هل يواجه اليمين المتطرف مصير "داعش" على الإنترنت؟

هل يواجه اليمين المتطرف مصير "داعش" على الإنترنت؟

25 مارس 2019
سقط 50 قتيلاً في اعتداء نيوزيلندا (أنتوني والاس/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال الجدل محتدماً إزاء الدور الذي تؤديه شبكات التواصل الاجتماعي في مكافحة الدعاية اليمينية المتطرفة، بعدما وثق منفذ مذبحة المسجدين في نيوزيلندا برنتون تارانت، جريمته في أحد المسجدين عبر فيديو مباشر مدته 17 دقيقة على "فيسبوك"، ولاقى انتشاراً واسعاً على منصات أخرى للتواصل الاجتماعي أبرزها "يوتيوب" و"تويتر" و"ريديت".

وكان قد سقط 50 قتيلاً وعشرات الجرحى، في اعتداءٍ إرهابي على مسجدي "النور" و"لينوود" في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، في 15 مارس/ آذار الحالي، على يد المتطرف الأسترالي الذي أرفق جريمته بـ "مانيفستو" من 74 صفحة، لتبرير المجزرة التي ارتكبها.

وأدركت الحكومات حول العالم خطة منفذ الاعتداء، الذي نجح في تحويل جريمته إلى حدث على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر أحداثها بشكل "فيروسي"، ما دفعها إلى الضغط على الشركات التكنولوجية العملاقة، وأبرزها "غوغل" و"فيسبوك" و"تويتر"، لمضاعفة جهودها في مكافحة خطاب الكراهية والعنف على المنصات التابعة لها.

وبينما نجحت المنصات التكنولوجية سابقاً في مواجهة نشاط تنظيم "داعش" الإرهابي، فإنها تبدو أقل استعداداً وأبطأ في التصدي لخطاب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

ويعزو خبراء، الضعف في هذا المجال إلى صعوبة رصد الخطاب اليميني عبر شبكة الإنترنت، الذي لا يملك قاموساً موحداً للمصطلحات، ويموّه في شكل نكات ملتبسة تصعب من اتخاذ القرار بشأن مطلقيها، ويرى آخرون أن الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي لا تتعامل بالجدية المطلوبة أصلاً مع خطر الخطاب اليميني المتطرف.

دعاية اليمين المتطرف تتفوق على "داعش"
وسط حملة القمع التي شنتها الشبكات الاجتماعية على دعاية "داعش"، كانت "بروباغندا" اليمين المتطرف تزدهر على المنصات نفسها. إذ ازداد عدد متابعي هذا النوع من الحسابات في الولايات المتحدة الأميركية بأكثر من 600 في المائة منذ عام 2012، وفقاً لدراسة أجرتها "جامعة جورج واشنطن" عام 2016. ووفق الدراسة نفسها، فإن نموّ الحسابات النازية واليمينية البيضاء على موقع "تويتر" فاق تلك الخاصة بـ "داعش". ويعود ذلك جزئياً إلى مواجهتها تدقيقاً أقل.

ولفتت الدراسة نفسها إلى أن الجماعات المتطرفة المختلفة تعلمت من "داعش" في رسم استراتيجيتها الرقمية الخاصة، وتجنب الأخطاء التي وقع فيها التنظيم والتعلم من نجاحاته.
والاستراتيجية الرقمية برزت واضحة في "مسرحة" اعتداء نيوزيلندا الإرهابي. فدعا المنفذ متابعيه عبر منصتي "تويتر" و"8 تشان" 8chan إلى نشر رسالته عبر الـ "ميمز" memes والـ "شيتبوتسنيغ" shitposting، وهي كلمة عامية تعني نشر كمية ضخمة من المحتوى المنخفض الجودة الخالي من المعنى على شبكة الإنترنت.

