من سيربح معركة رئاسة المركزي الأوروبي؟

من سيربح معركة رئاسة المركزي الأوروبي؟

12 يونيو 2019
فيدمان مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (Getty)
+ الخط -

تترقب أوساط المال العالمية الإعلان عن اسم الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي مع قرب انتهاء فترة الرئيس الحالي ماريو دراغي، وتأتي أهمية المنصب ليس لكون البنك الأوروبي ثاني أقوى بنك مركزي في العالم ويعبر عن اقتصاديات 19 دولة أعضاء بمنطقة اليورو، لكن بسبب التحديات المالية والاقتصادية الكبرى التي تواجه أوروبا.

وبحسب مصادر أوروبية قريبة من الملف، فإن سياسات الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي ستحدد، إلى حد كبير، مصير التمويل الإنفاقي للعديد من الدول الأعضاء في منطقة اليورو، من بينها اقتصادات لا تزال تعاني من المديونية المرتفعة والأزمات المصرفية وربما تتعرض للإفلاس ما لم تقدم لها المساعدات النقدية.

ومنذ انتهاء انتخابات البرلمان الأوروبي، يناقش قادة الاتحاد قوائم لملء الوظائف الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، وأهمها رئيس البنك المركزي الأوروبي.

وحتى الآن، يعد المرشح الألماني جينس فيدمان، الذي يرأس حالياً البنك المركزي الألماني المعروف اختصارا باسم "بندس بانك" Bundesbank الأوفر حظاً في خلافة ماريو دراغي على رئاسة المركزي الأوروبي.
ويعارض فيدمان بشدة سياسات التيسير الكمي وخفض سعر الفائدة الأوروبية. وهي سياسات تناسب الوضع الهش لاقتصاديات دول الجنوب في أوروبا. وعارض فيدمان في السابق سياسات "المعاملات النقدية الصريحة" التي نفذها دراغي لشراء السندات الحكومية. ومن المتوقع أن تعارض إيطاليا بشدة اختيار فيدمان، حيث تعتمد إيطاليا في تمويل الإنفاق بدرجة رئيسية على برامج التيسير الكمي وشراء السندات. وبحسب تقارير أوروبية، فإن هنالك حتى الآن نحو 10 مرشحين للمنصب.

ويرى محللون في صحيفة " فاينانشيال تايمز" أن اختيار الرئيس المقبل للبنك المركزي الأوروبي سيحدد إلى حد كبير مستقبل بقاء أو تفكك منطقة اليورو وسط تجاذب التيارات الشعبوية والأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدعو دولها للخروج من منطقة اليورو. وربما يهدد اختيار الرجل الخطأ لهذا المنصب المهم، حتى التماسك الأوروبي، خاصة في وقت ينعدم التعاون بين زعامة الاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبالتالي، ربما سيصبح اختيار الرئيس المقبل للبنك المركزي الأوروبي والدور الذي سيلعبه في حماية منطقة اليورو من التفكك، أهم من ملف "بريكست" أو حتى علاقات التجارة الأميركية الأوروبية.


لذا يشدد الخبير الاقتصادي بمصرف "إي أف جي" بسويسرا، ستيفن غيرلاش، على ضرورة ألا تخضع معركة اختيار خليفة للرئيس الحالي ماريو دراغي للعوامل السياسية وتنافس الدول على ملء المنصب، وإنما للعوامل النقدية والاقتصادية والكفاءة والقدرة على اتخاذ قرارات جريئة وسريعة للتعامل مع الأزمات المالية.

ويضيف غيرلاش في مقال بنشرة "بروجكت سيندكت" المتخصصة، أن الأزمة الاقتصادية أو المالية التي تعاني منها منطقة اليورو تحتاج إلى مصرفي كفؤ لديه رؤية واضحة حول ما يجب القيام به، ولديه الثقة في اتخاذ إجراءات حاسمة. كما يجب أن يكون لديه فهم مباشر للمشاكل التي قد تنشأ في الاقتصادات الضعيفة، خاصة في كل من إيطاليا واليونان.

