الحوار الجزائري: انقسام حول مبادرة بن صالح

الحوار الجزائري: انقسام حول مبادرة بن صالح

05 يوليو 2019
تستعدّ الجزائر لتظاهرات جديدة اليوم الجمعة (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
ألقت السلطة في الجزائر حجراً في المياه السياسية الراكدة، من شأنه فتح ثغرة في جدار الأزمة الراهنة، عبر طرح مبادرة سياسية جديدة تتعلق بتشكيل هيئة حوار وطني تتولى إدارة حوار لتنظيم انتخابات رئاسية مقبلة، وذلك بعد أربعة أشهر من الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي. وتبدو السلطة عبر هذه المبادرة، ساعية لاستباق المعارضة بخطوة جديدة، في ثالث محاولة سياسية بعد إخفاق مؤتمرها للحوار في 23 إبريل/نيسان الماضي، ومبادرة الحوار في الثامن من يونيو/حزيران الماضي. وبقدر ما تترقب قوى المعارضة السياسية كشف السلطة عن أسماء فريق الحوار، للحكم على مسألة التعامل معه، فإن السلطة ترصد المواقف المرتقبة للحراك الشعبي، في تظاهراته اليوم الجمعة، إضافة إلى مخرجات المؤتمر السياسي لقوى المعارضة المقرر غداً السبت، للكشف عن باقي التفاصيل التقنية لمبادرتها، من أسماء وأجندة زمنية للحوار، في ظل ضغط عامل الوقت وبروز مشاكل سياسية ومجتمعية من شأنها أن تخلق حالة توتر جدي في البلاد.

واستبق بن صالح التظاهرات المقررة اليوم ومؤتمر المعارضة غداً، بعرض مبادرة سياسية جديدة تتعلق بحوار غير مباشر مع المكوّنات السياسية والمدنية المعارضة. وقال بن صالح في خطاب ألقاه عشية عيد الاستقلال وعشية تاريخ الرابع من يوليو/تموز، الذي كان من المقرر أن تجري فيه انتخابات رئاسية، مساء الأربعاء، إن "الحوار ستعهد قيادته وتسييره إلى شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية من دون انتماء حزبي وتحظى بشرعية تاريخية وسياسية وأكاديمية، وليس لها أي طموح انتخابي"، مشيراً إلى أن "هيئة الحوار ستكون لها سلطة معنوية وكامل الحرية في استدعاء المكونات السياسية والمدنية والشعبية إلى الحوار، وفي مناقشة كامل القضايا المرتبطة بآليات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة".

وقدّم رئيس الدولة عرض حوار سياسي جديد لا يكون الجيش طرفاً فيه، مع تحييد كامل لمؤسسات الدولة التي "ستلتزم بأقصى درجات الحياد وستكتفي فقط بوضع كل الوسائل اللوجستية اللازمة لإنجاح هذا الحوار"، لكنه حدد مسبقاً أجندة الحوار الذي يجب أن تتمحور مخرجاته فقط حول "آليات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة وموعدها والظروف الواجب توفرها، والهيئة المستقلة التي سيعهد إليها تنظيم العملية الانتخابية ومراقبتها وكيفية تسيير هذه الهيئة وتحديد مهامها وصلاحياتها واختيار الشخصيات التوافقية التي ستديرها". على أن يعقبه إصدار قانون خاص بالهيئة المستقلة وتعديل قانون الانتخابات، وفق ما تتوصل إليه مخرجات الحوار السياسي.

في المقابل، تلافى قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، التعليق على خطة بن صالح، وتجنّب للمرة الأولى منذ بدء الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، الخوض في القضايا ذات الصلة بالوضع السياسي، عند لقائه أمس الخميس، كبار القيادات العسكرية. وفُهم من هذا التحوّل رغبة الجيش في سحب نفسه من المشهد السياسي وإتاحة الفرصة لرئيس الدولة لتنفيذ خطته السياسية وعدم التشويش عليه بأي مواقف أو تصريحات قد يفهم منها أن خطة بن صالح مصدرها الجيش.

لكن مبادرة بن صالح وتوقيتها الذي يأتي عشية تظاهرات الجمعة الـ20 من الحراك الشعبي، ومؤتمر المعارضة المقرر غداً، لا تخلو من حسابات سياسية وتكتيكية، يرى البعض أنها تستهدف محاصرة المعارضة ووضعها أمام أمر واقع ومنعها من طرح أي بدائل وخطط سياسية لحل الأزمة.



في هذا السياق، اعتبر الناشط السياسي، فاتح قرد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المبادرة السياسية الجديدة تؤشر على رغبة السلطة باستباق وضع المعارضة على طاولة مؤتمرها مبادرة أو على الأقل عناوين وخطوطاً عريضة لخطة وآلية حوار سياسي، بهدف دفع المشاركين في هذا المؤتمر المقرر غداً إلى جعل النقاش مركزاً حول خارطة الطريق التي تقترحها السلطة". وأشار إلى أن "المطلوب أيضاً من قوى المعارضة أن تبدي بعض الإيجابية، فليس كل ما يأتي من السلطة سيئاً، صحيح أنها تتصرف بالحيلة السياسية، لكن يمكن استغلال الكثير من المساحات المتاحة للتحرك فيما تطرحه".

وعلى الرغم من أن المعطى السياسي يجعل من خطة بن صالح، متضمنة لتنازلات سياسية مهمة تستجيب بنظر بعض القوى المعارضة إلى مطالبها عبر تكليف هيئة حوار مستقلة، فإن قوى المعارضة وجدت نفسها منقسمة في الموقف إزاء هذه الخطة، مع رفض كتلة منها مبدئياً مقترحاته واعتبارها تكراراً لمحاولات سياسية سابقة. وقال رئيس "جبهة العدالة والتنمية" عبدالله جاب الله في تعليق أولي على الخطاب، إن "إعلان رئيس الدولة تكليف شخصيات مستقلة لإدارة الحوار الوطني بغية الوصول إلى تنظيم انتخابات رئاسية، غير كافٍ لإخراج البلاد من أزمتها، بل وجب توفر العديد من العوامل، وهذا ما سيوفر في اجتماعنا المقرر غداً"، لافتاً إلى أن "رئيس الدولة بالأساس غير شرعي وما جاء في كلمته يعد تكراراً لخطاباته السابقة، ليس فيه أي جديد عدا ما يتصل بهيئة الانتخابات المستقلة".

كما أعلن "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أن "ما أعلن عنه بن صالح يعد مناورة سياسية جديدة، الهدف منها إعادة إنتاج النظام وانقاذه"، فيما رأت "جبهة القوى الاشتراكية" في خطة بن صالح محاولة لالتفاف على مطالب الحراك الشعبي المتعلقة برحيل رموز النظام وعلى رأسها بن صالح نفسه وبدوي.

وتبني كتلة المعارضة التي أبدت رفضها لخطة بن صالح، على تجارب سابقة قامت فيها السلطة بإسناد الحوار السياسي إلى هيئة مستقلة، كما حدث في أزمة عام 1992، عندما أسندت السلطات إدارة حوار وطني إلى شخصيات تاريخية وسياسية مستقلة، كان بينها بن صالح نفسه والقيادي في ثورة التحرير الوطني يوسف الخطيب، انتهى إلى مخرجات ندوة الوفاق الوطني بتنظيم انتخابات رئاسية عام 1995، وحلّت مشكلة الشرعية السياسية للسلطة، لكنها لم تسهم في حل الأزمة السياسية والأمنية التي كانت تعيشها البلاد في تلك الفترة الدامية.

لكن الحكم على صدقية نوايا السلطة وجديتها يرتبط أساساً بقائمة الأسماء المرشحة لتشكيل فريق الحوار، في علاقة بماضيها السياسي وعلاقتها بالمسألة الديمقراطية وبالسلطة خصوصاً في عهد الرئيس المتنحي عبد العزيز بوتفليقة. وهو ما تراه كتلة ثانية من قوى المعارضة، بينها حركة "مجتمع السلم"، التي قال نائب رئيس مكتبها التنفيذي عبد الرزاق عاشوري لـ"العربي الجديد" إن "الحركة ستلتزم بأي مبادرة تحقق إصلاحات ولا تتصادم مع مطالب الحراك الشعبي". وأشار إلى أن "وجود شخصيات وطنية على رأس الحوار قد يعزز الثقة نحو تحقيقها لنتائج إيجابية على صعيد حل الأزمة".

من جهته، أوضح رئيس حركة "البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحركة في انتظار إعلان أسماء الفريق المكلف بالحوار، وتدعو إلى الالتزام بتوفر شروط الحياد والكفاءة السياسية والمهنية والشرعية التاريخية والتوازن الذي يعكس مكوّنات المجتمع وتعلن عن استعدادها لإنجاح الحوار والمشاركة الإيجابية فيه"، لافتاً إلى أن "مضامين الخطاب إيجابية ولبّت الكثير من المطالب الواقعية والمشروعة للحراك الشعبي والتي لا تخرج عن الدستور، عن طريق حوار تقوده شخصيات كفريق يتولى مهمة الحوار غير المشروط حول مسعى الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت، وتوفير كل الشروط السياسية والقانونية والإطار التنظيمي المستقل عن الإدارة العمومية، من أجل تحقيق مطلب الشعب ومختلف القوى الوطنية في إجراء انتخابات حرة وشفافة وفق معايير دولية".


المساهمون