الفيدرالي الأميركي في مأزق بعد بيانات الوظائف الضعيفة

الفيدرالي الأميركي في مأزق بعد بيانات الوظائف الضعيفة

10 يونيو 2019
أميركا تعول على القوة الشرائية في صعود وول ستريت(Getty)
+ الخط -


أظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية يوم الجمعة، أن الشركات الأميركية أضافت 175 ألف وظيفة غير زراعية فقط خلال مايو/ أيار، ومثل الرقم أقل إضافة في آخر ثلاثة أشهر، لتؤكد التأثيرات السلبية لسياسة فرض التعريفات التي يتبعها الرئيس دونالد ترامب، ولتزيد الضغوط على مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" من أجل تدخله لمنع وقوع الاقتصاد الأميركي أسيراً للركود.

وجاء في بيان الوزارة أن الوظائف في كل من خدمات الأعمال والتعليم والترفيه انخفضت، وأن وظائف القطاع الخاص ارتفعت بعدد محدود، لا يتجاوز 90 ألف وظيفة، بينما انخفضت الوظائف الحكومية بأكثر من 15 ألف وظيفة، وهو رقم أقلق الكثير من المتابعين، حيث تعتبر الحكومة الموظِف الأكبر في الولايات المتحدة.

وزاد من قلق المحللين من الأرقام الصادرة أن جميعها تم قبل وصول التأثيرات المتوقعة من التعريفات المضاعفة على ما قيمته 300 مليار دولار إضافية من المنتجات الصينية، وكافة المنتجات المكسيكية، الواردة إلى أميركا، كما هدد ترامب، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق يجنب البلدين تبعات تلك الرسوم مساء الجمعة.

ورغم استقرار معدل البطالة، وفقاً لبيانات الوزارة، عند 3.6%، وهو أدنى مستوى له في ما يقرب من نصف قرن، وارتفاع متوسط أجر الساعة بنسبة 3.1% مقارنة بالعام الماضي، إلا أن بيانات أخرى أظهرت تراجع مبيعات التجزئة، وانخفاض الإنتاج الصناعي، وتباطؤ الإنفاق الرأسمالي للشركات، الأمر الذي أكد وجود صعوبات في طريق استمرار البداية القوية التي شهدها الاقتصاد الأميركي في الربع الأول من العام الحالي.

وبعد إعلان البيانات الجديدة، انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات لأقل قليلاً من 2.06%، وهو أقل مستوى له في العام الحالي 2019، الأمر الذي عكس توقع المستثمرين أن تزيد بيانات التوظيف الضعيفة الضغوط على صناع السياسة النقدية في مجلس الاحتياط الفيدرالي، لإجراء أول تخفيض لمعدلات الفائدة على أموال البنك في أكثر من عقدٍ من الزمان، خلال اجتماعات البنك يومي الثلاثاء والأربعاء.

وبعد أن رفع مجلس الاحتياط معدلات الفائدة أربع مرات العام الماضي، وهيأ الأسواق لزيادة سعر الفائدة مرتين خلال العام الحالي، عدل عن ذلك، وهو الأمر الذي وصل بمعدل العائد على سندات العشر سنوات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أعلى مستوياته في سنوات. 

وجاء انخفاض العائد الأسبوع الماضي ليعكس تخوف المستثمرين من الدخول في ركود اقتصادي، حذر منه الكثيرون خلال الفترة الماضية.

وينظر المواطن الأميركي العادي، كما المستثمر المحترف، إلى معدلات العائد على سندات الخزانة لعشر سنوات، التي يتم التعامل معها في السوق الثانوية، باعتبارها مؤشراً هاماً على قوة الاقتصاد، كونها تلعب دوراً مؤثراً في تحديد معدلات الفائدة المطبقة على كافة أنواع قروض الأفراد والشركات، من قروض الرهن العقاري مرتفعة الشعبية في الولايات المتحدة، إلى القروض النقدية وقروض السيارات، إلى مختلف أنواع قروض الشركات، متوسطة وطويلة الأجل.

وكان جيرومي باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي، قد أعلن الثلاثاء الماضي استعداد البنك لتخفيض معدلات الفائدة إذا استدعى الأمر، وذلك للمرة الأولى منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، رغم تواصل ضغوط الأخير على البنك لتخفيض الفائدة خلال حملته الانتخابية وحتى الآن.

وجاءت تصريحات باول في أعقاب توتر الأسواق بعد إعلان ترامب نيته فرض تعريفات جمركية على كافة واردات بلاده من المكسيك، والمقدرة بأكثر من 350 مليار دولار كل عام. وارتفع مؤشر داو جونز للأسهم الأميركية أكثر من 1000 نقطة في الفترة من صدور تصريحات باول وحتى نهاية الأسبوع.

وفي مذكرة حديثة أرسلها لعملائه، واطلع عليها "العربي الجديد"، اعتبر مركز الأبحاث كابيتال ايكونوميكس، أن أرقام الوظائف الجديدة ليست شديدة السوء، "إلا أنها لو وضعت بجانب الأرقام المعدلة للشهر السابق، فإنها تمثل علامة جديدة على تباطؤ النمو الاقتصادي".


لكن مركز الأبحاث الشهير رأى أن "البنك الفيدرالي سينتظر علامات أخرى قبل التدخل"، مؤكداً استمرار قناعاتهم بقيامه بتخفيض معدلات الفائدة قبل نهاية العام الحالي.

وعلى حسابه في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أشار الاقتصادي العالمي محمد العريان، إلى تغيرات أسعار الأسهم ومعدلات العائد على سندات الخزانة بعد الإعلان عن بيانات سوق العمل، وقال إنها تأكيد جديد على أن "الأخبار السيئة هي أخبار جيدة"، حيث ساهمت بيانات وزارة العمل في تزايد احتمالات قيام البنك الفيدرالي بتخفيض معدلات الفائدة، أطلق عليها العريان اسم "تخفيض تأميني"، وارتفاع أسعار الأسهم. 

من ناحية أخرى، قلل دين بيكر، كبير الاقتصاديين بمركز أبحاث السياسة والاقتصاد بواشنطن، والمعروف بمعارضته الشديدة لسياسات ترامب الاقتصادية، من أهمية بيانات وزارة العمل، وقال السبت إنه لا يرى ركوداً قوياً في الأفق، لكنه توقع تباطؤ نمو الوظائف ومعدلات الأجور، وأضاف "ضعف نمو الوظائف لا يعد ركوداً".

وتسببت سياسات ترامب الحمائية، والتعريفات التي فرضها على أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، والتعريفات الانتقامية من البلدان الأخرى، في تأثيرات سلبية على العديد من الجبهات في الولايات المتحدة، من انخفاض الصادرات الزراعية، وانخفاض الطلب على الآلات والمعدات، وتأجيل الشركات لإنفاقها الاستثماري، وأيضاً تراجع معدلات التجارة العالمية.

لكن من المؤكد أن موقف البنك الفيدرالي أفضل من موقف نظيريه في أوروبا واليابان، اللذين لا يملكان مساحة كبيرة لتخفيض معدلات الفائدة، حيث تتركز فيهما نسبة كبيرة مما قيمته 11 تريليون دولار من السندات، تمثل حوالي خمس السندات المتداولة حول العالم، يقل العائد عليها عن صفر بالمائة.

دلالات

المساهمون