، ولا يساورنا القلق". وأضاف "قواتنا المسلحة تراقب كل التحركات، وإذا ارتكب أي شخص أدنى خطأ فسيكون رد الفعل حاسماً، وإذا تصاعد الموقف فسنظهر للعدو قدراتنا".

وشهد، يوم أمس، وفق مصادر أمنية عراقية من داخل المنطقة الخضراء، انتشار القوات الأميركية الإضافية التي وصلت إلى السفارة، في أروقتها، وأقامت تعزيزات في محيطها حولتها إلى أشبه ما يكون بثكنة محصنة، مع انتشار قوات خاصة على سطح السفارة وأبراج مراقبة، مع أسلحة متوسطة وبنادق قنص. وباشرت لجنة حكومية عراقية، من وزارتي الداخلية والخارجية، بمعاينة الأضرار الناجمة عن اقتحام أنصار المليشيات حرم السفارة. وأكدت المصادر أن الخسائر لا تتجاوز عشرات آلاف الدولارات، وهي غرف استعلامات وأجهزة فحص، كتلك الموجودة في المطارات "سكانر"، وكاميرات مراقبة وغرف الحراس، وحريق أتى على بعض الممتلكات الخاصة بالسفارة في أروقتها الخارجية، ومرآب السيارات الذي فقد حافلتي نقل ركاب يرجح أنهما سرقتا خلال اقتحام المرآب. ورجح مسؤول عراقي أن تتكفل الحكومة بكل تلك الخسائر، وفقاً للأعراف الدبلوماسية. كما استمرت حالة التأهب في المنشآت والقواعد التي تضم قوات أميركية، ضمن خارطة غير خافية، أبرزها الأنبار وبغداد وصلاح الدين ونينوى وكركوك وسط وغرب وشمال العراق، فضلاً عن العاصمة بغداد.

في موازاة ذلك، قال مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنه تم إلغاء ضربة صاروخية من فصائل مسلحة مرتبطة بإيران كانت ستستهدف قاعدة التاجي شمالي العاصمة في اللحظات الأخيرة، بجهود كبيرة من رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي وقيادات في رئاسة أركان الجيش العراقي وعدة سياسيين من قوى عربية شيعية مختلفة. وأوضح أن الضربة كان مقرراً أن تكون بعد ساعات قليلة من الهجوم الجوي الأميركي على معسكر "كتائب حزب الله" العراقية في بلدة القائم على الحدود مع سورية أقصى غرب العراق، غير أن رئاسة أركان الجيش العراقي أبلغت عبد المهدي بأن الجيش الأميركي تلقى تعليمات من واشنطن بالدفاع عن النفس والرد بعنف على أي هجوم جديد، وهو ما يعني فتح جبهة داخل العراق بين عدة فصائل مسلحة والقوات الأميركية. وكشف أن الجهود أفضت إلى إلغاء الهجوم أو تأجيله، لكن في الوقت نفسه أصبح هناك حراك أوسع في البرلمان، في ما يتعلق بتقديم مشروع قانون إخراج القوات الأميركية من العراق.



وذكر أن "كتائب حزب الله، والنجباء، والعصائب، وبدر، وسيد الشهداء، وكتائب الإمام علي، تقود جبهة التحشيد حالياً ضد القوات الأميركية في العراق. كما تلقّى مترجمون ومتعاقدون مع شركات ومنظمات مساعدات أميركية تهديدات في اليومين الماضيين بتهمة العمالة للأميركيين والخيانة، وطالبوهم بترك عملهم". وأوضح أن دخول القوات الأميركية حالة التأهب يعني أن بإمكانها الرد على أي هجوم في وقت قياسي، وأعادت في الوقت نفسه رفع إجراءاتها في محيط وداخل القواعد التي تتواجد فيها.

ونقلت وسائل إعلام عراقية محلية أمس عن مصادر لم تسمها أن "كتائب حزب الله هددت نواب البرلمان العراقي في حال تم تقديم قانون إخراج القوات الأميركية من العراق للبرلمان ولم يصوتوا عليه، أو تغيبوا عن جلسة النصاب". في المقابل، علّق القيادي في مليشيا "رساليون"، المنضوية ضمن "الحشد الشعبي"، محمد البصري، لـ"العربي الجديد"، على المعلومات بالقول إن "فصائل المقاومة الإسلامية، ليست لديها نيّة حالياً لأي عمل عسكري ضد الأميركيين، لأنها لا تريد جر العراق إلى معركة جديدة، وتوفير ذريعة للقوات الأميركية للتواجد في الشارع العراقي". وتُستخدم عبارة فصائل المقاومة الإسلامية للإشارة إلى تلك المرتبطة بإيران، ولبعضها تواجد في سورية لدعم نظام بشار الأسد، مثل "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي" ومليشيات أخرى معها. وتابع البصري "لهذا تم الاكتفاء بالرد على العدوان الأميركي، بالاحتجاج الشعبي، وسيكون هناك حراك سياسي أيضاً للرد على هذا العدوان من خلال إقرار قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق". وتابع "من الغباء استخدام الرد العسكري، وفي اليد خياران لإخراج تلك القوات من خلال الاحتجاج الشعبي السلمي، وكذلك الحراك السياسي البرلماني".

في السياق ذاته، قال النائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، كريم المحمداوي، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "القوى السياسية الوطنية، وبعد عملية قصف مقرات الحشد الشعبي من قبل الولايات المتحدة في القائم، عازمة ومصرّة على تشريع قانون إخراج القوات الأجنبية، وعلى رأسها الأميركية، وسنعمل على قراءة هذا القانون قراءة أولى، خلال جلسات مجلس النواب المقبلة". وأوضح المحمداوي أن "رئاسة مجلس النواب العراقي، لغاية الآن، لم تحدد موعد الجلسة المقبلة، لكن سوف يُدرج فيها قانون إخراج القوات الأجنبية من كافة الأراضي العراقية، وتم جمع تواقيع لإلزام رئاسة البرلمان بإدراج هذه الفقرة". وأكد أن "القوى السياسية الوطنية لن تسمح، هذه المرة، لرئاسة مجلس النواب بالمماطلة وتسويف قضية مناقشة وإقرار قانون إخراج القوات الأجنبية، فالضغوط على رئاسة البرلمان، منعت قراءة هذا القانون المهم، الذي يحمي سيادة العراق، ويمنع أي انتهاك لها من أي قوة خارجية كانت". وأضاف المحمداوي أن "الأغلبية داخل مجلس النواب، مع الإسراع بإقرار قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق، ودليل ذلك التواقيع التي تُجمع بشأن ذلك، كما أن هناك قوى برلمانية، تعمل على إفشال إقرار هذا القانون، لوجود مصالح سياسية من بقاء القوات الأجنبية".