عرض "تحرير المرأة" والمستقبل الذي صار حلماً

عرض "تحرير المرأة" والمستقبل الذي صار حلماً

02 فبراير 2015
من بروفات العرض (تصوير: محمد مسعد)
+ الخط -

"لا يمكننا الهروب من التاريخ، من مفارقات التاريخ، من اللحظات الفصامية فيه، مثل هذه اللحظة التي نعيشها الآن والتي من الممكن أن يحدث فيها أي شيء وأن تختلط القيم وتلتبس بسهولة"؛ يفسّر الفنان مصمم الرقصات والراقص وليد عوني عودته لكتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" ليقدمه في عرض أدائي على "المسرح الكبير" في "دار الأوبرا" بالقاهرة، في ثلاثة عروض أولها الليلة وآخرها الخميس.

لماذا أمين الآن؟ بعد أربعة أعوام من الولادات التي استعصت على حريات المواطنة السياسية في المنطقة، يريد عوني أن يقول لنفكّر في أمر أساسي وهو حرية الفرد، وخصوصاً حرية المرأة.

في اللحظة التي كانت فيها الأصوات تتعالى في الميدان كان التحرش بالمرأة يرتفع معها، إنها مفارقة مدروسة جداً تقول الكثير عن اضطهاد الحرية الفردية وانتهاك الآخر في اللحظة التي يتحقق فيها شكل من الحرية الجمعية.

هنا يأتي عوني ويعيد الدرس من الأول، من 1899 حين ظهر كتاب أمين الثوري، ليتبعه بـ "المرأة الجديدة" في 1901. يقول عوني لـ "العربي الجديد" إن أثر أمين لم يُلمس حقاً إلا بعد سنوات طويلة من كتابه الأول"، ويبين أنه ومنذ منتصف القرن التاسع عشر، "تشكلت بداية لعصر اجتماعي وديني وثقافي وسياسي جديد"، شهدت حضوراً للتنويريين أمثال عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده، الذين عبّدوا الطريق للتغيير الاجتماعي وكانوا نتاجاً للثورة العرابية، ثم وجود إصلاحيين مثل سعد زغلول ومصطفى كامل، هؤلاء كانت "قضيتهم واحدة مع أيديولوجيات متعددة، ومستقبل لم يتحقق لأي منهم، فأصبح حلماً" وفق تعبير عوني، الذي يعيد طرح "تحرير المرأة" على الخشبة ليسأل ما الذي بقي من أمين؟ ومن إرث هؤلاء التنويريين؟ وليفكر أيضاً أن التاريخ يعيد نفسه بشكل نافر الآن، نحن في لحظة ثورة مع غياب الأيديولوجيا "نتعامل مع رموز مبعثرة وغير منتظمة".

ومثلما يستعيد عوني رموز النهضة هؤلاء يذكّر بنساء أحدثن الفرق في زمانهن، من أمثال هدى شعراوي وصفية زغلول وبنت البادية ومي زيادة. ويسأل: ماذا يوجد في مخزون المرأة المصرية الحديثة؟ وهل تحقق حلم أمين وتجاوز فورة الخمسينيات والستينيات الاجتماعية؟ هل رجعنا أم تقدّمنا؟

على هذا الأساس يقسم المخرج العرض إلى ثلاث لوحات، ينفذها راقصو "فرقة المسرح الحديث"، كل واحدة تتناول فترة معينة من تاريخ حريات المرأة في مصر والبلاد العربية.

المرحلة الأولى يسميها عوني "المرحلة السوداء" والتي كابدت فيها النساء من الأمية والعطالة والهيمنة الذكورية الكاملة، وكن تجسيداً للعورات من الصوت وحتى الصورة.

أما اللوحة الثانية أو "المرحلة البيضاء" فتبدأ مع انتقال المرأة من الوجود المستمر داخل المنزل إلى الخروج منه إلى العمل والتعليم، وهنا يشير عوني أنه لولا السينما والفن لما كان لهذه المرحلة أن تتكرّس وتنجح؛ فظهور السينما المصرية ووجود فنانات غيّرن صورة الفنانة، ومحبة البيت المصري للسينما وتلقيه المستمر لها، هي أمور ساهمت بشكل كبير في توسيع الحلقة الضيقة وإدخال حريات لم تكن موجودة إلى حياة المرأة الخاصة، لا سيما في الطبقة المتوسطة.

أما اللوحة الأخيرة في العرض فهي "المرحلة الملونة" والتي تداخلت فيها القيم وشكل الأزياء، وأصبح باروميتر الحريات يعلو ويهبط أكثر من السابق مرتبطاً بالسياسة وتفسيرات الدين المختلفة التي تتدرج من التطرف إلى التزمت وحتى الاعتدال.

يعرف عوني أنه يتعامل مع مصطلح لحق به الكثير من الضرر، "تحرير المرأة" أصبح من التعبيرات التي لا يتوانى كثيرون، نساء ورجالاً، عن السخرية منها والتقليل من شأنها لأسباب مختلفة، منها التسطيح والاستسهال الذي قدمت به شخصيات نسائية معنى تحرر المرأة وقيمته، ومن جهة أخرى فإن السخرية من "تحرير المرأة" هو وسيلة التيار المحافظ والمتشدد في المجتمعات العربية للتقليل من شأنه وتحويله إلى نكتة أو حتى الزعم بأنه هجمة غربية على الثقافة العربية.

ربما لهذه الأسباب يتعامل عوني بحذر مع معطيات محددة، مثل الأزياء أو مفردة "حجاب" التي يعتقد أنها "تسيّست" أكثر من اللازم، ويضرب على ذلك مثالاً "قضية الحجاب في فرنسا"، لذلك يحاول أن يكسر هذه النمطية المتوقعة في استقبال العمل فيظهر الرجال في إحدى المشاهد محجبين بالأبيض. إذن عوني هنا لا يتحدث عن السفور والحجاب، بل عن حرية العقل التي يتم التعبير عنها بحرية الحركة، الرقص هنا هو إخراج فكرة إلى حيز التنفيذ الفيزيولوجي إن جاز التعبير.

فكرة عوني في هذا العرض تجعلنا نسأل من دون انتظار الإجابة، إلى أي حدّ نحتاج، الآن، من يذكر ويحيي قاسم أمين والنهضويين والتنويريين العرب؟ حيث لافتة ضخمة تقول لنا "احذر أمامك منعطف خطر".

المساهمون