تونسيون تحدّوا الإعاقة

تونسيون تحدّوا الإعاقة

13 مارس 2019
لم تمنعني إعاقتي من الرسم (العربي الجديد)
+ الخط -

يثبّت أشرف النمري ريشته بأصابع قدمه ويمضي في رسمه. يمزج الألوان ويصوّر كل ما يريده من دون أيّ مشكلة. هو اعتاد الأمر، فالشاب الثلاثيني وُلِد من دون يدَين، غير أنّ إعاقته لم تحل دون ممارسته هوايته المفضلة. مذ كان طفلاً صغيراً، عمد أشرف إلى رسم كل ما جذب ناظرَيه، ليطوّر في وقت لاحق موهبته ويتابع دروساً في الرسم على أيدي أكبر الفنانين التشكيليين التونسيين في المعهد العالي للفنون الجميلة في عام 2003. وفي عام 2016، صار أوّل شخص معوّق يحصل على شهادة احتراف في مجال الرسم في تونس.

تمكّن أشرف من المشاركة في معارض عدّة في داخل تونس وخارجها، ويشير إلى أنّه لم يلقَ أيّ مساعدة من قبل أيّ جمعية تونسية في البداية. لكنّه يوضح أنّ جمعية سويسرية تُعنى بالأشخاص المعوّقين كانت تقدّم له دعماً وتوفّر له معدات الرسم، الأمر الذي مكّنه من إقامة عدد من المعارض في سويسرا. أمّا في تونس، فأقام معارض عدّة بدعم من وزارة الشؤون الاجتماعية في البلاد.

لا تختلف حالة نجاة بامري كثيراً عمّا هي عليه حالة أشرف النمري. فالشابة التونسية غير قادرة على استخدام يدَيها مذ كانت طفلة، بسبب إصابتها بضمور فيهما. لكنّ إعاقتها لم تمنعها من الرسم. وفي حين يستخدم أشرف أصابع قدمَيه لمسك ريشة الرسم، تستعين نجاة العشرينية بفمها للهدف نفسه.

تمزج نجاة ألوان سماء إحدى لوحاتها، قبل أن تضع ريشتها جانباً وتتحدّث عن التحدّي الذي جعلها تحقق حلمها. تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "نظرات الشفقة التي كنت ألاحظها في عيون مَن حولي مذ كنت طفلة، دفعتني إلى تحويل عجزي إلى عزيمة تثبت إبداعي وقدرتي على خلق شيء ما". تضيف: "صرتُ أرسم على أحد جدران منزل العائلة، الأمر الذي جعل والدتي توفّر لي كل مستلزمات الرسم لتحقيق حلمي. وبات الرسم وسيلة أعبّر من خلالها عمّا في داخلي". يُذكر أنّ نجاة لم تحصل على شهادة احتراف على غرار أشرف، إلا أنّها شاركت هي الأخرى في معارض عدّة عربية وتونسية، وتصدّرت عناوين بعض الصحف والمجلات العربية والتونسية.




تونسيون كثر لم يقفوا عاجزين أمام إعاقاتهم، لا بل نجحوا في مجالات مختلفة، فنية وعلمية ورياضية وحرفية، معتمدين على ذواتهم وإرادتهم، كلّ في مجاله. وتشير الأستاذة الجامعية درة والي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "كل شخص ذي إعاقة، ما حُرِم من شيء إلا وعوّضه الله بقدرة أخرى. ما عليه سوى اكتشافها بنفسه، وتحدّي عجزه للنجاح". ووالي ولدت هي الأخرى من دون يدَين، غير أنّ ذلك لا يمنعها من عيش حياتها مستندة إلى نفسها بكلّ شيء، لا سيّما في قيادة السيارة. تخبر أنّها "تعوّدت على استخدام رجلَيّ لتدبير شؤوني مذ كنت طفلة، وتابعت دراستي وأنا اليوم أستاذة محاضرة في كلية الحقوق بصفاقس (وسط)".

تجدر الإشارة إلى أنّ الفصل 48 من الدستور التونسي ينصّ على أنّ "الدولة (تحمي) الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز، ولكلّ مواطن ذي إعاقة الحق في الانتفاع، بحسب طبيعة إعاقته، بكل التدابير التي تضمن له الاندماج الكامل في المجتمع، وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك". مع ذلك، يعيش آلاف الأشخاص المعوّقين في ظروف صعبة، وتقدّر الدولة عددهم بـ246 ألفاً، في حين أنّ جمعيات عدّة ترجّح أن يكون عددهم نحو نصف مليون شخص. يُذكر أنّ ثمانية في المائة فقط من الأشخاص المعوّقين الذين تخطّوا سنّ الثامنة، قادرون على القراءة والكتابة.

وعلى الرغم من أنّ أكثر من 300 جمعية تهتمّ بالأشخاص المعوّقين في البلاد، فإنّ أكثر من 70 في المائة منهم يعانون البطالة، لا سيّما أنّ نسبة انتدابهم في القطاع العام لا تتجاوز اثنَين في المائة بالمؤسسة الواحدة. كذلك لا تطبّق مؤسسات القطاع العام بمعظمها قانون التقيّد بانتداب واحد أو اثنَين منهم في إطار طاقم موظفيها أو العاملين فيها.




في السياق، تقول الأمينة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص المعوّقين، بوراوية العقربي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "13.5 في المائة من التونسيين هم من الأشخاص المعوّقين، بحسب منظمة الصحة العالمية، أي أكثر من مليون تونسي. وهؤلاء يُعدّون فئة مهمشة لا يأتي أحد على ذكرها إلا في خلال الحملات الانتخابية". وتشير العقربي إلى أنّ "مئات الأشخاص من المعوّقين نجحوا في مجالات عدّة بفضل إرادتهم وكذلك ظروف أخرى توفّرت لهم دون سواهم. لكنّ الآلاف يعيشون أوضاعاً هشّة، وهم محرومون من بطاقة العلاج المجاني ومن الانتداب للعمل سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص".