سماسرة التصاريح... تنسيق مدني يتجاوز السلطة الفلسطينية

سماسرة التصاريح... تنسيق مدني يتجاوز السلطة الفلسطينية عبر الرشاوى

26 سبتمبر 2017
تجار ينتظرون على معبر بيت حانون في غزة(العربي الجديد)
+ الخط -
يتفاخر الثلاثيني محمد إبراهيم تاجر المواد الغذائية في مدينة سلفيت شمالي الضفة الغربية أمام نظرائه، بعلاقاته المتميزة مع سمسار من بلدة حزما شرقي القدس المحتلة، يستصدر من خلاله تصاريح دخول إلى الأراضي المحتلة عام 48 لإنجاز معاملاته التجارية، في مقابل 1500 شيكل (426 دولارا أميركيا) لكل تصريح من "فئة تجار" بعد أن مل الإجراءات الطويلة لاستصداره عبر غرفة صناعة وتجارة محافظة رام الله والبيرة والتي سبق له أن تقدم إليها بطلب للحصول على تصريح ورفعته بدورها إلى الهيئة العامة للشؤون المدنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية والتي تتواصل من جهتها مع مديرية التنسيق والارتباط في الإدارة المدنية الإسرائيلية (الارتباط الإسرائيلي)، في دورة من العمل تستغرق قرابة الشهر، من أجل أن يحصل على رد بالموافقة أو الرفض أو ربما لا يأتيه الرد مطلقا، في حين لا تزيد فترة انتظاره عن أسبوع يحصل في نهايته على تصريحه عبر السمسار.
 
 
 

البحث عن تصريح

قبل عام 2014 كانت جميع أنواع التصاريح اللازمة لتجار في الضفة الغربية وقطاع غزة تصدر عبر الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية المخولة بالتواصل مع الجانب "الإسرائيلي" بناء على الملحق المدني الخاص باتفاقية أوسلو الموقعة ما بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال في 13 سبتمبر/أيلول من عام 1993، في حين اختلفت الأمور مع نهاية عام 2014، "إذ رصدت الهيئة التفاف تجار فلسطينيين على إجراءاتها عبر الحصول على التصاريح مباشرة من "الارتباط الإسرائيلي" أو عبر السماسرة، بحسب إفادة مدير العلاقات العامة والإعلام في هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية وليد وهدان.

وتتنوع التصاريح ما بين تلك المخصصة للتجار، وأخرى للعمال، والعلاج، وتصاريح "جدار" لأهل القرى التي شطرها الجدار، بحيث يتنقلون من خلالها عبر بوابات، وتصاريح "احتياجات شخصية" مثل الأعراس وزيارة الأقارب من الدرجة الأولى، وتصاريح "BMC" المخصصة لرجال الأعمال، وأفضلها في الضفة تصريح يطلق عليه "00" ويعني ساعات دخول وخروج عبر الحواجز غير محددة، بعكس باقي الأنواع التي يتم فيها تقييد صاحب التصريح بساعات دخول وخروج تبدأ من 8 صباحا حتى 4 مساء، ولا تزيد المدة الزمنية، لتصاريح غزة عن 90 يوما، بينما تصل في الضفة إلى عام، كما شرح وهدان لـ"العربي الجديد".

وتصدر هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية التصاريح بكافة أشكالها بصورة مجانية، بينما تتقاضى الغرف التجارية في الضفة الغربية رسوما رمزية لا تزيد عن 10 دنانير أردنية "14 دولارا أميركيا" مقابل كل طلب تصريح يقدمه التجار اليها إذ تتولى إرساله إلى الهيئة واستلام الرد منها، بحسب ياسمين أحمد مسؤولة قسم التصاريح في الغرفة التجارية برام الله والبيرة.



