جرح تركيا النازف

جرح تركيا النازف

25 نوفمبر 2016
تطالب بحصول المرأة على حقوقها (آدم ألطان/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يختلف المجتمع التركي في ما يخص حقوق المرأة عن المجتمعات الشرق أوسطية الأخرى. وباستثناء بعض الطبقات في المدن الكبيرة، يمرّ كثير من جرائم العنف ضد النساء من دون أن تقدم المرأة شكوى إلى الشرطة، خوفاً من انتقام الرجل الذي قد يبعدها عن أولادها، أو لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد.

وبحسب منبر "سنوقف الجرائم ضد المرأة"، فقد قتلت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 35 امرأة، وهو الرقم ذاته لشهر سبتمبر/أيلول. كما تؤكد إحصائيات المنبر، أن العام الماضي وحده شهد مقتل 303 نساء، وأن 37 بالمائة من حالات القتل لا يُعرف سببها، بينما 31 بالمائة من الحالات تتم لأسباب تتعلق بقيام المرأة باتخاذ قرار خاص بحياتها، و14 بالمائة من الحالات تتم بسبب رغبة المرأة بالانفصال، و9 بالمائة تتم خلال محاولة المرأة منع العنف عن امرأة أخرى وبالذات منع الأزواج من الاعتداء على البنات، و6 بالمائة تتم بسبب رغبة المرأة بالطلاق، بينما تشكل نسبة من تم قتلهن خلال اعتداء جنسي 3 بالمائة من الحالات.

تلك الأرقام وغيرها تؤكد أنّ تركيا ما زالت من أسوأ دول أوروبا على صعيد العنف ضد المرأة، وتشير التقديرات إلى أنّ 40 في المائة من التركيات تعرضن للعنف على الأقل مرة واحدة في حياتهن.

وكانت آخر حالات القتل الموثقة، تلك التي حصلت في مدينة إسطنبول، عندما طالبت فوليا أوزدمير (29 عاماً) بالانفصال عن عشيقها، الذي هجم عليها ووجه عشرات الضربات إلى رأسها ومن ثم طعنها. وكذلك تعرضت فيغان تيتيز (36 عاماً)، في مدينة مرسين (غرب) للقتل خنقاً على يد زوجها وأمام طفلتها البالغة من العمر سبع سنوات.

في فبراير/ شباط الماضي وصلت الأمور إلى نقطة الانفجار. فقد أدت حادثة قتل الطالبة الجامعية أوزغيجان أصلان (20 عاماً) على يد أحد سائقي الحافلات الصغيرة، أثناء محاولته اغتصابها إلى جدل سياسي واجتماعي كبير. ووصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العنف ضد المرأة بـ "جرح تركيا النازف"، فيما تحركت منظمات المجتمع المدني بقوة عبر تنظيم العديد من الاحتجاجات وحملات التوعية.

تدعو عضو المجلس التنفيذي لحقوق المرأة والطفل في فرع نقابة المحامين في مدينة إسطنبول، أيدينيز علي صباح توسكان، إلى تشديد القوانين الجزائية الخاصة بالعنف ضد المرأة، محملة الثقافة الاجتماعية الموروثة مسؤولية تنامي العنف ضد المرأة. تقول: "يتم تنشئة الفتيات تحت الاضطهاد الديني اجتماعياً، وكذلك على طاعة الرجل والخوف منه، وأكثر من ذلك، يحتقر المجتمع المرأة التي ترفض عنف الرجل وتتقدم بشكاوى، بل ويحمّلها بمختلف الطرق، مسؤولية هذا العنف".



وكانت الحكومة التركية قد مررت قبل عام تشريعات جديدة لتعزيز حقوق المرأة بما يتماشى مع المعايير الأوروبية، وتشديد العقوبات على الاعتداء الجنسي. ويشير المسؤولون الحكوميون إلى تضاعف عدد الملاجئ الخاصة بالنساء في السنوات الثلاث الماضية من 48 ملجأ عام 2011 إلى 92 عام 2014. كما تم إنشاء العديد من مراكز الدعم للنساء من ضحايا العنف ما يسمح لهن بتلقي الحماية والبقاء مع أطفالهن. لكن المحامين والناشطين في مجال حقوق المرأة يؤكدون أنّها جهود غير كافية، وهناك حاجة ماسة للعمل على حملات واسعة النطاق لرفع الوعي الاجتماعي.

وبحسب إحصائيات وزارة العائلة والشؤون الاجتماعية التركية، فإن أربع من كل عشر نساء يتعرضن للعنف الجسدي على يد أزواجهن أو عشاقهن، لا يتقدم 89 في المائة منهن بشكوى إلى أي طرف كان. أما عن أكثر المناطق التي تتعرض فيها المرأة للعنف فهي مناطق وسط وجنوب شرق الأناضول.

من جهتها، تؤكد الطبيبة غُولسوم كاف المتحدثة باسم منبر "سنوقف الجرائم ضد المرأة"، أنه رغم القوانين الجديدة التي أقرّت في الفترة الأخيرة لناحية حماية المرأة، إلا أنّ هناك مشكلة كبيرة في العقلية المنفذة لهذه القوانين. وتعطي مثالاً عن ذلك: "طلبت المعلمة غولشاه أكتورك في مدينة وان الحماية من الوالي، إلا أنّ كل ما قاله لها هو: لا تقلقي لن يقتلك.. لكنها قتلت بعد أيام، ولم يحاسب الوالي". كما تشير إلى أنّ هناك أكثر من 23 امرأة قتلن، وهن تحت الحماية ولم يحاسب أحد.

وتذهب عضو هيئة التدريس في كلية الاتصالات في جامعة غازي، في مدينة أنقرة، أيدان أوزسوري، أبعد من ذلك، بتحميل الإعلام جزءا من مسؤولية تنامي العنف ضد المرأة في تركيا. وتقول إن "الإعلام دون أدنى شك يلعب دوراً حاسماً في إعادة تكوين القيم الاجتماعية الخاصة بالجندرة والعنف، وبالذات الإعلام البديل. وفي الوقت الذي يلعب فيه الإعلام عموماً دوراً كبيراً في زيادة الضغوطات على المجتمع لمواجهة العنف ضد المرأة، إلا أن هذا الإعلام نفسه يشرعن لهذا العنف، الأمر الذي كان واضحاً في التعليقات خلال حملة أنت أيضا تحدثي على تويتر، حيث رأينا بعض الآراء تحمّل الضحية المسؤولية". تضيف: "كما أن المسلسلات والأفلام التركية تلعب دوراً هاماً في تقبل المجتمع للعنف ضد المرأة".

المساهمون