العراق ساحة جديدة للمواجهة الإسرائيلية - الإيرانية... وفصائل تتسلح

العراق ساحة جديدة للمواجهة الإسرائيلية الإيرانية... وفصائل تتسلح

22 اغسطس 2019
آخر تفجير وقع في معسكر لـ"حزب الله"(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تتولّد قناعة في العراق، لا سيما لدى الفصائل المسلحة المؤيدة لإيران، أن البلاد تدخل في مرحلة ساخنة من التصعيد الإسرائيلي بعد سلسلة من التفجيرات الغامضة التي استهدفت في الفترة الأخيرة مقرات لفصائل عراقية، كان آخرها أول من أمس الثلاثاء، ليبدو أن العراق يتحوّل عملياً إلى ساحة إضافية للمواجهة الإسرائيلية الإيرانية بعد سورية. وعلى الرغم من أن الاحتلال لم يعترف أنه شنّ ضربات في العراق، غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ألمح الإثنين الماضي إلى مسؤولية إسرائيل عن هجمات شُنّت أخيراً في العراق. ونقلت القناة الإسرائيلية 13 عن نتنياهو قوله للصحافيين، خلال زيارة الإثنين الى أوكرانيا: "ليس لإيران حصانة في أي مكان". وأضاف في إشارة إلى طهران: "سنتحرك ضدهم أينما تستدعي الحاجة، وأيدينا طويلة". وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد تحدثت في الفترة الأخيرة عن إمكان أن يكون العراق ساحة جديدة تهاجم من خلالها إسرائيل النفوذ والتموضع العسكري الإيراني في المنطقة. وفي هذا السياق، نقل محرر الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسيفي برئيل، في تقرير له قبل أيام، عن مصادر دبلوماسية أوروبية، أن ممثلين عن إسرائيل يعقدون منذ فترة لقاءات سرية مع شخصيات في الحكومة العراقية، وأن بعض هذه اللقاءات عقدت في إسرائيل.

وأوضح برئيل أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي زار بغداد في مايو/ أيار الماضي، حذر الحكومة العراقية من مواصلة نقل ونصب صواريخ إيرانية بعيدة المدى من طراز "زلزال" و"الفاتح" التي يتراوح مداها بين 200-700 كيلومتر في المناطق الشمالية للعراق، بما يشكل خطراً على أمن دولة الاحتلال. وحذر بومبيو العراق من أن دولة الاحتلال قد تستهدف هذه المواقع إذا لم يتم إخراج الصواريخ منها. لكن جهاز المخابرات العراقي نفى في وقت لاحق المزاعم الإسرائيلية حول زيارة برلمانيين عراقيين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبراً أن تلك التسريبات تأتي ضمن حرب نفسية.

أمام هذا الواقع، علم "العربي الجديد" أن عدة فصائل عراقية تتجه لحيازة صواريخ أرض-جو مضادة للطائرات من خلال إيران لحماية مقراتها، وهو ما تؤيده قوى سياسية عراقية في البرلمان ضمن "تحالف البناء"، تتهم بدورها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بالتهاون في الملف ومجاملة الأميركيين. وشهد أول  من أمس الثلاثاء تفجيراً جديداً طاول معسكراً لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، تتشارك به مع فصيل آخر هو "جند الإمام"، في مدينة بلد (85 كيلومتراً شمال بغداد)، ليكون التفجير الرابع الذي يطاول مقرات لمليشيات عراقية خلال نحو شهر واحد. وتتهم قيادات في "الحشد الشعبي" وأعضاء في البرلمان الطيران الإسرائيلي بالوقوف وراء تلك الاستهدافات المتكررة بتستر الطيران الأميركي الذي يتمتع بحضور كبير في الأجواء العراقية.

واتهم زعيم "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، الولايات المتحدة بإدخال طائرات إسرائيلية إلى العراق لقصف معسكرات "الحشد"، لافتاً في بيان أمس إلى أن "تلك الطائرات قامت أخيراً باستطلاع مقراتنا بدل تعقبها داعش، وجمعت معلومات وبيانات تخص ألوية الحشد ومخازن عتادها وأسلحتها، وقد عرضنا ذلك على العمليات المشتركة"، معتبراً أن "ما يجري من استهداف مقرات الحشد أمر مكشوف لسيطرة الجيش الأميركي على الأجواء العراقية عن طريق استغلال رخصة الاستطلاع، واستخدام الأجواء المحلية لأغراض مدنية وعسكرية، ومن ثم التشويش على أي طيران آخر من ضمنه طيران قوات الجيش العراقي، في حين سمح لطائرات أميركية وإسرائيلية بتنفيذ الاعتداءات المتكررة، وهذا ما كشفته بعض مراكز البحوث الأميركية وتصريحات رئيس الوزراء الصهيوني". وأكد أنّ "المسؤول الأول والأخير عما حدث القوات الأميركية، وسنحملها مسؤولية ما يحدث اعتباراً من هذا اليوم، فليس لدينا أي خيار سوى الدفاع عن النفس وعن مقراتنا بأسلحتنا الموجودة حالياً واستخدام أسلحة أكثر تطوراً".