التصاريح في مقابل الرشاوى


يخترق سماسرة إسرائيليون وعرب التجار الفلسطينيين عبر إصدار تصاريح " تجار" مختلفة الأنواع، أو تخليص جمركي في الموانئ الإسرائيلية في مقابل الرشاوى، وتنقسم الرشاوى إلى 3 أنواع ويحدد السمسار قيمة الرشوة وطريقة الدفع والتي تتراوح ما بين 1500 شيكل (426 دولارا) و30000 شيكل (8500 دولار) بحسب نوع التصريح المطلوب، وفقا لما وثقه معدا التحقيق عبر إفادات 10 تجار من بينهم خالد عمر تاجر مواد غذائية من شمال الضفة، والذي تقدم عبر هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية ثلاث مرات بطلب الحصول على تصريح لكن "الارتباط الإسرائيلي" رفضه دون سبب في المرات الثلاث، ما دعاه إلى اللجوء إلى سمسار عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية دفع له 20 ألف شيكل (5687 دولارا)، حصل في مقابلها على تصريح تاجر لمدة شهر بعد 3 أيام، استغله في تخليص بضاعته من المعلبات المستوردة من الصين بعد أن ظلت عالقة لشهر في ميناء أسدود الإسرائيلي.

والنوع الثاني من الرشاوى بحسب التاجرين رامي زيدان ومحمد إبراهيم، يتقاسمها التاجر الفلسطيني مع شريك يهودي، يتوجه إلى الجهات "الإسرائيلية" المخولة بإصدار التصريح ويتقاسم التاجران قيمة الرشوة التي تدفع لتلك الجهات حسب درجة استفادة كل منهما، بينما ظهر نوع جديد من التصاريح التجارية في عام 2016، يستصدره مقاولون إسرائيليون، لحرفيين من غزة، يعملون في قطاع البناء، بحسب ما أكده مصدر مطلع في هيئة الشؤون المدنية في غزة (رفض كشف هويته لكونه غير مخول بالحديث)، ويطابق ما قاله المصدر ما رصده معد التحقيق في غزة على معبر بيت حانون شمال القطاع، إذ وثق قدوم فلسطينيين من الداخل المحتل، يعملون في مجال البناء، من بينهم سامي عبد الحميد، والذي يمتلك تصريح تاجر، حصل عليه بمساعدة مقاول إسرائيلي، يحتاجه للعمل معه.

وثمة نوع ثالث من رشاوى التصاريح، ظهر حديثا ووصل حد الإعلان في الصحف، عبر مكاتب علنية يديرها إسرائيليون، على غرار إعلان نشرته صحيفة فلسطينية روج لافتتاح "مكتب لتنسيق الأعمال والمعاملات في السلطات الإسرائيلية، سلطة الجمارك والموانئ وجميع الدوائر الحكومية" كما جاء بالإعلان الذي وضع المعلن به رقم هاتفه واعدا بخدمة سرية وأمينة.

تواصل معد التحقيق في الضفة الغربية، مع السمسار الذي عرف نفسه بسليمان، قائلا إنه يعمل مخلصا جمركيا بمكتب للبضائع التي تصل إلى الموانئ "الإسرائيلية". وأبدى سليمان رفضه بداية الأمر لإنجاز التصاريح، وعاد وتراجع قائلا "إنه عمل صعب تصل كلفته إلى أكثر من 30 ألف شيكل، يدفعه إلى أشخاص يعملون في جهات حكومية إسرائيلية"، مبديا استعداده للتعاون في هذا الأمر، بعد لقاء مع المتصل في مدينة تل أبيب، يتم خلاله الاتفاق على التفاصيل.
 
 
 

اتهامات وردود

يتهم تجار فلسطينيون الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية بإهمال طلبات تصاريحهم، وعدم إرسالها للارتباط الإسرائيلي ما يدفعهم، للتعامل مباشرة معه عبر السماسرة، من بينهم مجدي ناصر الذي يعمل في تجارة مواد البناء وأبو محمد مستورد للقرطاسية في الضفة الغربية، لكن مدير العلاقات العامة والإعلام في الشؤون المدنية الفلسطينية، ينفي اتهامات التجار محملا الإسرائيليين المسؤولية، إذ لا يردون على بعض التصاريح.