ويشير في هذا الصدد، إلى أن أحد الأسباب التي أدت إلى نجاح مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، في الاستجابة وبسرعة وفعالية للأسواق بعد انهيار مصرف "ليمان براذرز" في سبتمبر/أيلول 2008، هو أن رئيسه، بن برنانكي، قضى معظم حياته المهنية كأستاذ للعلوم الاقتصادية وكان يقوم بتدريس أخطاء السياسة النقدية التي ارتكبت خلال الكساد العظيم.

وبالتالي، يقول غيرلاش إنه "لو لم ينجح برنانكي في التعامل مع الأزمة المالية لكان يمكن أن يفلس الاقتصاد العالمي بأكمله وليس الاقتصاد الأميركي فقط". ومن هنا تنشأ خطورة اختيار رئيس البنوك المركزية الكبرى على أساس الوزن السياسي للدول أو الاحزاب.

من جانبه، يرى مدير الأبحاث السابق في البنك الأوروبي المركزي، لوكريزا ريشلين، في مقال بنشرة "بروجكت سيندكت"، أنه "في حال وقع تباطؤ اقتصادي جديد بمنطقة اليورو، سيكون على البنك المركزي الأوروبي أن يدفع بحزمة من السياسات غير التقليدية".

وبينما تحتدم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تتعقد مهمة البنك المركزي الأوروبي في التعامل مع التحديات المالية بمنطقة اليورو. ويعارض فيدمان، سياسة التيسير الكمي وشراء السندات، وهي السياسة التي ساهمت في إخراج أوروبا من الركود.

ويلاحظ ان المركزي الأوروبي سعى خلال السنوات الماضية نحو تشجيع النمو الاستهلاكي عبر خفض معدل الفائدة الأساسية، التي تبلغ حالياً 0%، وبالتالي فإن مساحة المناورة المتوفرة للبنك الأوروبي تبدو ضيقة ولا تتناسب مع مبادئ فيدمان النقدية المتشددة. 


وعلى الرغم من ان البنك الأوروبي يخاطر بهروب المستثمرين من سندات الدول الضعيفة في المنطقة عبر الفائدة المنخفضة، إلا ان رفع الفائدة لايتناسب مع حجم المديونية المرتفعة لاقتصادات منطقة  اليورو.

ومن بين المهام التي ستواجه الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي ابتداع سياسات نقدية جديدة تتخطى السياسة الحالية التي تعارضها بعض الدول الغنية وتستجيب لاحتياجات الدول الأوروبية.

وتعارض ألمانيا الاستمرار في سياسات التيسير الكمي، كما تعارض الاستمرار في شراء الدين الحكومي بلا حدود. كما تعترض دول مثل إيطاليا على تحديد نسبة معينة للعجز في الميزانية.

ويقول ريشلين إن من بين السياسات التي يجب على البنك المركزي الأوروبي إلغاؤها، هدف التضخم وأن يكون أقل من 2%.

وتبنى البنك الأوروبي هدف التضخم في فترة التسعينيات، ليضمن لألمانيا أنه سيتعامل بحزم مع الأسعار، ولكنه انتهى إلى ضرب القوة الشرائية التي يحاول حالياً تحفيزها عبر نسبة الفائدة السالبة.

وترى دول، مثل اليونان، أن سياسات المركزي الأوروبي تحول دول الاقتصادات الضعيفة إلى حديقة خلفية للاقتصاد الألماني. 


وتمكنت الشركات الألمانية من شراء معظم الشركات الفاشلة في أوروبا خلال العقد الماضي، كما تعود غالبية القروض في دول أوروبا التي عانت من الإفلاس إلى البنوك الألمانية والفرنسية.

ويرى المحلل مارتن وولف، في مقاله لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي يجب أن يكمل مهمة تحويل البنك من مؤسسة تخدم مصالح اقتصادات معينة في أوروبا إلى مؤسسة مالية تخدم الاقتصادات المتنوعة".

دلالات

المساهمون