تلويح الصين بقمع احتجاجات هونغ كونغ: السيناريو الأكثر كلفة

تلويح الصين بقمع احتجاجات هونغ كونغ: السيناريو الأكثر كلفة

08 اغسطس 2019
الشرطة العسكرية الصينية حلّت مكان الجيش (Getty)
+ الخط -
عادة لا يمكن للمحتجّين في مناطق صينية الاستمرار طويلاً في اعتراضهم، سواء في الشارع أو عبر وسائل الإعلام، أكانت تقليدية أو افتراضية. دائماً ما تقمع السلطات الصينية أي فكرة تعارض توجّهات السلطات في مهدها، وبقوة كبيرة. وتجلّى هذا الأمر في قمع تظاهرات التيبت المتكررة، وتحرّكات الأويغور في إقليم شينجيانغ في السنوات الأخيرة، وفي قمع ساحة تيان ان مين في العاصمة بكين بالدبابات عام 1989. الآن، تواجه الصين مساراً أكثر تعقيداً في هونغ كونغ. الإقليم الذي أظهر بوادر انفصالية، بعد إعادته إلى السيادة الصينية عام 1997، بات مسألة يستوجب حسمها بالنسبة للصينيين. فبعد نحو 5 سنوات على "ثورة المظلات"، التي أفرزت واقعاً معارضاً لتوجّهات بكين في هونغ كونغ، ثم موجة الاحتجاجات واسعة النطاق في الأسابيع التسعة الأخيرة، هددت الصين بوضع حدّ لهذه الاحتجاجات، مهما كان الثمن.

في عام 2014، قامت "ثورة المظلات" في هونغ كونغ، على خلفية إقرار قانون يسمح بتزكية الصين 3 مرشحين لرئاسة الإقليم، على أن تُسمّي بكين أحدهم رئيساً. وهو ما اعتبره المتظاهرون وقتها بمثابة محاولة لقمع استقلاليتهم. واظب المحتجون على ملء الشوارع رفضاً للقرار، قبل أن تقوم بكين بإرسال عصابات من المافيا الصينية اعتدت على المتظاهرين، الذين انكفأوا وتراجعوا، قبل أن تخمد ثورتهم.

بعد 5 سنوات، عادت هونغ كونغ إلى تمرّدها، وهذه المرة، بسبب تشريع ينصّ على تسليم كل مشتبه به بارتكاب جريمة ما في الإقليم إلى الصين. تدفق المتظاهرون إلى الشارع. وتزعّمهم مجدداً، جوشوا وونغ (22 عاماً)، أحد أبرز وجوه ثورة الـ2014. دعمت بكين السلطات الخاضعة لها في الإقليم برئاسة كاري لام في المرحلة الأولى. لم تتمكن لام من السيطرة على المتظاهرين، رغم تعليقها تشريع القانون. اعتبر المحتجون أن "التعليق لا يعني الإلغاء"، فاستمروا في تظاهراتهم. انتظرت الصين طويلاً، قبل أن تقرر المرحلة الثانية: استخدام العصابات، في تكرارٍ لعام 2014. تجاوز المتظاهرون العنف ضدهم، وواصلوا ضغطهم. دفع هذا الأمر السلطات الصينية إلى تصعيد لهجتها ضدهم، حتى إن المتحدث باسم مكتب شؤون ماكاو وهونغ كونغ، يانغ غوانغ، قال يوم الثلاثاء الماضي: "لا تستهينوا البتة بالتصميم الحازم وبالقوة الهائلة للحكومة المركزية"، متهماً مرة أخرى "حفنة من الناشطين" بتدبير الاضطرابات بدعم من قوى أجنبية، لم يحددها. وأضاف "يجب أن يكون واضحاً جداً لهذه الزمرة من المجرمين العنيفين وعديمي الأخلاق والقوى المقيتة التي يحتمون بها: من يلعب بالنار سيحترق بها"، مشدّداً على أنه "ستتم معاقبتهم في نهاية المطاف".