وأكدت مصادر قريبة من فصائل عراقية مسلحة لـ"العربي الجديد" قرار عدة فصائل مسلحة، بينها "كتائب حزب الله"، و"سيد الشهداء"، و"النجباء"، الحصول على صواريخ دفاع جوي لحماية مقراتها من خلال إيران، إضافة إلى خطوات أخرى، معلّلة ذلك باستمرار الحكومة العراقية في التسويف بموضوع الحصول على أنظمة دفاع جوي حديثة ونصب منظومات استشعار مبكر على الحدود العراقية مع الأردن وسورية. ولفتت المصادر إلى أن قرار اقتناء منظومة دفاع جوي يُعتبر بمثابة عامل ضغط جديد على عبد المهدي، للحصول على منظومات دفاع من روسيا أو الصين بأسرع وقت، بعد تردد الحكومة في الخطوة، على الرغم من عدم منطقية تأخر الأميركيين في تزويد العراق بمنظومة دفاع جوي، فيما وافقت على تزويده في وقت سابق بمقاتلات حديثة من طراز "أف 16"، بحسب المصادر ذاتها.

وخلال نحو شهر واحد، وقعت سلسلة تفجيرات استهدفت معسكرات تابعة لفصائل مسلحة، ضمن "الحشد الشعبي"، وهي معسكر آمرلي في صلاح الدين، في التاسع عشر من الشهر الماضي، ومعسكر أشرف في ديالى يوم 28 من الشهر نفسه، ثم معسكر الصقر جنوبي بغداد الأسبوع الماضي، ليعقبه تفجير في معسكر بلد قرب تكريت مساء الثلاثاء، وسط معلومات عن تفجير آخر وقع قبل أيام في موقع متقدّم قرب الحدود العرقية السورية في منطقة مناجم فوسفات عكاشات من دون معرفة تفاصيله. وتسبّبت التفجيرات بخسائر كبيرة غالبيتها مادية تضمّنت دماراً واسعاً في المعسكرات الأربعة وإتلاف كميات كبيرة من ترسانة الفصائل المسلحة.

وبحسب المصادر ذاتها، فإن ممثلين عن فصائل "المقاومة الإسلامية" تلقوا في وقت سابق جواباً ضمنيناً من إيران باستعدادها "للمساعدة في تأمين مقراتها ورفع درجة الأمن فيها من خلال التخزين الأرضي أو التصدي للهجمات الخارجية عليها". وتُستخدم عبارة "المقاومة الإسلامية"، أو "فصائل المقاومة"، في دلالة إلى المليشيات العراقية المرتبطة بإيران عسكرياً وعقائدياً، ولها وجود أيضاً في سورية، وتعتبر نفسها فصائل إقليمية وليست محلية، مثل "سرايا السلام" أو "فرقة العباس" أو جند المرجعية والتي ترتبط بطبيعة الحال بمرجعية النجف، ومن أبرز تلك الفصائل، "كتائب حزب الله"، و"سيد الشهداء"، و"لواء الطفوف"، و"النجباء"، و"الإمام علي"، و"الخراساني"، و"جند الإمام"، و"المختار الثقفي"، وفصائل أخرى معها تتمتع بتجهيزات عالية المستوى أفضل من نظيراتها في الفصائل العراقية الأخرى التي تشكلت بعد عام 2014.
وكشفت المصادر ذاتها التي تحدثت لـ"العربي الجديد" أن التحقيق في التفجيرات المتتالية في معسكرات "الحشد" تحوّل إلى تحقيقين: الأول تتبنّاه الحكومة العراقية، والثاني تقوم به فصائل مسلحة قامت بالاستعانة بخبرات من كوادر "حزب الله" اللبناني، لتحديد طبيعة التفجيرات التي ضربت مقراتها بسبب خبراته الواسعة في هذا المجال وإمكانية تحديد ما إذا كانت قصفاً جوياً بطائرة أو قصفاً بالهاون أو خطأ عرضياً داخلياً.