وفعلاً، استجاب المتابعون. إذ أفادت شركة "غوغل" بأن 1.2 مليون فيديو حُظر أثناء التحميل خلال الساعات الـ 24 التي تلت بث الاعتداء مباشرة عبر "فيسبوك". خلال الفترة الزمنية نفسها، حذفت "فيسبوك" 1.5 مليون فيديو وثّق الاعتداء حول العالم.

وكانت أنظمة شركة "فيسبوك" فشلت في التقاط الفيديو الأول الذي عرض عبر موقعها، ولم تلاحظه إلا بعد تحذير تلقته من الشرطة النيوزيلندية. الفشل في رصد الفيديو أعاد تسليط الضوء على وعود الشركة المتكررة بالتصدي للخطاب المتطرف على منصاتها. وعيّنت أخيراً عشرات الآلاف من منسقي المحتوى في إطار جهودها هذه.

كما استثمرت خدمة "يوتيوب" التي تملكها "غوغل" في المراقبين البشريين، لحذف الفيديوهات المسيئة. وبالنسبة لفيديو منفذ مذبحة المسجدين، أشارت "يوتيوب" إلى أن "فيديو واحد كان يُحمّل كل ثانية على المنصة". وقد حذفت "غوغل" عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو وعلقت مئات الحسابات.

أما "تويتر" فأعلنت "مراقبة وإزالة أي محتوى يصور المأساة فور رصده".



ما الذي يصعّب ملاحقة المحتوى اليميني المتطرف؟
رأى محللون أن جزءاً من تقصير المنصات التكنولوجية، سببه صعوبة رصد المحتوى اليميني المتطرف الذي يتخفى في نكات و"ميمز". وقالت المتخصصة في "معهد الحوار الاستراتيجي" في لندن جوليا إبنر لشبكة "سي إن إن"، إن "الشبكات المتطرفة اليمينية بارعة في التحايل على التشريعات القائمة (السياسات والممارسات على المنصات). وتستخدم السخرية في نشر الأفكار البغيضة وإخفائها وراء الصور الساخرة والنكات".

في المقابل، تبدو رسالة "داعش" سهلة الالتقاط، لأنها تكرر كلمات ومصطلحات معينة لا تظهر في محتوى آخر، ما سهل على منصات التواصل الاجتماعي إنشاء "قائمة سوداء" تضم هذه الكلمات، إلى جانب وسوم معينة بلغات متعددة وأيقونات خاصة وغيرها، ومن ثم تعقبها وحذفها.

يذكر أن "يوتيوب" و"فيسبوك" و"مايكروسوفت" و"تويتر" أطلقت منصة مشتركة عام 2016، بضغط من المشرعين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، لتعقب البصمات الرقمية الخاصة بالصور المتطرفة. وهدفت إلى تعيين المحتوى الذي يبث دعاية "داعش" وحذفه، وفي بعض الحالات منع حساب معين من إمكانية النشر مجدداً.

بعيداً عن نقاط الضعف التقنية
إذا سلّمنا جدلاً بتطوير خوارزمية متطورة، قادرة على رصد الخطاب المتطرف والتحكم بانتشاره، فإن شركات التكنولوجيا عليها في المقام الأول الالتزام، أي تحمّل مزيد من المسؤولية بصفتها "ناشرة"، ما يفرض عليها مزيداً من الإشراف وحذف المحتوى قبل أن يؤدي إلى العنف أو التنمر.

وللمفارقة، فإن المنصات تجاهلت هذا النوع من المحتوى المتطرف "المحلي" حتى جريمة شارلوتسفيل الأميركية، في 12 أغسطس/ آب عام 2017، حين قام شاب من مؤيدي النازيين الجدد بدهس حشد من المتظاهرين ضد العنصرية في شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا، ما أدى إلى مقتل امرأة شابة تدعى هيذر هاير (32 عاماً) وإصابة 19 شخصاً بجروح.

وحظرت حينها حسابات عنصرية بيضاء عديدة على منصات مختلفة، بما فيها أحد مواقع النازيين الجدد الأكثر نفوذاً على الإنترنت: "دايلي ستورمر".