ماراثون الفحم.. حل أزمة الطاقة يصيب مصريين بالأمراض الصدرية

ماراثون الفحم.. حل أزمة الطاقة يصيب مصريين بالأمراض الصدرية

الإسكندرية

نبيل عمرو

avata
نبيل عمرو
22 فبراير 2016
+ الخط -
سُعال مستمر، يعقبه زُلال من الفم يسيل على الصدر، ممتزج بغبار تم استنشاقه مسبقاً بعدما اختلط بالهواء، هذه كانت بوادر أزمة صدرية، استوجبت ذهاب الطفل أحمد سيد إلى المستشفى وتوقيع الكشف الطبي عليه، بعد معاناته والعشرات من الأطفال والبالغين في منطقة أم زغيو، في محافظة الإسكندرية، التي تبعد عن ميناء الدخيلة البحري 10 كيلومترات، من أزمات صدرية وضيق في التنفس، جعلهم ضيوفاً دائمين على الأطباء والمستشفيات.

يؤكد والد الطفل أن نجله أصبح دائم التعاطي للعقاقير التي تعالج حساسية الصدر، بسبب تلوث الهواء المحيط بمنطقة أم زغيو، بعدما استأجرت إحدى الشركات (يحتفظ العربي الجديد باسمها) العاملة في الاستيراد، قطعة أرض بلغت مساحتها 20 ألف متر مربع وحولتها إلى مخازن لتشوين الفحم المستخدم في صناعة الإسمنت.

اقرأ أيضا: مصر.. الإعلام يخفي الرتبة العسكرية لجنرال مدان بالارتشاء

المرض من المخازن للمصانع

يجزم الدكتور هشام الشريف، أخصائي حساسية الصدر، والذي وقع الكشف الطبي على عدد من أهالي (أطفال، بالغين) مصابين بأمراض صدرية وضيق في الشعب الهوائية، بأن الحالات التي قام بمناظرتها تقطن في مناطق ترتفع بها نسبة الأتربة الصدرية القابلة للاستنشاق بأضعاف المعدل الطبيعي.

يقول الشريف، لـ"العربي الجديد"، إن المستشفى التي يعمل فيها، تتردد عليها عشرات الحالات من منطقة أم زغيو، وخاصة الأطفال، لتوقيع الكشف الطبي عليهم، وغالبية الحالات تكون مصابة بحساسية الصدر.

يضيف الشريف أنه، ومن خلال تشخيص الحالات، وجد أنهم يستنشقون هواء محملاً بغبار، وهو ما يؤدي إلى ضيق في التنفس ومشاكل في عملية الشهيق والزفير وسعال مستمر، مؤكداً على أنه في حالة استمرار الحالات المرضية في السكن بجوار مناطق تنبعث منها أتربة تتسلل إلى الهواء، من الممكن أن يصابوا بتحجر رئوي وهنا تحدث الكارثة.



تقارير حكومية

حصلت "العربي الجديد" على تقرير فني صادر عن الإدارة المركزية لشؤون البيئة في الإسكندرية، للتفتيش على أحد الشركات، التي تعمل في تخزين الفحم والكلنكر في منطقة أم زغيو. وأثبت التقرير الصادر من جهاز شؤون البيئة في الإسكندرية زيادة نسبة الأتربة الصدرية القابلة للاستنشاق "pm10" لتتخطى الحد المسموح به بثلاثة أضعاف.

وذكر التقرير غير المنشور، أن القياس الفني للهواء داخل ساحة التخزين، يشير إلى ارتفاع الأتربة الصدرية القابلة للاستنشاق إلى 9.7 مليغرامات/متر3 في حين أن الحدود المسموح بها 3 مليغرامات/متر3 طبقاً للملحق رقم 8 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 4 لسنة 1994 والمعدلة بالقانون 9 لسنة 2009. وأشار التقرير إلى عدم حصول صاحب المخزن على ترخيص من جهاز البيئة بمزاولة النشاط، وعدم امتلاك دراسة تقييم أثر بيئي.

اقرأ أيضا: مصر.. لقاحات الحصبة تصيب أطفالاً بالالتهاب الدماغي

استيراد الفحم

يوثق هذا التحقيق عملية تخزين الفحم واستخدامه في أحد مصانع الإسمنت، بالمخالفة لقرار مجلس الوزراء رقم 964 لسنة 2015 ولائحته التنفيذية لاستيراد واستخدام وتخزين الفحم والمنشورة في الوقائع المصرية، بتاريخ 19 أبريل/نيسان 2015، مما أدى إلى مرض المواطنين.

وبحسب وزارة التجارة والصناعة، فإن مصر تستورد الفحم منذ عشرات السنين، لاستخدامه في صناعات الكوك، الحديد والصلب، الكيماويات، الألمنيوم، وبلغ ما يتم استيراده سنوياً من الفحم، وقبل قرار الحكومة في أبريل/نيسان 2014 بالسماح للشركات باستيراد الفحم 2.5 مليونَي طن تأتي غالبيتها من ميناء الدخيلة في الإسكندرية، غير أن عملية استيراد الفحم قد تزايدت مؤخراً من قبل مصانع الإسمنت لإحلاله محل الغاز الطبيعي، إذ إن أسعار الفحم أرخص من الغاز كما يقول هيثم شعراوي، مدير علاقات المستثمرين في الشركة العربية للإسمنت.

وكانت وزارة البترول قد حذرت في تقرير، صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، من أزمة في توفير الغاز لقطاع الاستثمار، وقدم التقرير مقارنة بين سعر الغاز والفحم، وأوصى باستخدام الفحم في الصناعة لتوفير الغاز.

اقرأ أيضا: تفاصيل سقوط مروحية الجيش المصري.. العطل الفني عاد للواجهة



90 % من خطوط الإنتاج استبدلت الغاز بالفحم

يؤكد أحمد الزيني، رئيس غرفة مواد البناء في الاتحاد العام للغرف التجارية، أنه بحلول شهر مارس/آذار من عام 2016، فإن 90 % من خطوط إنتاج الإسمنت في المصانع ستكتمل عملية تحويلها إلى العمل بالفحم كبديل للغاز. وأوضح أن عمل خطوط إنتاج مصانع الإسمنت بالفحم كبديل للغاز الطبيعي يوفر ما قيمته 40 جنيهاً في كل طن إسمنت منتج لصالح المصانع.

وقال الزيني، لـ"العربي الجديد"، أن تحويل عمل مصانع الإسمنت من الغاز الطبيعي إلى الفحم أصبح أمراً حتمياً، بعد موافقة الدولة على ذلك والسماح للشركات باستيراده، مطالباً وزارة البيئة بتشديد الرقابة والتفتيش على مخازن تشوين الفحم، وشركات الإسمنت لضمان تقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة وبصحة الإنسان.

ويتفق هيثم شعراوي، مدير العلاقات العامة لشركة العربية للإسمنت، مع الرأي السابق، ويؤكد على أن شركته تستورد الفحم من الخارج عن طريق ميناء الدخيلة في محافظة الإسكندرية، قائلا : "400 ألف طن من الفحم هو ما يتم استيراده كاحتياجات الشركة في الوقت الحالي لإنتاج 3 ملايين طن إسمنت من إجمالي إنتاج الشركة ككل والبالغ 4 ملايين و200 ألف طن".

وأوضح شعراوي أن العربية للإسمنت تقوم باستيراد الفحم من خلال الشركة نفسها، أو من خلال وسطاء يعملون في استيراد الفحم من الخارج. ولفت إلى أن الشركة تلتزم بالاشتراطات البيئية لتقليل الانبعاثات الضارة، من خلال تغطية جميع خطوط الإنتاج وتركيب فلاتر لتقليل الانبعاثات، ونقل الفحم من الميناء أو المخازن مغطى حتى لا يتسبب تطاير للغبار في أزمة صحية وبيئية للعامة، بينما قال أحمد الميقاتي، رئيس مجلس إدارة شركة جنوب الوادي للإسمنت، إن شركته تعمل على التحول من العمل بالغاز الطبيعي إلى العمل بالفحم.

ويؤكد أن مندوبي وزارة البيئة ألزموا الشركات التي تقوم بالتحويل بضرورة تغطية الأماكن التي يتم تخزين الفحم فيها، ونقلها من الموانئ إلى المصانع داخل حاويات أو أكياس كبيرة مخصصة لذلك، علاوة على تغطية خطوط الإنتاج. وأضاف الميقاتي أن وزارة البيئة ألزمت الشركات، التي تستخدم الفحم في الصناعة، بأن تقوم بتركيب فلاتر خاصة بتقليل الانبعاثات الضارة بالبيئة.