"العقاب الصيني" بات معروفاً، بحسب الكاتب التايواني في مجلة "فورين بوليسي"، هيلتون ييب. فقد شرح ييب المسار الأمني الذي ستنتهجه السلطات الصينية في هونغ كونغ. وبعد إشارته إلى القمع الدموي الذي أقدم عليه "جيش التحرير الشعبي" (الجيش الصيني)، في التيبت وشينجيانغ، كشف أن الدور الأكبر سيكون للشرطة الشعبية الصينية، التي كانت تعمل في الأساس في حماية الحدود ومكافحة الحرائق والعمل في الغابات وقطاع الطاقة، قبل أن تتحوّل إلى قوة عسكرية مرادفة للجيش، قوامها 1.5 مليون عنصر يقومون بـ"الأعمال القذرة" التي جعلت الجيش أسير الانتقادات الدولية. الشرطة العسكرية تُحكم الطوق حالياً على التيبت وشينجيانغ، وموازنتها وعتادها وعديدها منفصلة عن الجيش، وهو ما منحها سطوة معيّنة.

للشرطة العسكرية الصينية مركز قيادة قبالة المراكز الحكومية في هونغ كونغ، غير أنه نادراً ما تتحرّك في الشارع، تاركة الأمر للشرطة المحلية. لكن المعطيات المستقبلية تشي بإمكانية تدخّلها لقمع التظاهرات. ففي 30 يوليو/تموز الماضي، ذكرت الولايات المتحدة، أن عدد عناصر الجيش الصيني ارتفع بشكل ملحوظ على الحدود مع هونغ كونغ، ومع أنه تمّ تبريره بتنظيم احتفال في مدينة غوانغزهو، البعيدة نحو 80 كيلومتراً عن الإقليم، إلا أن الأميركيين تحدثوا أيضاً عن وجود 20 ألف عنصر من الشرطة العسكرية على الحدود مع هونغ كونغ، التي تمّ تبرير وجودها أيضاً بتنظيم احتفال بمناسبة الذكرى الـ70 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني. مع ذلك، فإن واشنطن لحظت إمكانية استخدام هذه العناصر في أي لحظة، لقمع التظاهرات في هونغ كونغ، على الرغم من "تأكيد" السلطات في الإقليم وفي بكين على "ثقتهما" في قدرة شرطة هونغ كونغ على معالجة الوضع.

لا تتوقف المسألة هنا. بالنسبة للصينيين هناك كلفة ينبغي تحمّلها حيال أي محاولة لقمع تحركات هونغ كونغ. تبدأ الكلفة من هونغ كونغ نفسها، إذ أن الإقليم الأكثر جاذبية بين أقرانه لأسواق المال في الشرق الآسيوي، قد يؤثر سلباً على ملف الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. كما أن الصين نفسها، لا يمكنها تحمّل وضع مضطرب في هونغ كونغ، في ظلّ السعي الأميركي لتأمين الانتشار الصاروخي في كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا. وهو ما دفع بكين إلى تحذير الدول الثلاث من مغبّة قبولهم بنشر أي صاروخ أميركي في أراضيهم، فالصينيون أدركوا سريعاً أن الانسحاب الأميركي من معاهدة الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، تهدف في جانبٍ منها، إلى محاولة واشنطن الاقتراب من الحدود الصينية صاروخياً. فالصراع على بحر الصين الجنوبي، لم يعد مجرّد نقاش بين دولتين، بقدر ما يترجم سباقاً بينهما للسيطرة على طريق بحري يمرّ عبره 20 في المائة من التجارة البحرية العالمية.

أمام الصين حل من اثنين: إما ترك التظاهرات في هونغ كونغ من دون ردّ، والاستناد على عامل الوقت وقدرات الشرطة المحلية، من دون التراجع عن التشريع المتعلق بتسليم المشتبه بهم لسلطات بكين، وإما الاستعجال بقمعها. الوقت عامل أساسي للصينيين. في حال ترك الأمور على حالها في هونغ كونغ، فإن الأميركيين سيواصلون ضغطهم بنشر الصواريخ، وستُدرك مقاطعتا شينجيانغ والتيبت أنه في وسعهما القيام بأمر مماثل لهونغ كونغ، وسيطالبان ربما بالحكم الذاتي أو الاستقلال. أما في حال الاستعجال، ستنجح الصين في السيطرة على هونغ كونغ، لكنها ستفتح باباً لتنديد دولي واسع النطاق، كما حصل إبّان أحداث ساحة تيان ان مين، وستجدها الولايات المتحدة فرصة لمزيد من الضغط وفرض الشروط. ستختار الصين الملف الأقل خسارة: قمع هونغ كونغ.

المساهمون