قصة لجوء القرن.. ما بعد الإفلات من القتل

قصة لجوء القرن.. ما بعد الإفلات من القتل

04 أكتوبر 2015
حنين إلى الوطن في لحظات راحة مؤقتة(العربي الجديد)
+ الخط -
يشير تقرير الشبكة الأوروبية لعديمي الجنسية إلى أن مئات الآلاف من السوريين الذين نزحوا عن ديارهم فقدوا أوراقهم في الحرب، ما يعني عدم مقدرتهم على تأكيد حالات الزواج وتسجيل الأطفال وفق قوانين الدول الأوروبية. وفي هذا المجال، أيضاً، تشير لورا فان واس إلى أن اختفاء أو مقتل الآلاف من الآباء السوريين، الذين يمنحون أطفالهم جنسية بلدهم، يفاقم المشكلة بالنسبة للجيل المولود قبل وبعد فقدان الآباء لأن القوانين السورية لا تعطي الوالدة الحق بمنح جنسيتها السورية لأطفالها.
لذا دعت (ESA) الشبكة الأوروبية لعديمي الجنسية جميع الدول الأوروبية إلى إغلاق أيّ ثغرات تجعل من الأطفال الذين يولدون على أراضيها يصبحون من عديمي الجنسية. وعلى الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية صدقت على المعاهدة الدولية لحقوق عديمي الجنسية في الأمم المتحدة والتي تعطي من يولدون كمعدومي جنسية حق التجنس في البلد الذي ولدوا فيه إلا أن نصف الدول الأوروبية لا تطبق المعاهدة عملياً.
كان أسامة عبدالمحسن يحمل ابنه زيد البالغ من العمر ثمانية أعوام، عندما عرقلته مصورة مجرية، أثناء ركضه في حقل مفتوح بالقرب من الحدود المجرية. مقطع الفيديو للحادثة أثار غضباً دولياً وتسبب في طرد المصورة من الشبكة التي تعمل لمصلحتها.
الدافع الأساس الذي قاد أسامة عبدالمحسن إلى الهجرة ومعه ابنه البالغ من العمر ثمانية أعوام، ذاته الدافع الذي قاد عدداً كبيراً من الآباء أن يتخذوا قرار الهجرة في قوارب الموت ومعهم فلذات أكبادهم.

طفولة منتهكة
أقرت اللجنة الاجتماعية والإنسانية والتعاونية للجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر1959 الإعلان العالمي لحقوق الطفل. وقد نصت ديباجته على تمكين الطفل من التمتع بطفولة سعيدة ينعم فيها بحقوقه وحريته الطبيعية، ودعت من جانب آخر الآباء والأمهات والرجال والنساء والمنظمات الطوعية والسلطات المحلية والحكومات القومية إلى الاعتراف بهذه الحقوق والسعي لضمان مراعاتها بتدابير تشريعية وغير تشريعية تتخذ تدريجياً ووفقاً للمبادئ العشرة التي جاء بها الإعلان.
وخلال الذكرى السنوية الثلاثين لإعلان حقوق الطفل في 20/11/1989، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة" اتفاقية حقوق الطفل" التي أعدت مشروعها لجنة حقوق الإنسان، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 2/9/1990.
ولكن تبقى هذه الاتفاقيات مجرد حبر على ورق ولا تأخذ قوة التنفيذ، وقد تابع العالم كله صور أطفال سوريين في تركيا يقومون بأعمال مهنية مختلفة، ناهيك عن استغلال الأطفال وقيامهم بأعمال لا يقدرون عليها في سبيل مساعدة أهلهم، ففي تقرير "سي أن أن" العربية في تاريخ 3 ديسمبر 2014 ذكرت أن أكثر من مائة ألف طفل يعيشون في مدينة إسطنبول فقط، والطفل عيسى واحد من هؤلاء الأطفال حيث افترش الأرض ويجني ما يقارب 10 دولارات يومياً من عزفه على آلة الفلوت، وهو يعلم أن التسول في إسطنبول غير قانوني ويهرب بمجرد رؤية الشرطة التركية، وقد صادرت الشرطة فلوت عيسى وأنفق في اليوم الثاني نصف ما كسبه لشراء آخر جديد. أما في لبنان فانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مشهد طفل لبناني يدفعه أهله إلى ضرب وإهانة طفل سوري، وأثار سخطاً كبيراً آنذاك، وظهرت مقاطع عديدة لأطفال سوريين يعملون في الأردن وتركيا ولبنان.

الفوبيا تؤثر على النمو النفسي للطفل المهاجر
من ينجو من هؤلاء الأطفال يعاني من أزمات نفسية ويتأثر نموه النفسي ويحتاج لمعالجة حالة الخوف التي تولدت عنده، وقد ركز علماء النفس على الخوف باعتباره أكثر الآثار السلبية للهجرة غير الشرعية، الخوف المزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع الهجرة، مثل أمواج البحر وتنقلهم من الشاطئ بصحبة المهربين المسلحين الذين غالبا ما يتعاملون مع المهاجرين بقسوة، ناهيك عن حالة الحرب التي كان يعيشها الطفل والتي، أيضاً، تعزز حالة الخوف من ظواهر عديدة كصفارات الإنذار، وصوت الطائرات، الجنود.... إلخ؛ يقابلها غالباً الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.
ويذهب علماء النفس إلى أن مشاهد القتل والدمار التي تخلفها الحرب ورحلة الطفل المتواصلة والمحفوفة بالمخاطر قد تؤثر على قدراته العقلية. وتتسبب في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة مثل الحركات اللاإرادية، وقلة الشهية، والابتعاد عن الناس، والميل للتشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض المواقف.
الطفل حمزة الواصل مع والده إلى النرويج والبالغ من العمر 10 سنوات يتحدث عن رحلته من شواطئ ليبيا إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، ويصف الموج العالي الذي كاد يقلب مركبهم المتهالك، وكان متعلقاً بوالده خوفاً من الغرق، وكان يناجي الله أن يوصلهم البر، هو اليوم يخاف من صوت الرعد وصوت الأمطار الشديدة، ويقول والد حمزة بعد وصولهم النرويج بشهر كان حمزة يستيقظ خائفاً ويصرخ : سنغرق سنغرق. اليوم حمزة يتابع دراسته ولديه عدد لابأس به من الأصدقاء ويتمنى أن يحل السلام في سورية كي يلتقي أبناء عمومته وأصدقاءه.
الطفلة سمر، وعمرها ثلاث عشرة سنة، وصلت منذ حوالي شهرين السويد مع خالتها، حيث تركت والديها في الشام، هي تساعد خالتها في تقديم أوراق لم شمل العائلة التي تفتقدها كثيراً، وتصف سمر المعاملة السيئة للمهربين في مدينة زوارة الليبية إذ كانوا يهينون كرامة الناس، ويحملون في أيديهم البنادق ويتلفظون ألفاظاً نابية. كما تعبر خالتها عن حالة الخوف التي تنتاب سمر عند رؤيتها الشرطة في مدينة مالمو السويدية، وقد عانت كثيراً في تقديم الأوراق في مركز الهجرة، فهي تخاف من الشرطة لموقف رأته في سورية عندما اعتدت قوات حفظ النظام على والدها وضربوه بالعصي وأخمص البندقية.

سوريون في بريطانيا

شهد هذا العام هجرة جماعية مروّعة، حرّكت العالم بأسره، وهبّت حكومات الدول الأوروبية تصدر القرارات وتضع برامج استقبال تلك الأعداد الهائلة من البشر الذين شرّدتهم الحرب، خصوصاً في سورية. كان للأطفال نصيب كبير في تلك الأزمة الإنسانية واضطرّ الآلاف منهم إلى المخاطرة وحدهم للوصول إلى دولة أوروبية بعد أن توفي ذووهم ولم يبق لهم أحد يرعاهم أو وضعهم أهلهم على قوارب قد تموج بهم إلى حياة جديدة أو ترميهم في قاع البحار.
تحدّث "العربي الجديد" إلى جيما بيركن، مديرة الأخبار في منظمة "أنقذوا الأطفال" عن أوضاع هؤلاء ومصيرهم بعد وصولهم بريطانيا. قالت بيركن: "إنّ المنظمة ترحب بقرار ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الذي أعلن عن استقبال 20 ألف لاجئ سوري، لكنّها ترى أنّه ينبغي أن تتحمّل عبء إعادة توطين الأطفال، الذين يدخلون البلاد من دون عائلاتهم أو أي مرافق لهم، مع بقيّة أعضاء دول الاتحاد الأوروبي، وأن توليهم الأولوية من دون أن يشكّل ذلك عامل جذب لهم للمخاطرة بحياتهم.

البرازيل أيضاً
اتّخذت الحكومة البرازيلية قراراً في عام 2013، شرّعت بموجبه أبوابها أمام اللاجئين السوريين والفلسطينيين لمدّة سنتين، تنتهي المهلة في أيلول من عام 2015. بموجب هذا القرار، تفاوتت تسهيلات الحصول على تأشيرات الدخول الإنسانية بحسب البلد التي يتواجد فيها طالبو اللجوء.
على أساس هذه التأشيرات، يستطيع اللاجئ بعد فترة تتراوح ما بين (6) أشهر، وعام كامل، الحصول على الإقامة لمدّة سنتين ونصف كمرحلة أولى. الأعداد التي وصلت لم تكن كبيرة، وهي بحسب "كوناري" (وهي الجهة الرسمية المخولة بالتعامل مع اللاجئين) لم تتجاوز (20) ألفاً.
في نهاية المهلة، ناقش "كوناري" وضع اللاجئين من جديد مع جهات عدة، منها أبناء الجالية السورية في مسجد براس مثلاً، وقد تقرّر في المحصلة تمديد العمل بمنح التأشيرات عامين إضافيين.

(شارك في الملف: ناصر السهلي/محمد بيطاري- إسبانيا/كاتيا يوسف- لندن/ ابتسام عازم- نيويورك/بيان شمس- البرازيل/أحمد حسين-إيطاليا)

المساهمون