"الأصمّ" الكوري...واجه التحديات وحقق فوزه الأول بلعبة التنس

"الأصمّ" الكوري...لغة التنس تُلعب ولا تُسمع

21 اغسطس 2019
حقق الكوري فوزه الأول في منافسات التنس (Getty)
+ الخط -

لم تتوقع جماهير التنس أن يُحقق اللاعب الكوري الجنوبي الأصم لي داك-هي فوزه الأول في المنافسات، ليترك بصمة تاريخية غير مسبوقة. كوفئ داك في النهاية على الحياة الصعبة وتقدمه خطوة خطوة نحو الأمام من أجل الوصول إلى القمة.

البداية الصعبة
لم يُشجع محيط لاعب التنس الكوري الجنوبي لي داك على تقدمه وحذروه لأنه لن يصل إلى أهدافه المرجوة في النهاية، لكن إصرار هذا اللاعب الذي يُعاني من مشكلة "الصمم" واجه الجميع دون أن يسمع أحدا وقاتل من أجل تحقيق فوزه الأول بصمت ولم يكترث لكل التحذيرات.

بهذه الكلمات تحدث داك-هي أمام وسائل الإعلام عن رحلة صعبة قبل تحقيق فوزه الأول: "لقد سخروا من إعاقتي. قالوا لي إنني لا يجب أن ألعب. كانت الأمور صعبة جداً، لكن أصدقائي وعائلتي ساعدوني لكي أتقدم وأردت إظهار أنني قادر على تحقيق ذلك للجميع. رسالتي لكل من يعاني من مشكلة ألا يتوقف عن تشجيع نفسه، إذا اجتهدت لنفسك فيمكنك فعل أي شيء".

وُلد لي داك-هي في قرية كورية صغيرة بعدد سكان ضئيل. كان يُحب التنس كثيراً ويريد تطوير نفسه بغية الوصول بعيداً في هذه الرياضة. ولحسن حظه كانت الخطوة الأولى أشبه بحلم، إذ إن دوغ ماكوردي المدير السابق لقسم تطوير المواهب في الاتحاد الدولي للتنس، كان موجوداً في كوريا عندما قدم الطفل داك لي نفسه في ملاعب التنس. ويقول ماكودري عن اللاعب الكوري: "أنا أتذكره جيداً، لقد كان من بين الأطفال الذين أظهروا تقدماً كبيراً في التنس من خلال طريقة تدريبه. لقد كان أيضاً ودوداً وصديقاً لجميع الأطفال الموجودين معه".

التغلب على الصعوبات
يشرح عالم الكيمياء الحيوية الرياضية في معهد سنغافورة الرياضي، رايان هوديرني، عن تجربة داك-هي كونه رياضيا أصم وكيف يتعامل مع هذه الصعوبات التي تواجهه وستواجهه في المستقبل. يقول هوديرني: "عليه أن يُركز في نظره فقط، إحساسه بالمكان يجب أن يكون كبيرا مع تركيز مثالي، وذلك من أجل تدارك مشكلة عدم سماع صوت الكرة وهي تُضرب. ومن المعروف أن غياب حاسة واحدة يرفع نسبة الحساسية لدى الحواس الأخرى بشكل كبير".

بالنسبة للاعب التنس العادي، الأمور كلها طبيعية، صوت الجمهور، صوت الكرة، صوت المضرب، كل شيء واضح ومسموع، لكن بالنسبة لرياضي أصم لا يمكنه سماع شيء ماذا يفعل؟ كيف يتأقلم مع هكذا ظروف صعبة؟ في هذا الإطار، يتحدث براين إيلهيرز المختص بعالم الرياضيين الصمّ، وهو الذي كان أول لاعب كرة طائرة أصم يخوض مع منتخب أميركا برنامجاً رياضياً خاصاً للمشاركة في أولمبياد 1980 و1984.

وشرح إيلهيرز التفاصيل: "من الحقيقي أن الرياضي الذي يفقد أيا من حواسه يكتسب أفضلية، إذا تم استعمالها، وهنا يأتي دور الحواس الحسية (اللمس والعين) والعقلية لتلعب دوراً كبيراً، إذ إن الجسم يجد سُبلاً أخرى للتعامل مع فقدان إحدى الحواس".

وتابع إيلهيرز: "نعم، الرياضي الأصم يُركز أكثر ويُصبح أكثر إبداعاً، إذ إنه يجد طريقا لاستعمال حواسه الأخرى بطريقة أفضل ويُرتب كل تصرفاته وفقاً لهذا الأمر". وهنا يتفق الكوري داك لي مع إيلهيرز عندما قال أمام الصحافيين: "مشكلة سمعي تساعدني على التركيز على طريقة لعبي والمباراة".

التحدي وإثبات النفس
يُعاني الرياضي الأصم من مشاكل كثيرة منها الاندماج في المجتمع بشكل طبيعي وتحقيق الإنجازات في الحياة بسهولة، وبالتالي تُصبح لديه رغبة كبيرة واندفاع أكثر بغية تحقيق النجاح وإثبات النفس في المجتمع. يسعى الرياضي الأصم لكسب احترام الجميع وتقديم كل شيء أمام الجماهير وتأكيد حضورهم في كل مكان وزمان دون خوف.

لم يستسلم داك-هي رغم كل الصعوبات، وها هو يدخل تاريخ بطولات رابطة محترفي التنس (ATP) بعد أن أمسى أول لاعب أصم يفوز في مباراة وذلك في الدور الأول ببطولة وينستون-سالم المفتوحة على حساب السويسري هنري لكسونني. واستطاع صاحب الـ 21 عاما أن يحسم مواجهته أمام لاكسونين خلال ساعة و46 دقيقة بنتيجة (7-6)، (7-4) و(6-1)، ليخرج بعد المواجهة ويقول للعالم كله أمام الكاميرات: "لقد سئم الناس من إعاقتي. قالوا لي مراراً إنه يجب ألا أمارس اللعبة.

رسالتي لأصحاب الإعاقة السمعية هي ألا يتركوا أنفسهم لليأس. إذا تمتعت بالقوة، بإمكانك تحقيق أي شيء". وسيلتقي لي داك، الذي دخل تاريخ اللعبة بالفعل حتى وإن لم يكمل مسيرته في البطولة، في الدور الثاني مع البولندي هوبرت هوركاتش. وفي تفاصيل المباراة لم يكن بمقدور اللاعب الكوري أن يسمع قرارات حكام الخط أو حكم الكرسي، وكان يعتمد على الإشارات للحصول على المعلومة.



وعليه، من هنا فصاعداً سيكون اللاعب داك لي محط أنظار الجميع في ملاعب التنس، ليس لأنه أصم وحقق هدفه الأول رغم كل التكهنات بأنه لن يصل إلى مبتغاه، بل لأنه تمتع بمُميزات الرياضي المُقاتل الذي لا يتراجع بسهولة ولا يتوقف مهما كلف الأمر حتى لو كان يُعاني من إعاقة جعلته مختلفاً عن الرياضيين الآخرين.

يحتل داك-هي اليوم المركز الـ 305 في التصنيف العالمي للرجال وسيُحاول شق طريقه بنجاح نحو أول 200 لاعب، وبعد ذلك أول 100 لاعب ولم لا دخول قائمة أول 50 لاعباً في التنس وبالتالي يكون أول لاعب "أصم" يُحقق هذا الإنجاز التاريخي الغير مسبوق، فهل يُتابع لي طريقه بنجاح أم أن مشكلته ستُعقد مهمة التنافس وسيخسر المباريات في المستقبل بسبب الصعوبات؟

دلالات

المساهمون