نساء على الشبكة: تمييز وتحرش وعنف

نساء على الشبكة: تمييز وتحرش وعنف

29 ابريل 2023
إمكانية دخول الرجال إلى الإنترنت أعلى بنسبة 21% (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

صحيح أن الإنترنت فتح أبواباً ومجالات غير مسبوقة أمام الأشخاص من المستويات الاجتماعية والاقتصادية كلها في مناطق العالم كافة، لكن الأبحاث والبيانات تظهر استمرار الفجوة الكبيرة بين الجنسين على الشبكة. وصول النساء إلى الإنترنت أقل، إذ يزيد احتمال اتصال الرجال بالإنترنت بنسبة 21 في المائة على مستوى العالم. وحين تكون الشبكة متاحة للنساء، فإنهن يتعرضن أكثر للمضايقات والإساءات ويكونن، عامة، أقل أماناً من الرجال.

أفاد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الخميس، بأن الإنترنت غير مُتاح لـ90 في المائة من المراهقات والشابات في أكثر الدول فقراً، وهي نسبة أعلى من تلك الخاصة بالذكور ضمن الفئة العمرية نفسها. عام 2020، أشارت "يونيسف" والاتحاد الدولي للاتصالات إلى أنّ 37 في المائة فقط من الفئة العمرية الشابة، أي الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً في مختلف أنحاء العالم، مُتاح لهم استخدام الإنترنت في منازلهم. إلّا أنّ النسبة التقديرية هذه "تخفي تفاوتات كبيرة بين الذكور والإناث، تتعلق بإتاحة المعدات واستخدام الإنترنت والمهارات الرقمية داخل الأسر"، على ما ذكر تقرير "يونيسف" الأخير.

ودرست منظمة الأمم المتحدة للطفولة بيانات لاستخدام الإنترنت متأتية من استطلاعات أُجريت في 54 بلداً، وتحديداً في الدول ذات الدخل المنخفض وبعض البلدان متوسطة الدخل. وأتت النتيجة بأنّ "90 في المائة من المراهقات والشابات اللواتي تراوح أعمارهنّ بين 15 و24 عاماً (نحو 65 مليون شخص) في البلدان المنخفضة الدخل، لا يستخدمن الإنترنت، مقارنة بـ78 في المائة من المراهقين والشبان من الفئة العمرية نفسها (نحو 57 مليوناً)".

وقال مدير التعليم في "يونيسف" روبرت جينكنز، في بيان، إنّ "سد الفجوة بين الرقمين لا يتطلب إتاحة الإنترنت والتكنولوجيا فحسب، بل أيضاً تمكين الفتيات ليصبحن مبتكرات ومبدعات وقائدات". وعلى الرغم من أنّ الفتيات يتمتّعن عموماً بمهارات مرتبطة بالقراءة أفضل من الصبيان، فإن ذلك لا يُترجَم في المجال الرقمي، بحسب التقرير. وأشارت "يونيسف"، في التقرير نفسه، إلى أنّ "المراهقات والشابات في هذه البلدان يُهمَلن في ما يخص المعرفة الرقمية"، مؤكدةً أهمية البيئة الأسرية والتعليم في هذه الحالة. وقال جينكنز: "إذا أردنا معالجة انعدام المساواة بين الإناث والذكور في سوق العمل، وتحديداً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ينبغي أن نبدأ فوراً بمساعدة الفئة الشابة وخصوصاً الفتيات، حتى يكتسبن مهارات رقمية".

والفتيات هن الأقل احتمالاً في الحصول على فرص لتطوير المهارات اللازمة للتعلم والتوظيف في القرن الحادي والعشرين، وفقاً للتقرير. عبر 32 دولة وإقليماً، يقل احتمال تمتع الفتيات بالمهارات الرقمية بنسبة 35 في المائة مقارنة بأقرانهن الذكور، بما في ذلك الأنشطة البسيطة، مثل نسخ الملفات أو المجلدات، أو لصقها، أو إرسال رسائل البريد الإلكتروني، أو نقل الملفات.

ولفت التقرير إلى أنّ الفجوة واسعة في ما يتعلق بإتاحة الهواتف المحمولة أيضاً. ففي البلدان الـ41 التي شملتها الدراسة، كانت الفتيات والنساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً "محرومات بصورة كبيرة" من الهواتف، مع احتمال امتلاكهنّ هاتفاً محمولاً تصل نسبته إلى 13% بمعدل وسطي، وهو "ما يحد من إتاحة المجال الرقمي لهنّ"، وهو أمر ضروري في اقتصاد القرن الحادي والعشرين.

هذه الفجوة ليست إلا واحدة من المشاكل المتعلقة بوجود النساء، أو عدمه، على شبكة الإنترنت. ماذا يحصل إذاً حين يكون الإنترنت متاحاً للفتيات والنساء؟ عام 2020، حذّر مخترع شبكة الويب العالمية تيم بيرنرز-لي من أن الشبكة "لا تعمل بالشكل المطلوب" للنساء، بل تغذّي حقبة جديدة من الانتهاكات بحقّهن. وفي تقييم قاتم نشرته "وورلد وايد ويب فاونديشن"، وهي منظّمة أسّسها بيرنرز-لي للدفاع عن مجانيّة الشبكة العنكبوتية وانفتاحها أمام الجميع، أشار إلى أن هناك "منحى خطيراً" من الانتهاكات يهدّد أي تقدّم في مجال المساواة بين الجنسين. وكتب: "الشبكة لا تعمل بالشكل المطلوب للنساء والفتيات". وأضاف "لقد حقق العالم تطوّراً مهماً في مجال المساواة بين الجنسين، بفضل الملتزمين بهذه القضية في كلّ مكان. لكني أشعر بالقلق كون الأضرار التي تتعرّض لها النساء والفتيات عبر الإنترنت، لا سيّما ذوات البشرة الملوّنة والمثليات والعابرات جنسياً وغيرهن من الفئات المهمّشة، تهدّد هذا التطوّر".

وقال بيرنرز-لي، بالاستناد إلى استطلاع أجرته "وورلد أسوسييشن أوف غيرل غايدز أند غيرل سكوتس"، إن الانتهاكات كانت واسعة النطاق، إذ تبيّن أن "نصف النساء الشابات اللواتي شملهن الاستطلاع تعرّضن للعنف عبر الإنترنت". وسلّط الضوء على التمييز الذي يزداد انتشاراً، بحيث لا تستطيع نساء كثيرات الولوج إلى الإنترنت. واستند إلى الأبحاث التي أجرتها مؤسّسته الخاصّة، مشيراً إلى أن إمكانية دخول الرجال إلى الإنترنت أعلى بنسبة 21 في المائة من النساء، وترتفع هذه النسبة إلى 52 في المائة في البلدان الأقل نمواً في العالم. وأشار بيرنرز-لي إلى أن انعدام المساواة يهدّد "العقد من أجل الإنترنت"، وهي خطة عالمية أطلقها منذ سنة لمنع تحوّل الإنترنت إلى "ديستوبيا رقمية"، أي مجتمع خيالي فاسد ومخيف لا يرغب به أحد.

وفي المنطقة العربية الوضع ليس أفضل حالاً، ففي دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2021، وشملت المغرب وليبيا وتونس والأردن وفلسطين ولبنان والعراق ولبنان، وجدت أن شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي "تستخدم كأدوات لإلحاق الأذى بالنساء والفتيات وارتكاب أعمال العنف ضدهن". وخلصت إلى أن "الفضاء الرقمي لا يعتبر آمناً بالنسبة للنساء في العالم العربي"، إذ أبلغت نحو نصف مستخدمات الإنترنت في المنطقة عن عدم شعورهن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت، وكان هذا الشعور أكثر خطورة بين الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان (70 في المائة). 16 في المائة من النساء أبلغن عن تعرضهن للعنف عبر الإنترنت، لمرة واحدة على الأقل، و44 في المائة من النساء اللواتي تعرضن للعنف عبر الإنترنت واجهنه أكثر من مرة. 44 في المائة من النساء اللواتي أبلغن عن تعرضهن للعنف عبر الإنترنت قلن إن الحادث انتقل إلى خارج الشبكة. أكدت النساء اللواتي تعرضن للعنف عبر الإنترنت أنهن لم يحصلن على دعم، وهناك أدلة على أن ذلك ساهم في فرضهن رقابة ذاتية أو استبعاد أنفسهن كلياً من الفضاء الإلكتروني، فقد قامت أكثر من واحدة من كل 5 نساء (22 في المائة)، ممن تعرضن للعنف على الإنترنت، بحذف أو وقف حسابها، وأفادت أكثر من واحدة من كل 4 نساء (26 في المائة)، ممن تعرضن للعنف على الإنترنت، بأنهن كن حذرات بشأن ما ينشرنه على الإنترنت.

وعلى غرار أشكال العنف الأخرى، لا يزال هناك نقص في الإبلاغ عن العنف على الإنترنت، ومن ثم فإن إطلاع مستخدمي ومستخدمات الإنترنت على البروتوكولات وأماكن الإبلاغ عن حالات العنف ضد النساء والفتيات على الإنترنت والعنف الذي تيسره تقنيات المعلومات والاتصال، وكيفية الوصول إلى الخدمات الأساسية على الإنترنت، يشكل عنصراً عاماً في الاستجابات الوطنية لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات، وفقاً لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.

هذا الأسبوع، تحدثت خبيرات وناشطات من حول العالم، لشبكة سي أن أن، عن تصورهن لشبكة إنترنت يمكن أن تكون ملائمة للنساء. المستشارة في مجال الاتصالات أنجي كونتريراس قالت إنها تريد إنترنت حيث يمكن للنساء أن يعبرن عن آرائهن وينشرن صوراً لأجسادهن من دون خوف. وأضافت: "علينا أولاً الاستماع إلى النساء، وتوفير إنترنت حيث يمكنهن أن يكن مسموعات. وعلينا ثانياً أن نوفر إنترنت يستطعن فيه الاستمتاع بوقتهن، وفي الوقت نفسه دراسة أي موضوع يرغبن فيه. وثالثاً، نحتاج إلى عالم تتخذ فيه الشركات وموفرو الإنترنت والحكومات موقفاً ضد العنف الرقمي وتعمل من أجل منعه ومحاسبة مرتكبيه".

رئيسة مختبر المحاسبة الخوارزمي العالمي داميني ساتيجا قالت: "الإنترنت النسوي يمكن أن يساعد النساء في تعزيز قوتهن". وشرحت: من شأن الإنترنت النسوي أن يفكك ويعيد تخيل الهياكل الأبوية، وليس إعادة إنتاجها بمعدل متسارع. ستكون اللبنات الأساسية لهذه الإنترنت هي التقنيات التي تعزز نفس القوة والمقاومة التي تجدها النساء وأفراد مجتمع الميم مع بعضهم البعض في المجتمعات غير المتصلة بالإنترنت. هذا النوع من الإنترنت سيفهم أن النساء في جميع أنحاء العالم لسن كتلة متراصة، وأن الأنوثة أيضاً مقسمة إلى طبقات تؤثر عليها الأعراق والجغرافيات...".

أخريات قلن إنهن يردن إنترنت حيث يمكن محاسبة المنصات عن الانتهاكات التي يرتكبها مستخدموها بحق النساء، وإن هذه الشبكة يمكن أن تكون مساحة للنساء ليشكلن شبكة تضامن عالمية. وقالت أخرى إنها تريد إنترنت لا مكان فيه للاستعمار الرقمي.

المساهمون