"معرض الخرطوم الدولي": ثورة وكتاب

"معرض الخرطوم الدولي": ثورة وكتاب

18 أكتوبر 2019
(من المعرض)
+ الخط -

تحت شعار "حنبنيهو" (سنبنيه)، انطلقت، اليوم الجمعة، فعاليات الدورة الخامسة عشرة من "معرض الخرطوم الدولي للكتاب"، والتي يُنتظر أن تستمر حتى التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بمشاركة قرابة ثلاثمئة دار نشرٍ من السودان وخارجه.

هذه هي الدورة الأولى من المعرض منذ سقوط نظام عمر البشير في نيسان/ أبريل الماضي؛ حي انطلقت التظاهرة عام 2005 تزامناً مع احتضان الخرطوم احتفالية "عاصمة الثقافة العربية". لكنّ جميع الدورات شهدت كثيراً من المنع والرقابة على العناوين والأسماء المشاركة؛ حيثُ كانت السلطات تعلن عن قائمة تضمّ كتباً محظورة من العرض لأسباب يراها كثيرون سياسيةً محضة.

غير أن وزير الثقافة في الحكومة السودانية الجديدة، فيصل محمد صالح، أعلن، خلال افتتاح المعرض، أنّ هذه الدورة التي تلت الثورة الشعبية، لم تضع خطوطاً حمراء تحول دون حرية تبادل الفكر والمعرفة، وفق تعبيره، متعهّداً بعدم منع عرض أي كتاب، إلّا إذا كان "مسيئاً للأديان أو مثيراً للنعرات القبلية".

وقال صالح، وهو شاعر وصحفي، إنّ الشعب السوداني متعطّشٌ للثقافة والمعرفة بعد سنوات من الكبت والحرمان، معترفاً بوجود نقائص عديدة في تنظيم الدورة الحالية، مضيفاً: "كان أمامنا خياران: تأجيل المعرض أو تنظيمه بنقائصه، فاخترنا الثاني". ووعد الوزير بأن تكون الدورة المقبلة "متفرّدة" على كلّ المستويات، من حيث المشاركات والضيوف والبرنامج الثقافي المصاحِب.

وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول رئيس اللجنة المنظّمة للتظاهرة، جراهام عبد القادر، إنَّ "من شأن تنظيم المعرض بعد نجاح الثورة أن يعزّر هوية السودانيّين ويُبرز حكمتهم في تجاوز ما توقّعه البعض من أنَّ البلاد ستنهار نتيجة الظروف السياسية الأخيرة".

وأشار المتحدّث إلى أنّ الدورة الخامسة عشرة تشهد مشاركة أكثر من 115 دار نشر سودانية، إلى جانب 85 دار نشر من خارج السودان، غالبيتها من الكويت والسعودية والمغرب ومصر والإمارات، مضيفاً: "لم نمنع أيّ كتاب، انطلاقاً من الحرص على احترام حرية الفكر والتعبير".

من جهته، يقول مدير "دار عزّة للنشر"، نور الهدى محمد، إنّ مساحة الحرية التي حقّقتها الثورة السودانية ستمنح أفقاً أكبر لمجال النشر، لكنه يعتبر، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ المشاركات في الدورة الحالية أقلّ بكثير ممّا كانت تشهده الدورات السابقة، وهو ما يتّضح من خلال غياب دور نشر من لبنان والمغرب العربي، مُرجعاً ذلك إلى الظروف السياسية الحالية.

ويضيف، في هذا السياق: "كان من الأفضل تأجيل الدورة الحالية، لأنّ الشعب السوداني يستحق معرض كتاب أفضل بكثير".

بالنسبة إلى محمد، فإنَّ ما يميّز دورة هذا العام هو عدم وجود أية محاذير وحظر كتب، مشيراً إلى عرض كتب كانت ممنوعةً في وقت سابق، من بينها كتابٌ عن علي فضل الذي قُتل تحت التعذيب في فترة عمر البشير، وكُتب عن "بيوت الأشباح"، وهو اسم يُطلَق على معتقلات زمن البشير، ليختم بالقول: "بعد الثورة، يبدو المستقبل واعداً للثقافة عامّة وللكتاب بصورة أخص".

من بين المشاركين في الدورة الجديدة "مكتبةُ مدبولي" المصرية التي غابت عن الدورة السابقة. وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول محمد محروس، مسؤول جناحها في المعرض، إنَّ الدار حرصت على المشاركة في التظاهرة منذ انطلاقها من منطلق "اهتمامها بالقارئ السوداني"، مشيراً إلى أنّها نشرت أيضاً أعمالاً لعدد من الكتّاب والشعراء السودانيّين؛ مثل منصور خالد، والطيب صالح، وعبد العزيز بركة ساكن، وحمور زيادة، وبركات موسى الحواتي، وسيد أحمد الحردلو.

أما مريم عبد الله علي من "دار جامعة الخرطوم للنشر"، فقالت لـ "العربي الجديد" إنّ المعرض يشهد إقبالاً واسعاً في يومه الأول، خصوصاً من قبل الشباب، وهو ما لم يكن ملاحظاً قبل الثورة، وفق قولها.

ومن جهة أُخرى، تحدّثت عبد الله علي عن توجُّه الدار، قائلةً إنها تهتم بنشر الكتب المرتبطة بالدراسات السودانية، إلى جانب الاهتمام بالمؤلّف السوداني، مشيرةً هنا إلى أنها لاحظت زيادةً في العنوانين المرتبطة بالتوثيق والتأريخ.

وأضافت المتحدّثة أنّ ارتفاع كلفة الطباعة هي إحدى أبرز مشكلات النشر في السودان، معربةً عن أملها في أن يكون مستقبل الكتاب أفضل مستقبلاً، في ظل التغيير الذي حدث في البلاد.

من جانبه، يرى محمد عبد الرحمن همشري، الكاتب والصحافي الذي كانت له عدّة تجارب في تنظيم معارض الكتاب، أنَّ الدورة الحالية "مقبولة إلى حدّ كبير، وتحافظ على تقليد ثقافي بارز"، مضيفاً أنّ أبرز ما يميّزها هو "غياب قرارات المنع والحظر التي كانت مألوفةً في زمن النظام السابق، إلى جانب الإقبال الشبابي والأسري اللافت"، مشيراً هنا إلى أنّ الثقافة، وخصوصاً الكتاب، أدّت دوراً كبيراً في الثورة السودانية التي اعتبرها "ثورةً ثقافية في المقام الأوّل".

وفي ما يتعلّق بالزوّار، تبدو الآراء مختلفةً؛ فبينما يرى طلال عفيفي، مثلاً، أنّ المعرض مقبولٌ إلى درجة كبيرة، خصوصاً أنه يُقدّم كُتباً لم يكن أحدٌ يتصوّر أن يجري عرضها في تظاهرةٍ ثقافية رسمية، أبدى محمد صالح، وهو من الشباب الذين شاركوا في الثورة، أسفَه لعدم وجود عناوين عن الثورة في المعرض.

دلالات

المساهمون