Arctic Monkeys... دعوة إلى النظر خلف الكواليس

Arctic Monkeys... دعوة إلى النظر خلف الكواليس

10 يونيو 2023
تتشابك في الأغاني معضلات الطفولة والبحث عن الرضا الفنّي (بابلو غالاردو/Getty)
+ الخط -
فاقت مبيعات أشرطة الكاسيت 195 ألف شريط في بريطانيا لعام 2022، وفقاً لبحث أجرته مجموعة صناعة الصوتيّات البريطانية، وهو الرقم الأعلى منذ عقدين، بعد سطوة الوسائط الأخرى، ولا سيّما التدفقيّة على المجال الموسيقيّ، إذ انحدرت المبيعات عام 2013 إلى 3823 شريطاً داخل المملكة المتحدة.
هناك عوامل عدّة لهذه العودة، تتمثل في مزيج من الحنين والرغبة في الاقتناء، إضافة إلى قلّة الوفرة، على نقيض من تطبيقات الاستماع الرقميّ وميّزاتها الأساسية من سهولةٍ في التنقّل بين المقطوعات أو ضمنها، وتحكّم الخوارزميات بما تقترحه للمستخدم، كذلك جانبٌ اقتصاديٌّ يجعل الكاسيت رديفاً لأسطوانات الفينيل بالنسبة للفئات العمرية الشابّة. العالم الآخر محدود، لا يوفّر معادلاً بصريّاً أو محطّاتِ تنقّلٍ واضحةً، ويتطلّب الانتقال إلى الوجه الآخر في منتصف الرحلة، لكنّه أقرب إلى المُنجز الفنّي الأصلي، من دون تدخلاتٍ تفرضها طريقة الاستهلاك.
احتلّ ألبوم The Car لفرقة Arctic Monkeys المرتبة الأولى في مبيعات الكاسيت لعام 2022. وتمكّن، رغم صدوره في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من التفوّق على ألبوميّ هاري ستايلز وفرقة Florence + the Machine الصادرين في وقت سابقٍ خلال السنة. وتشير هذه الحالة إلى أنّ معظم مبيعات الكاسيت هي لأعمالٍ جديدة، ما يعكس وجود قاعدةٍ جماهيريّةٍ تتعامل بشكلٍ أوثق من الاشتراك وتفعيل الجرس.

فتيان شفيلد يهزّون العالم

بدأت الفرقة نشاطها عبر الإنترنت عام 2002، بنموذجٍ ثوريٍّ في الترويج عبر موقعها الإلكتروني، قبل أن تلفت أنظار الاستوديوهات المُنتجة، وتصدر أول ألبوماتها عام 2006، ليصبح فتيان مدينة شفيلد، وقد بلغوا العشرين عاماً، أصحاب الألبوم الأكثر سرعةً في نمو المبيعات لفرقة جديدة في بريطانيا. امتدّ الصخب لعقدٍ من الزمن، أصدرت خلاله الفرقة خمسة ألبوماتٍ لاحقة نال كلٌّ منها نصيباً وافراً من النجاح، وحقق آخرها A.M نجاحاً مهولاً، مكّن الفرقة من احتلال مكانةٍ عالميةٍ كفرقة روك معاصرة، تنهل كلماتها من مشارب أدبيّة واقعيّة، ولا تخفي تأثّرها الموسيقيّ بمرحلة الستينيات.
جاء الألبوم السادس صادمًا لمعظم جمهور الفرقة، وانتقل أليكس تيرنر، رجل الفرقة الأساسي، من صوغ نغمات صاخبة متتالية على الغيتار الكهربائي إلى مجالٍ أوسع، بإيقاع متعدد الطبقات وتنويعات صوتيّة على الكيبورد. انقسم متتبّعو الفرقة بين مؤيّد مواكب لما تحاول الفرقة صنعه، وجزء آخر أكثر تعلّقًّا بما عهده، ويتطلّع -مجدّدًا- إلى إيقاع راقص جاذب سريع وكلمات موحية تتسم بالمباشرة والحميميّة. تحدث تيرنر عن النقلة، مؤكّداً أن الغيتار بات قاصراً عن صوغ الألحان الجديدة للفرقة.
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوميّة الألبوم، حينها، استلزمت الاقتراب من السكينة، كما في عنوان الألبوم Tranquillity Base Hotel & Casino. حمل هذا الأخير ملامح من تجربة ديفيد بوي، وتأثيراتٍ من أنواعٍ موسيقيّةٍ لم تقترب منها الفرقة سابقاً، كالسول والجاز، وحققت به رؤيةً لموسيقى القاعات في فندقٍ فضائيٍّ متخيّل، بينما لم يُحسم بوضوحٍ إن كانت الفرقة ستغادر نوعها الأثير، أم أنهم ذهبوا بتجربةٍ بديلةٍ لن تتكرر.