وبلغت نسبة التجار الفلسطينيين الذين لم يرد الجانب الإسرائيلي على طلبات تصاريحهم منذ بداية العام 15% توازي 1125 تصريحاً من إجمالي العدد الكلي للطلبات المقدمة حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، فيما بلغ مجموع موافقات التصاريح الممنوحة من سلطة الاحتلال إلى سكان قطاع غزة عبر معبر بيت حانون 12746 تصريحا للتجار و21285 تصريحا للمواطنين في عام 2016، بينما بلغت موافقات التصاريح للمواطنين منذ بداية العام الجاري حتى نهاية آب أغسطس الماضي 5642 تصريحا للمواطنين، و2841 تصريحا للتجار، كما بلغ عدد معاملات استصدار "التصاريح" في الضفة 42.570 تصريحا للمواطنين، و25.492 للتجارا خلال عام 2016، وتمت الموافقة خلال النصف الأول من عام 2017، على 5.035 تصريحا للمواطنين، و2.532 تصريحا للتجار، وهو ما يظهر تراجع عدد التصاريح الممنوحة من الهيئة في النصف الأول من عام في عام 2017 مقارنة بذات الفترة في العام الماضي، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر الموقع الإلكتروني للهيئة العامة للشؤون المدنية، فيما زاد عدد التصاريح الممنوحة عبر سماسرة ووسطاء، بحسب ما أكده وكيل وزارة العمل ناصر قطامي ووليد وهدان.
 
 
 

تطبيع ممنهج

يسعى الاحتلال منذ عامين إلى تجاوز هيئة الشؤون المدنية، عبر إقامة علاقات تطبيعية مع التجار الفلسطينيين، وخلق جسم مواز، عبر مكاتب الارتباط أو السماسرة، كما يقول وليد وهدان، وهو ما يتم عبر تغييب السلطة الفلسطينية في الضفة، وإعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل عام 1994، عبر تطبيع العلاقات التجارية بين سكان الضفة وضباط الارتباط في الإدارة المدنية الإسرائيلية مباشرة، دون المرور على هيئة الشؤون المدنية بحسب ما رصده عدنان أبو عامر رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة الأمة في غزة وهو ما وافقه فيه الخبير الأمني إبراهيم حبيب نائب عميد كلية الشرطة في غزة، ويؤكد الخبيران في الشؤون الإسرائيلية أن صفحة "المنسق" الجنرال يؤاف مردخاي رئيس مكتب الحكومة الإسرائيلية في المناطق، تعد آلية للتواصل مع الفلسطينيين وهو ما يدخل ضمن خطة وزير الأمن أفيغدور ليبرمان الجديدة، تجاه مدن وقرى الضفة الغربية؛ والتي تقوم على التعامل مباشرة بين الصهاينة والفلسطينيين عبر الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي برئاسة يوآف مردخاي وفق ما كشفته القناة العاشرة "الإسرائيلية" في يوليو/تموز من عام 2016.

وتقسم خطة ليبرمان الضفة الغربية إلى مناطق ساخنة وباردة، ويقصد بالساخنة تلك التي يخرج منها منفذو عمليات فدائية، وتتم معاقبة سكانها وفقا لسياسيات الإغلاق والعقاب الجماعي، كما يقول أبو عامر، ويكمل حبيب أن المناطق الباردة هي الهادئة أمنياً، والتي ستشهد حرية حركة، وتسهيلات اقتصادية.

ووفق القناة العاشرة الإسرائيلية فإن منسّق أعمال الحكومة الإسرائيلية يحرص على التواصل مع شخصيات فلسطينية وفقا لتوجيهات ليبرمان الذي أكد على التواصل مع الفلسطينيين مباشرة وليس عبر "المقاطعة" رئاسة السلطة، وهو ما يعتبره الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني بسام الصالحي تجاوزا للسلطة، في مناورة تهدف إلى استعادة دور الإدارة المدنية في السيطرة المباشرة على الضفة.