بحثتُ عن مفاتيحهم في الأقفال

بحثتُ عن مفاتيحهم في الأقفال

15 مايو 2019
(تفصيل من "مسيرة العودة الكبرى" لستيف سابيلا)
+ الخط -

قناديل البحر

تجلسين على الشاطئ الذي لا يزال يتذكّر صنادلك القديمة
تشبهين صدفةً صامتةً تحرس صوت البحر الأشدّ قدماً
تلطّخك الشمس بريشتها المقدّسة
لكنّك لا تنتبهين
تعجّ عيناك بحجارةٍ أجهدتها الطحالب

تعودين إلى البحر
بعد أن تشاهدي الحجارة تصنع دوائر تفتقر إلى المركز
تنفخ طيورٌ لا تعرفين أسماءها تحليقها في نايك
وتدقّ كنائس الموج أجراسها الأكثر زرقةً
فتصنعين قوارب تعلمين أنّها لن تصمد

طويلاً تمسكين مجاذيفك المكسورة
لكنّ قناديل البحر تطفو تحتك كأكياسٍ معبّئةٍ بهواءٍ ملوّن
أشكالها التي لا تهدأ تبسط قبضاتٍ من الأحجار الكريمة داخلك
تغريك أطرافها برغبةٍ تقضم الحبال المعقودة إلى الرمل

لن يقدر الآن على إنقاذك أطفالٌ يقرّبون الصدفة من آذانهم


■ ■ ■


بعد العاصفة

استيقظت بعد العاصفة
لم أجد أحداً منهم
في الباحة فرّت الأشياء من ظلالها
أطلقتُ أسماءهم من أقفاصها
لم يعد أيٌّ منها

عدت إلى الداخل
بحثت عن مفاتيحهم في الأقفال
وإطاراتهم على الجدران

جلست في الركن أثقب نسيجاً بإبرة البوصلة

على مقبض باب الحديقة
من أسمائهم القديمة
تدلّت نباتاتٌ بنوافذ


■ ■ ■


مجاز الطفل

اللغة برج
يقف الطفل على حافة
شرفة طابقه الأخير
يطلب من الأم صنع بحرٍ
في البانيو وقت الاستحمام
توافق الأم لأنها تبصر
ضفائرها فيه
فيسبح مقلّصاً جسده
قدر المستطاع
تغيب الشمس الرملية سريعاً
ينزل الطفل البرج واقعاً
حين يزيل سدادة "البحر"
ولا يلتفّ كبلبلٍ* في الدوامة

*لعبة البلابل التي تُعرف أيضاً بالخذروف


■ ■ ■


كلمات

لا تسعني الكلمات
فأهرب إلى الأشياء
كلما حدّقت في شيءٍ صرته
كلما دخلت منزلاً
شاهدت وجهي في الصُّوَر
يضحك كفردٍ من العائلة
لا تسعني الكلمات
لكنّها الخبز المفتت
في طريق الرجوع
كي أظلّ "كـ" فردٍ عائلي


■ ■ ■


نرسيس

الليل كان شاطئاً
البحر كان نجماً
وأنا كنت بينهما
أحاول أن أقايض
صورتي


■ ■ ■


انتظار

لم يكونوا يعرفون أنّهم ينتظرونه
كانوا يجلسون طوال الليل
تحت شجرةٍ تضرب جذورها
في سكونهم
يدخّنون بقايا سجائر
تفرك عيونهم الواجمة
يصيبهم بالرجفة هواءٌ
لا يفركون لأجله الأكفّ
لم يكونوا يعرفون أنّهم ينتظرونه
إلّا حين انطفأ أمامهم
شهاب آخر الليل


■ ■ ■


سعاد

بكارتك الخالدة كانت تشعّ
في البيت الضيق
أنزلك الموت من أيقونتك
فسرت إلى المقبرة عاريةً
وأضاءت عيناك الزرقاوان غيابك

أطفالك الذين لم تنجبيهم
أقاموا في الأعشاش حول البيت
لمناقيرهم شكل أظافرك البارزة
كانوا يدقّون الأشجار بها
حين تتأخّر طفولتنا عن الزيارة

لم تمتلكِ شيئاً في الغرفة
التي أسكنتك إيّاها جدّتي
ثيابك المثقوبة بالسجائر
والكرسي الذي يحرّكه طيف والدتكما
إرثك الذي لن ينجو من النهر

خيوط الدخان، تعاويذ الخميس، صدف البحر،
طاقم الأسنان، الأثواب الخفيفة، قماشة البرجيس*
وعصاك التي يسعل نسرها
كنوزٌ ستثقل ظهري ما حييت
كسفينةٍ مهترئةٍ تحمل ذهب ألف ليلةٍ

* لعبة شعبية في بلاد الشام


■ ■ ■


صنارة

أنا صنارة الاستعارات
أعلّق نفسي في منقار نورسٍ
لألتقط شكل الأشياء
حين ينكسر الضوء عليها
وتهرب من ملامحها.
أطارد ظلّها
إذ يصير الكون جداراً
والانعكاسات
ممثلين يرتدون أقنعةً
تخون أجسادهم
كما تخون "دورابيلا" حبيبها
عندما يتنكّر "جويليلمو" بوجهٍ ألبانيٍّ
في إحدى الأوبرات عن النساء.
أنا صنارة الاستعارات
لا أصطاد السمكة غير الموجودة
بل صورتها في عين مفترسها.


* شاعر من القدس

المساهمون