غير أن الثلاثينية المصرية، أم خالد، ترفض تصديق ما يثار حول التزام الشركات بالاشتراطات البيئية، إذ وضعت مولودها مبكرا لإصابتها بالتهاب رئوي مزمن، جعلها لا تقوى على التنفس وإيصال الأكسجين لها ولطفلها، جراء سكنها بجوار مصنع للصلب يستخدم الفحم في القليوبية، مما نتج عنه انبعاثات دخانية كثيفة تدخل إلى مسكن الأسرة، الذي يبعد 20 متراً عن المصنع.

بحسب إحصاءات موثقة، فإن مصر بها 25 شركة لإنتاج الإسمنت تنتج 52 مليون طن من الإسمنت سنوياً، وبحسب ما ذكر متعاملون في قطاع الإسمنت، بأن الشركة التي تنتج 3 ملايين طن إسمنت تحتاج سنوياً إلى 400 ألف طن فحم، فإن إنتاج 52 مليون طن من الإسمنت يحتاج إلى 7 ملايين طن من الفحم سنوياً، بخلاف الصناعات الأخرى التي تتجه إلى التشغيل بالفحم.



اقرأ أيضا:
أحمد موسى.. رجل السيسي المجنون

مواجهة مع البيئة

"سنقوم بالتفتيش مرة أخرى"، تحمل السطور السابقة رد هدى إبراهيم محمد، رئيسة الإدارة المركزية لجهاز شؤون البيئة في الإسكندرية "بعد عرض ما بحوزتنا من تقارير بيئية صادرة عن الإدارة، تكشف مخالفات في التخزين وتلوثاً في الهواء بسبب استيراد الفحم في أم زغيو في الإسكندرية".

وتؤكد هدى صحة التقرير حتى أنها ذهبت إلى أنها هي من قامت بتشكيل لجنة للتفتيش الفني على المنشآت المخالفة. وأشارت إلى أن دور البيئة يقتصر على تحرير محاضر بالمخالفات والقياسات، التي تقوم بإعدادها من خلال التفتيش، علاوة على إبلاغ الجهات الحكومية الإدارية التابعة لها المخالفات مثل المحافظات. وتضيف أن الجهات الإدارية تقوم بإنذار المخالف 60 يوماً لتوفيق أوضاعه، وأن من لم يقم بتوفيق وضعه، تسعى الإدارة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاهه.

وتقول هدى إنه، في حالة قيام اللجنة الفنية المشكّلة من قبل البيئة بالتفتيش مرة أخرى على المنشأة، ووجدت أنها لم توفق أوضاعها، وتكرر هذا الأمر، تقوم بإبلاغ السلطات المختصة لتصدر قرار غلق للمنشأة من خلال وزير البيئة.

وحين أبلغها معد التحقيق بأن مخالفات تخزين الفحم والكلنكر، في منطقة أم زغيو في محافظة الإسكندرية، ما زالت قائمة منذ 2013 على الرغم من تحرير محاضر وتفتيش من قبل البيئة، كان الرد بأنها ستقوم بالتفتيش مرة أخرى.



اقرأ أيضا: بطولات السيسي الوهمية.. صناعة المجد الزائف

النص القانوني

ينص قرار رئيس الجمهورية رقم 105 لسنة 2015 على تعديل قانون البيئة بالقانون رقم 4 لسنة 1994، على عقوبة الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه، ولا تزيد عن ثلاثة ملايين جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من خالف أحكام الفقرة 40 مكرر من هذا القانون، (الخاصة بالفحم وتخزينه وتداوله واستخدامه)، وفي حالة العودة تقضي المحكمة بالعقوبتين معاً، وفي جميع الأحوال تقضي المحكمة بمصادرة الفحم المضبوط والآلات والمعدات ووسائل النقل التي استخدمت في ارتكاب الجريمة، وإزالة أسباب المخالفة في المدة التي تحددها الإدارة المختصة إلا إذا قام بإزالتها على نفقته، وللمحكمة، فضلاً عما تقدم أن تقضي بوقف النشاط أو غلق المنشاة أو إلغاء الترخيص، وهو ما لم يحدث في الحالة الموثقة بالتحقيق.

دلالات