أرشيف أبولونيوس: حين تقول الوثائق ما لا يقوله التاريخ

أرشيف أبولونيوس: حين تقول الوثائق ما لا يقوله التاريخ

14 فبراير 2018
(من الآثار الرومانية في مصر، المسرح الروماني في الإسكندرية)
+ الخط -
في الندوة التي عُقدت في "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية"، يوم الأربعاء الماضي، تحت عنوان "أرشيف أبولونيوس.. تاريخ من الحرب والسلام" نظن في البداية أننا أمام مراسلات عادية لجنرال يبعث بمراسلات أشبه بيوميات إلى زوجته وعائلته للاطمئنان عليهم وتبادل الأخبار، إلا أن هذه الرسائل أصبحت الآن ذات قدر كبير من الأهمية التاريخية والاجتماعية والسياسية، فقد عايشت فترة ما عُرف بـ تمرّد اليهود (116- 117م) على الحكم الروماني في مصر.

تحدّث خلال الندوة توماس كروس؛ أستاذ الثقافات القديمة في "أكاديمية العلوم" في فيينا، عن أهمية هذه المراسلات التي وصلت إلى أكثر من 232 نص كُتب على البردي باللغة اليونانية.

وترجع أهمية هذه المراسلات إلى أكثر من مستوى؛ أوّلها التأريخ لبدايات استخدام اللغة اليونانية كلغة رسمية في مصر في المراسلات والمعاملات الحكومية بدلاً من اللغة الديموطيقية إلى جانب ما كشفته المراسلات عن الوضع الاقتصادي لأسرة أبولونيوس، الذي يسلّط الضوء على تخبّط الأوضاع الاقتصادية وقت الحرب إلى جانب شكل الحياة الاجتماعية ووصف المعمار في ذلك الوقت، الذي بدا كمزيج بين المعمار المصري والروماني.

يقول كروس أن أبولونيوس عُيّن جنرالاً لمحاربة خطر وتمرّد اليهود في مصر فانتقل إلى بلدة هيبتاكوميا (نحو 100 كيلومتر جنوب هرموبوليس في الفيوم)، وكانت أسرة أبولونيوس محظوظة لأنها تمكّنت من النجاة والهرب من الحرب التي دارت بين اليهود والرومان في ذلك الوقت، بعد أن دمرت مدينة هيرموبوليس (أشمون حالياً) في الفيوم مسقط رأس أبولونيوس من جانب اليهود القادمين من ليبيا، وقت حكم الإمبراطور الروماني هادريانوس تريانوس.

الرسائل أظهرت أن المعابد الرومانية في مصر خُرّبت في وقت سابق على الفتح العربي على يد اليهود حتى بدت ملامح التخريب واضحة عام 117 م حتى تمكن الرومان من هزيمتهم عام 118 بقيادة ماركوس توريو. وهو ما يضيف معلومة جديدة بأن تخريب المعابد الرومانية في مصر لم يبدأ - كما أشار عدد من الروايات التاريخية - على يد الفاتحين العرب.

رسائل أبولونيوس تضمّنت أيضاً مراسلات الأم يوديمنيا وزوجته آلين ووالده هيراكليوس وزملاء عمل. نصف هذه المراسلات تأتي للحديث والاطمئنان على الجانب السياسي والنصف الآخر اجتماعي وعائلي.

يقول كروس: "هذه الرسائل التي يحمل جزء منها طابعاً سياسياً بها قدر كبير من الحميمية بين أعضاء أسرة أبولونيوس، خاصة أن منها ما كتب بخط زوجته وأمه وابنته، وكان أسلوبهن به قدر كبير من الأدبية مما يشير إلى أنهن تلقين تعليماً خاصاً كنساء من الطبقة العليا".

يشار إلى أن أوراق أبولونيوس ليست أوراق البردي الوحيدة التي تم اكتشافها، وجاءت على شكل مراسلات تعكس شكل الحياة الاجتماعية في مصر إبّان الحكم الروماني، بل هناك مئات الآلاف من أوراق البردي والأوستراكا، التي ترجع إلى العصر الروماني تم اكتشافها في المدن والقرى المصرية بحالتها الأصلية، التي كتبت بها مثل أرشيف زينون ومئات الرسائل الهلينية.

المساهمون