الجامعات البريطانية: ضدّ الكولونيالية على استحياء

الجامعات البريطانية: ضدّ الكولونيالية على استحياء

07 مارس 2020
لم تخرج الجامعات البريطانية من مكوّنها الاستعماري (Getty)
+ الخط -

لا يزال التاريخ الكولونيالي حاضراً في الذاكرة البريطانية رغم مرور عقودٍ على خروج بريطانيا من "مستعمراتها" في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي. ولا تُعدّ الجامعات البريطانية استثناءً في هذا المجال، رغم عدم تسليط ما يكفي من الاهتمام لدراسة الروابط بين الجامعات البريطانية والكولونيالية في بريطانيا ماضياً وحاضراً.

كان الجدل الدائر حول دور الجامعات البريطانية في دعم الكولونيالية، والاستفادة منها أيضاً، قد أصبح محطّ جدل في السنوات القليلة الماضية، وخاصة مع تصاعد الحملات الطلّابية المطالبة بتصحيح هذا الإرث الاستعماري، بينما نالت الروابط الأكاديمية بالعبودية قسطاً من الاهتمام أخيراً؛ حيث أعلنت جامعة كامبردج العام الماضي عن دراسة شاملة لتاريخ علاقتها بالعبودية، وتبعها في ذلك عدد من الجامعات البريطانية الأخرى، وسط دعوات إلى دفع تعويضات لأبناء المجتمعات المتضرّرة.

كما كانت جامعة أوكسفورد قد أقرّت دراسةً لمساهمتها في دعم الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية، بعد الجدل الذي دار حول تمثال سيسيل رودس. ويُعد رودس أحد أعمدة الاستعمار البريطاني لجنوب أفريقيا، وربطته علاقات مالية بكلية أورييل في جامعة أوكسفورد. وكانت حملة طلابية انطلقت من جنوب أفريقيا وصلت إلى أوكسفورد مطالبةً بإزالة التمثال من الجامعة البريطانية.

إلّا أنّ هذه الجهود الرامية لمواجهة الإرث الكولونيالي لا تزال في بدايتها، ولا تحظى بالاهتمام المطلوب من المؤسّسات الأكاديمية.

ولا تقتصر روابط الجامعات البريطانية بالإرث الكولونيالي على الجانب المادي، رغم أنها استفادت مادياً من التبرُّعات الآتية من أفراد ومؤسّسات لها علاقة مباشرة بالاستعمار البريطاني؛ فقد وفّرت الجامعات البريطانية عبر القرون دوراً في تشريع الفكر الكولونيالي ودعم الإمبراطورية وأدواتها القمعية. وهذه الأفكار وإن خبت مع العقود، إلّا أنَّ آثارها لا تزال حاضرةً من خلال التمييز ضد أبناء البشرة الداكنة كمثال، أو من خلال الدفاع عن الإرث الاستعماري البريطاني في المناهج التدريسية كمثال آخر.

في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول إليانور نيوبيغين، الباحثة والأكاديمية في "كلّية الدراسات الشرقية والأفريقية"، المعروفة اختصاراً باسم "سواس"، إنَّ "العلاقة بين الجامعات والاستعمار ليست شبيهة كلياً بعلاقة الجامعات بالعبودية؛ حيث إنَّ الأخيرة يُمكن قياسها مادياً، ودفع التعويضات المناسبة في مرحلة ما".

إليانور نيوبيغينوتضيف نيوبيغين، المتخصّصة في التاريخ الاستعماري البريطاني في الهند: "توجد عدّة أوجه يمكن من خلالها دراسة العلاقة بين الكولونيالية والجامعات البريطانية. ويتركّز أحدها في صعود الدراسات الإسلامية في الجامعات البريطانية، والتي هيمنت عليها في بداياتها الدراساتُ التاريخية، إضافةً إلى أنَّ القرن التاسع عشر شهد نقل مجموعات من المؤلّفات والمخطوطات في الشرق الأوسط إلى الجامعات في بريطانيا".

