تقارب عائلي في العراق وسط الحجر المنزلي

تقارب عائلي في العراق وسط الحجر المنزلي

29 ابريل 2020
التزام بالحجر (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

الأخبار المرتبطة بالحجر المنزلي ليست إيجابية دائماً. في العراق مثلاً، ترتفع نسبة العنف المنزلي قياساً بالفترات السابقة، أي قبل فرض حظر التجوال في إطار إجراءات مواجهة فيروس كورونا الجديد. في المقابل، ثمّة من وجد إيجابيات واستطاع تكريسها. تحدث عراقيون عن تقارب أفراد الأسرة، وخصوصاً أولئك الذين كانوا يقضون غالبية ساعات النهار في العمل، ولا يُتابعون تفاصيل أبنائهم اليومية. وفي النتيجة، شعر البعض بعودة الألفة بين أفراد الأسرة، وبات الآباء يشاركون في الواجبات المنزلية والتربية.

في هذا السياق، يقول عراقيون إنهم شعروا بتغيّر في طباعهم ومشاعرهم بسبب الحجر المنزلي، وكان عليهم التقرب من عائلاتهم. ومن بين هؤلاء فيصل الشاماني، الذي يحرمه عمله في التجارة الالتقاء بأفراد أسرته لفترة طويلة. يعمل اثنان من أبناء الشاماني (55 عاماً) الأربعة في وظائف حكومية، في وقت يعمل فيه الآخران في تجارة السيارات.



يقول لـ "العربي الجديد" إنّه نادراً ما كان يجتمع مع أفراد أسرته على مائدة الطعام، والسبب انشغالهم في العمل، وذلك منذ نحو خمس سنوات. وخلال السنوات الخمس الماضية، بات لكل واحد من أولاده عمله المستقل. لكن منذ نحو شهر، وبعدما "اضطررنا جميعاً إلى البقاء في المنزل، اكتشفت أنني كنت أفتقد جمال اجتماع الأسرة، وأنني لا أعرف أولادي بشكل أعمق. أصبحنا نتحدث ونجتمع لساعات طويلة في اليوم. لا أجامل إن قلت إن المحنة قد تكون فيها إيجابية أحياناً".

ولم تكن السنوات التي تلت غزو العراق في عام 2003، وتغيير نظام الحكم فيه، لتساهم في تحسين السكن بالنسبة إلى العراقيين. ومع ازدياد عدد السكان، وعدم تمكن الأزواج من شراء مسكن جديد، اضطر الأهالي إلى تقسيم منازلهم لتتحول إلى أكثر من منزل كي يوفروا مساكن لأبنائهم. أما بعض البيوت المعدة لسكن عائلة واحدة، فبات يسكنها أكثر من عائلة بعد تزويج الأبناء. كثرة القاطنين في منزل واحد صار لها أثر مختلف وغير متوقع بالنسبة إلى كثيرين، بحسب حاتم الجيزاني، الذي يسكن زقاقاً مكتظاً في حيّ شعبي وسط بغداد. الجيزاني متقاعد منذ عامين من وظيفته في سلك التعليم بعد بلوغه السن القانونية، وبات يلقي التحية على جيرانه من خلف سياج المنزل، ويقف في باحة منزله الخارجية لكي يسمع أصوات جيرانه وهم في منازلهم.

يضيف: "جميع العائلات في هذا الزقاق يعيشون منذ عشرات السنوات في بيوتهم هذه. كان المنزل الواحد تسكنه عائلة واحدة لا يزيد عدد أفرادها على سبعة أشخاص. اليوم، يعيش في المنزل الواحد ما بين 15 إلى 40 شخصاً". يضيف: "هذا حال بيتي أيضاً، فقد قسمته إلى أربعة بيوت لكي يسكن فيه أولادي وعائلاتهم". يضيف: "كان هناك ما يشغل تلك العائلات، مثل العمل خارج المنزل والدراسة في المدارس والجامعات والخروج للتسوق والتنزه، والقضاء على وقت الفراغ في المقاهي وغيرها. لكن هذا كله ألغي بسبب كورونا والتزام الناس منازلهم".

ويشير إلى أن "الناس في هذه البيوت المكتظة تأقلموا مع الحظر، كما يؤكد الجيران، وهو ما اكتشفته أنا أيضاً. أصبحنا نلتقي بشكل أطول انا وأولادي وأحفادي، نتحدث كثيراً ونستأنس بالحميمية العائلية التي كنا نفتقدها". ويتفق عبد الرزاق الصالحي، وهو متقاعد أيضاً، مع ما ذهب إليه الجيزاني. يقول لـ "العربي الجديد": "إن اجتماع العائلة بسبب الحجر يجعلني أشعر بحنين إلى الماضي، حين كانت العائلة تجتمع على موائد الطعام". يضيف: "في عام 1972، كنت لا أزال في الخامسة والعشرين من العمر، ولم أتزوج بعد، وقد تخرجت حديثاً من الجامعة. كانت أسرتنا الكبيرة المكونة من تسعة أفراد تجتمع كل يوم على موائد الطعام. نجلس لوقت طويل ونتحدث في أمور مختلفة. لكن افتقدنا هذا اليوم بسبب تطور الحياة والأعمال ودخول التقنيات الحديثة وغيرها التي جعلت الحياة سريعة".

أما ميسم فليح، فتقول إنها شعرت باختلاف في تصرفات أفراد الأسرة، مشيرة في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أن قريباتها وصديقاتها لديهن الشعور نفسه. "حين أحادثهن عبر الهاتف، يخبرنني أن أزواجهن وأبناءهن بات بعضهم يتقرب أكثر من بعض"، مضيفة أن "أفراد أسرتي لم يجتمعوا منذ سنوات بشكل مستمر كما يحصل اليوم. باعتباري ربة منزل، كنت ألتقي بالجميع، لكن ارتباطات أبنائي وبناتي وزوجي بالعمل والدراسة لم تكن تسمح لهم بالاجتماع جميعاً خلال اليوم".

تتابع: "بسبب الحجر والتزام المنزل، باتوا يتعرفون إلى بعضهم أكثر. في خلال هذه الأيام استعدت أيام الماضي حين كنت في عمر أولادي. كانت أسرتنا تجتمع كل يوم، إذ لم تكن الحياة معقدة مثل اليوم".



ويقول شباب لـ"العربي الجديد" إنهم أصبحوا يشعرون بسهولة وبساطة الحياة كما في السابق، إضافة إلى الألفة بين أفراد العائلة بسبب اجتماعهم بشكل يومي. رند الصافي وشقيقها نزار، يوضحان لـ"العربي الجديد" أنهما يعيشان وقتاً سعيداً برفقة والديهما وعائلة شقيقهما التي تسكن معهم في الدار نفسه. رند التي تدرس القانون في الجامعة، ونزار الذي يصغرها بعام ويدرس في كلية الصيدلة، يؤكدان أنهما كانا ينشغلان بالدراسة، فيما يقضيان وقت الفراغ في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والانشغال بالألعاب إلكترونية.

التوقف عن الدراسة وملازمة البيت وفرا فرصة كبيرة لهما للتقرب أكثر من أفراد العائلة، بحسب قولهما. تقول رند: "أشعر بدفء عائلي كنت أفتقده". ويضيف نزار: "رب ضارة نافعة. بسبب كورونا اكتشفنا أننا بحاجة إلى التقارب العائلي".

دلالات