ومن المفترض أن تُعلن نتائج التحقيق الخاص بالحكومة العراقية بما يتعلق بتفجير معسكر الصقر جنوبي بغداد، اليوم الخميس، كما جاء في بيان لرئيس الوزراء الخميس الماضي، والذي حدد أسبوعاً لإعلان نتائج التحقيق في التفجير. وكان عبد المهدي قد أعلن الخميس الماضي في بيان صدر عقب اجتماع ضم قيادات عسكرية وأمنية رفيعة في البلاد، عن جملة من القرارات الأمنية، كان أبرزها إلغاء كافة الموافقات السابقة للتحليق في الأجواء العراقية للطيران الأجنبي بما فيها الطائرات المسيّرة، واعتبر البيان أن أي طيران في الأجواء سيعامل على أنه معادٍ ما لم يكن له ترخيص مسبق. وأعلن التحالف الدولي في العراق، بعد ساعات، أنه يمتثل لتوجيهات حكومة بغداد بمنع تسيير الطائرات ذات المهام العسكرية الخاصة بأجواء البلاد، إلا بإذن من عبد المهدي، مضيفاً في بيان أنه "كضيف ضمن الحدود السيادية للعراق، يمتثل لجميع القوانين والتوجيهات من حكومة العراق، وسيمتثل على الفور لجميع التوجيهات الواردة من شركائنا العراقيين أثناء قيامهم بتنفيذ أمر رئيس الوزراء".

وتعليقاً على ذلك، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية كريم عليوي، إن العراق بحاجة عاجلة إلى تقوية منظومة الدفاع الجوي لديه من خلال التعاقد مع إيران بهذا الشأن، مؤكداً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" أن "من حق العراقيين حماية أجوائهم بأي طريقة مناسبة، بعد تنصّل الولايات المتحدة"، مؤكداً أن "بعض المعسكرات التي تعرضت لتفجيرات كانت من خلال هجمات من طائرات مسيّرة والمتهم الأول هو الكيان الصهيوني".

أما عضو تيار "الحكمة" حسن فدعم، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن "العراق بحاجة إلى شراء منظومة "إس 400" الروسية ومنظومة "خرداد" الإيرانية، من أجل فرض سيادته على أجوائه الجوية"، موضحاً أن "العراق يجب أن يُسلح مقاومته الجوية بأسلحة متطورة واستراتيجية وألا يعتمد فقط على التسليح الأميركي، بل يجب تنويع مصادر التسليح، ونحن نؤيد التوجّه إلى دول أخرى".

وبسبب سلسلة التفجيرات المتواصلة، وقرار عبد المهدي الأخير بنقل مستودعات السلاح التابعة لكل الفصائل المسلحة إلى خارج المدن وبما لا يقل عن 20 كيلومتراً عن أقرب تجمع سكاني، فإن عمليات تغيير مواقع تلك المعسكرات والمستودعات مستمرة في العراق، منذ أيام. ووفقاً لمسؤول عسكري عراقي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن ثلاثة مقرات لفصائل مسلحة أخليت فعلاً في منطقة العويسات قرب الفلوجة، وذراع دجلة جنوبي سامراء ومقر في التاجي شمال غربي بغداد، تتبع فصائل مسلحة مختلفة بينها "كتائب حزب الله"، مؤكداً أن المقرات التي يجرى نقلها إلى مناطق أخرى "هي التي تحتوي على صواريخ ومواد خطرة فقط". وأوضح أن التوجيهات الحالية بالنسبة لفصائل "الحشد" وحتى قوات الجيش العراقي هي اعتماد التخزين الأرضي (تحت الأرض) ضمن المعايير العسكرية، وإلغاء التخزين في المستودعات السطحية بالنسبة للجيش أو فصائل "الحشد"، مقراً بأن "تلك الإجراءات تشير إلى قناعة بمرحلة ساخنة من التصعيد الصهيوني ضد العراق".

من جهته، رأى الباحث والخبير العراقي أحمد الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العراق يعاني من خللٍ كبير في منظومة الدفاع الجوي، وقد جرت أكثر من دراسة بهذا الشأن وتم وضع النتائج على مكتب رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، ولكن بطبيعة الحال، حتى لو أراد العراق أن يحصل على منظومة لحماية أجوائه فلن يحصل سوى على المنظومة الأميركية، وذلك وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن، التي تقضي بأن يكون سلاح العراق من الولايات المتحدة حصراً، ونظراً لما يمتلك العراق من معدات وأسلحة ومنظومة طيران، فلا بديل للعراق عن منظومة باتريوت الأميركية".

ولفت إلى أن "الخلل في الحصول على هذه المنظومة ليس من قِبل الولايات المتحدة، إنما من الجانب العراقي، فبإمكان حكومة عبد المهدي أن تنفذ هذا الأمر، ولكن أميركا لا تعطي هذه المنظومة لسلطة تعاني من عدم الاستقرار في حسم علاقتها بإيران، لذلك لا بد من أن تحسم الحكومة العراقية موقفها من المحاور، والوصول إلى سلطة قادرة على صنع قرارات مستقلة".