ويُقصد بـ "الدراسات الإسلامية" المجالات التي تتعلّق بالعالم الإسلامي، والذي تحوّل في القرن التاسع عشر إلى هدف للقوى الاستعمارية المتنافسة عليه، ولم يكن البحث العلمي منفصلاً عن الغزو الاستعماري الأوروبي، حيث إن حملة نابليون بونابرت على مصر في نهاية القرن الثامن عشر، والتي افتتحت سباق التنافس الاستعماري في المنطقة العربية، رافقتها بعثات علمية لدراسة مصر وأهلها وآثارها. بل إن نيوبيغين تشير إلى أنّ تأسيس "سواس" لم يكُن سوى نتيجة للسعي البريطاني لمنافسة ألمانيا وفرنسا اللتين امتلكتا مراكز أبحاث خاصّة بدراسة الشرق.

وترى نيوبيغين أنَّ الاهتمام البريطاني بتطوير الجامعات في مستعمراتها، مثل الهند، كان مردّه إلى رغبة البريطانيّين في الاستثمار في هذه الجامعات بهدف تطوير التدريب التقني والإداري، بما يكفي لتسيير شؤون الإدارة الاستعمارية في هذه المستعمرات. كما قدم الآلاف من أبناء المستعمرات إلى بريطانيا للهدف ذاته، حيث تدرّبوا في جامعات مثل أوكسفورد وكامبريدج، وأيضاً "سواس" التي تأسّست عام 1916. ويعود ذلك - برأي نيوبيغين - إلى حجم الإمبراطورية البريطانية، والتي وصلت إلى أقصاها في مرحلة الحرب العالمية الأولى وما بعدها.

إلّا أنَّ نيوبيغين تؤكّد أيضاً أنّ الجامعات البريطانية، أو الغربية بشكل عام، كانت مجالاً سمح للموهوبين من أبناء المستعمرات بنشر أصواتهم في البيئة الأكاديمية، ضاربةً بذلك مثال إدوارد سعيد الذي تلقّى تعليمه في فلسطين ومصر. وتضيف: "كان الهدف من إنشاء "سواس" عام 1916 تدريب الموظّفين الكولونياليّين في مرحلة شهدت أقصى اتّساع للإمبراطورية، إلّا أنها لم تشهد قبولاً من البريطانيّين الذين فضّلوا الذهاب إلى الجامعات العريقة مثل أوكسفورد وكامبريدج، والتي كانت المراكز التقليدية لتدريب الكادر الكولونيالي".

تضيف: "إلّا أنّ طلاب "سواس" قدموا من المستعمرات البريطانية، وكانت الجامعة منذ بداياتها أكثر تنوُّعاً في طلّابها من المتخيَّل. بل إنها حصلت على تمويل من الحكومات الاستعمارية في المستعمرات مثل مصر والعراق، وخاصة خلال فترة الكساد الكبير أواخر العشرينات من القرن الماضي، والتي شهدت تراجعاً في التمويل الحكومي. وبالتالي كانت "سواس" مكاناً إمبريالياً ذا جذور في العالم خارج بريطانيا".

وترى نيوبيغين أن آثار الفكر الكولونيالي لا تزال قائمةً في المناهج التعليمية، ويعكسه الجهل المنتشر بين البريطانيّين بشكل عام؛ "فالمناهج التدريسية ترى العالم من منظور أوروبي مركزي، تقع بريطانيا في صلبه". وتشير إلى أن "الحكومات المحافظة المتعاقبة منذ عام 2010 ساهمت في تعزيز هذه النظرة، من خلال الدفع بالمزيد من التركيز على التاريخ البريطاني في المدارس البريطانية، وإهمال غيره؛ فالمناهج التدريسية عملت على تجميل دور الإمبراطورية في العالم وبريطانيا، وأهملت مثلاً أنَّ نهاية الإمبراطورية كانت بداية الديموقراطية في بريطانيا".

في ختام حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول إليانور نيوبيغين إنّ تركيز '"سواس" على المنظور غير الأوروبي جعلها تتميّز بين الجامعات البريطانية في الدراسة النقدية، مضيفةً: "مهما كان التعليم الجامعي راديكالياً، فإن الوضع في المناهج الدراسية البريطانية يحدّ من القدرة على بناء جو ناقد وبنّاء. وبالطبع، لا تتمتّع جميع الجامعات في بريطانيا بذات السوية من القراءة الراديكالية للتاريخ الاستعماري لبريطانيا".

المساهمون