الألبوم الجديد

يستهل الألبوم كلمات أولى أغانيه There’d Better Be a Mirrorball بطلبٍ من المستمع ألّا يكون شاعريّاً، وتتضح فحوى الطلب بداية الأغنية الثانية I Ain’t Quite Where I Think I Am مع قرع طبولها المشابه لأشهر أغاني الفرقة ?Do I Wanna Know قبل أن يستحوذ تأثير Wah-Wah عبر الغيتار على مساحة الأغنية.
بخلاف ذلك، يسلك الألبوم مساراً متفرّعاً عن سابقه. تقدّم الفرقة مقترحاً موسيقيّاً يترسّخ ويمنح تجربة أفضل مع تكرار الاستماع، ويتيح فرصةً للمُنصِت أن يملأ فراغات الأصوات ويتوقع الخفوت والظهور، بينما تضبط الموسيقى اختلالاتها مع ذروة كل تسجيل. يدعو المُنتج الجديد الجمهور لنظرةٍ خلف الكواليس، حيث تتشابك معضلات الطفولة والبحث عن الرضا الفنّي. إذن، مزيد من التجريب رفقة الأوركسترا أو الغيتار الخشبي، وجسارة في اختيار كلمات الأغاني، لا سيّما بداياتها، في اختبار لتماشي المستمع مع الرحلة، فتعاكس الكلمات بحدّيتها وغرابتها الفضاء الموسيقي الهادئ الذي يوحي بالرومانسية. فوق هذا كله يطفو، صوت تيرنر بين المؤثرات والإيقاعات المنتظمة.
يمكن النظر إلى بعض الأغاني على أنها تعالج مشاكل العلاقات وفراق الأحبّة، إلّا أنّ كنايات النص كثيفة الحضور، وترتّب أكثر من معنىً للجملة الواحدة. أبرز الأمثلة تأويلات السيارة في عدّة أغانٍ من الألبوم.

المحطة التالية

تؤكد الفرقة أنها ما تزال تتبع إحساسها الأول، إنما بمهاراتٍ جديدةٍ وقدراتٍ موسيقيّةٍ أعلى، من ناحية التأليف والتحرير والعزف، مع تلقائيةٍ مستمرةٍ وطروحاتٍ ثريةٍ، ترصد جوهر الثقافة العامّة وعلاقة الفنان بجمهوره، والرغبة الدائمة بالابتعاد عن المتوقّع. كما يدحض الألبوم تفسيراتٍ تتعلّق بكون المنجَزين الأخيرين للفرقة أكثر قرباً وفردانيةً للمغني الرئيسي تيرنر، بينما تفتقر للاهتمام من بقية أعضاء الفرقة بأغنية Big Ideas، حيث تصف البدء بتحضير العمل الجديد وتحمّس العازفين، قبل أن تحيطهم الأوركسترا ويعجزوا عن البدء. وتستفيض أغنية Body Paint في توصيف هذه الحالة، مستقصيةً هواجس الفنان عند لقائه جمهوره، فهل يركن للزيف الذي عهده المعجبون، وإن أزاله ألن يترك بُقعه في كلٍّ تفصيل؟
جنح تيرنر خلال مسيرته مع الفرقة لمشاريع جانبية مثل فرقة The Last Shadow Puppets، رفقة المغني مايلز كين، إلى جانب محاولةٍ فرديّةٍ في مجال الموسيقى التصويرية ضمن فيلم Submarine عام 2010، وتظهر تأثيرات هذه التجارب بشكلٍ جليٍّ ضمن ألبوم The Car الذي يمكن وصفه بالقصَصي، بعد أن تمكّنت الفرقة من اتخاذ القالب المناسب لتضمين هذه الجوانب الموسيقية، وأسلوب الروي في تطوّرها الشيّق، وهنالك الكثير من الترجيحات بأنّ الفرقة ستتولى تأليف موسيقى فيلم "جيمس" بوند القادم.

المساهمون