تقطير الموسيقى في بلاد اللجوء السوري

تقطير الموسيقى في بلاد اللجوء السوري

17 يونيو 2015
(وائل نور)
+ الخط -

تتفاوت نِسَب تبخّر الموسيقى في البلاد التي تحطّ فيها الحرب رحالها، فيبقى منها ما ينتجه الموسيقيون المحاصرون في أماكن ساخنة، ويُعتبر هذا النوع أصدق بقاياها، بينما تمسخها الأنظمة الديكتاتورية وتضعها تحت إمرتها، كوسيلة لزجّ المزيد من الضحايا تحت مسميات ومفاهيم "وطنية" واهية، وتحرّمها القوى الأصولية المتطرّفة.

مع ذلك، وبحكم الطبيعة البشرية، نشهد إعادة لتقطير بخار الموسيقى في بلاد اللجوء. شيئاً فشيئاً، يجمع الموسيقيون بعضهم رغم صعوبة ظروفهم، ويستعيدون التقاط أنفاسهم على شكل أغنيات ومقطوعات موسيقية، كما فعل الموسيقي السوري وائل نور، والشاعر الغنائي فادي جومر؛ اللذان عملا معاً في المدينة التركية، غازي عنتاب، وأنتجا العديد من الأغاني.

يقول جومر، في حديث لـ"العربي الجديد": "في البلاد البعيدة عن سورية، أرى أن الموسيقى تتوجه برسالتين، الأولى للاجئين لتقول لهم: نحن ما زلنا أحياء لم نمت تحت الخيام وقسوة النزوح، ولم تستطع قسوة النظام أن تقتل مَواطن الجمال فينا، والثانية لشعوب الأرض، وتقول: السوريون ليسوا قتلة وليسوا همجاً، هم شعب طلب حقه في الحياة. وإن وقف العالم بأسره ضد هذا الحق، فالشعب السوري قادر على انتزاعه وتقديم إبداعه تحت أي ظرف".

ولا يرى جومر أن من تقاليد الموسيقى في زمن الثورة أو الحرب الاعتماد على أسماء لم تكن مكرّسة فنياً: "لا رابط بين الأسماء الجديدة أو القديمة، النقطة الفاصلة هي موقف الفنان من آلام وأحلام الشعب الذي ينتمي إليه، ولعلّ أحد أسباب خفوت نجم الموسيقيين المعروفين هو موقفهم من الثورة، إضافة إلى كون الحالة الموسيقية في سورية عموماً لم تكن تشهد ازدهاراً، لا بل وصلت حداً لا تحسد عليه في عهد الأسد الابن".

عمل جومر مع وائل نور وعدد من الأصدقاء على تشكيل فرقة "أصل"، وكان أول أهدافها العمل على إحياء التراث المحلي. يقول نور: "إن تقديم تراثنا بصورة تليق به، تعتبر مهمة أساسية بعد الرداءة التي غلّفت الغناء الشعبي السوري، والتي أوصلتنا إلى مراحل لا نُحسد عليها. قدّمنا مضامين تشكّل انعكاساً لما يحدث في سورية، ليس بالمعنى التجييشي للكلمة، بقدر ما هي مضامين إنسانية تبرز فيها حالة التحدي حبّاً بالحياة والتحرر. وأذكر من أعمالنا أغنية "إي تحت الموت عم نعشق" لجومر، وأغنية "خيالك مرج أخضر" من كلمات بشار عبد الله حسين".

ويضيف: "كما تطرّقنا إلى أحوال السوريين الذين لجؤوا للبحر هرباً من الموت، في أغنية "يا لاحقين الموت" من كلمات رامي العاشق".

يرفض نور أن تحمل أغنياته أفكاراً تتضمّن مدلولات تحريضية، ولكنه يرى، بالمقابل، ضرورة تقديم أعمال تجسّد الأسباب التي خرج الناس من أجلها في الثورة، لافتاً إلى المشكلة الأبرز التي تقف في وجه أي عمل فني؛ أي التمويل:

"للأسف غياب الدعم والتمويل لعب دوراً كبيراً في إعاقة وصول الأغنية للناس، سواء كانوا في الداخل أو في الخارج. بعض الجهات أبدت استعدادها لتقديم دعم، ولكنها فرضت توجهات طائفية لتكريس فكرة الثورة على أنها ثورة إسلامية سنية تحديداً، ضدّ نظام علوي، وكنا قد باشرنا إنجاز أول عمل معهم، ففوجئنا بأن طلبوا أن نقدّم أغاني "إسلامية"، وحين رفضنا أوقفوا الإنتاج، وانسحبوا".

هكذا، شكّل اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي ملاذاً لوائل وكثيرين غيره، فكانا المنصة التي عرّفت الناس إلى أعماله، وهذا ما لمسه -بحسب رأيه- من ردود أفعال السوريين في الداخل والخارج.

إضافة إلى الأمسيات التي يقدّمها برفقة صديقه الموسيقي وسيم مقداد، ينشغل عازف العود محمد العيسى بتعليم الموسيقى للأطفال النازحين في تركيا. يقول: "نظراً للظروف الصعبة التي يمرّ بها النازحون، حيث يعيشون تحت ضغوط عديدة، أبرزها تأمين لقمة العيش، يخيل للمرء أن تعلُّم الموسيقى ليس إلا ترفاً يقع خارج حسابات الناس هنا، إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك، فأنا أشرف على تعليم عشرات الأطفال، بعضهم جاء راغباً في متابعة ما تلقاه من دروس في سورية، وآخرون أبدأ معهم من الصفر. بعد عدة أشهر من العمل، يمكنني القول إنه بات بالإمكان بلورة نواة لفرقة موسيقية كل عازفيها من الأطفال، وهذا يحدث في ظروف استثنائية وغاية في الصعوبة".

في سياق آخر، يجمع العيسى الموسيقيين المتواجدين في تركيا من خلال برنامج يقدّمه في إحدى الإذاعات السورية، ويعتبر هذا البرنامج نقطة انطلاق لعدة مشاريع أنجز بعضها ويجري العمل على تحضير بعضها الآخر:

"البرنامج الذي أقدّمه بعنوان "عود روزنة"، ألتقي فيه بزملاء أعرفهم، وأتعرّف من خلاله إلى أصدقاء جدد من أبناء المهنة، حيث نقدّم وجبة عفوية مشتركة من الأغاني والمقطوعات الموسيقية، وغالباً نكمل عملنا بعد انتهاء تسجيل الحلقات بالتخطيط لأمسيات وأعمال مشتركة. وفعلاً، قدّمت العديد من الأمسيات في تركيا مع وسيم مقداد، وعملت مع الموسيقي الحارث المهيدي".

المساهمون