"مراسلون بلا حدود": ضغوط سياسية على الصحافيين ودعاية متنامية

"مراسلون بلا حدود" تقيّم حرية الصحافة في 2024: ضغوط سياسية ودعاية متنامية

03 مايو 2024
وقفة للصحافيين الفلسطينيين في دير البلح، 2 مايو 2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "مراسلون بلا حدود" تحذر من تدهور حرية الصحافة عالميًا بسبب ضغوطات الدول والجهات السياسية، مع تصدر النرويج للتصنيف العالمي لحرية الصحافة 2024 وإريتريا في المرتبة الأخيرة.
- العام 2024 يشهد انتخابات كبرى مع تحديات التضليل الإعلامي واستخدام الذكاء الاصطناعي، وانتقاد لغياب الإرادة السياسية لحماية الصحافيين وسيطرة السلطات على منصات التواصل.
- التقرير يصنف المغرب العربي والشرق الأوسط كأخطر مناطق للصحافة، بينما تعتبر أوروبا الأكثر أمانًا، وتواجه الأميركتين وأفريقيا تحديات تؤثر على حرية الصحافة.

حذرت منظمة مراسلون بلا حدود من "التدهور المقلق في دعم واحترام استقلالية وسائل الإعلام، مقابل ارتفاع في الضغوط التي تمارسها الدول أو الجهات السياسية الفاعلة الأخرى على مهنة الصحافة وأهلها". وأشارت إلى "العدد المتزايد من الحكومات والسلطات السياسية التي لا تؤدي دورها المتمثل في توفير الإطار المناسب لضمان ممارسة الصحافة وحق المواطنين في الوصول إلى معلومات موثوق بها ومستقلة ومتعددة"، وذلك في في تصنيفها لحرية الصحافة للعام 2024 الذي نُشر اليوم الجمعة.

وتربعت النرويج على صدارة التصنيف الثاني والعشرين لحرية الصحافة الذي تعده "مراسلون بلا حدود"، فيما احتلت إريتريا المركز الأخير (180) لتحل محل كوريا الشمالية التي كانت في هذه المرتبة خلال السنتين السابقتين.

وبيّن تصنيف "مراسلون بلا حدود" أن ظروف ممارسة مهنة الصحافة سيئة في ثلاثة أرباع دول العالم. وفي أسفل الترتيب، حلّت دول "شهدت انخفاضاً مهولاً في مؤشر التقييم السياسي، وهي أفغانستان التي تراجعت 44 مرتبة على المستوى السياسي في ظل استمرار قمع الصحافة منذ عودة طالبان إلى السلطة، وسورية التي فقدت ثماني مراتب على سُلَّم التقييم السياسي، وإريتريا التي أصبحت تقبع في المركز الأخير في التصنيف العام وعلى جدول الترتيب السياسي كذلك، علماً أن وسائل الإعلام أصبحت تعمل في بيئة تعُمُّها الفوضى العارمة وينعدم فيها القانون في كل من سورية وإريتريا، حيث تُسجَّل أعداد قياسية من الصحافيين المحتجزين أو المفقودين أو الرهائن".

ونددت المنظمة غير الحكومية تحديداً "بغياب واضح للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحافيين". وأشارت إلى أن "الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 100 صحافي فلسطيني، علماً أن 22 منهم على الأقل لقوا حتفهم بإطار قيامهم بعملهم. ففي ظل الاحتلال الإسرائيلي وما يصاحبه من قصف وعمليات عسكرية، أصبحت فلسطين ضمن قائمة الدول العشر الأخيرة في العالم على مستوى أمن الصحافيين وسلامتهم". وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 141 صحافياً وناشطاً إعلامياً منذ بدء عدوانها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

التضليل الإعلامي في عام حافل بالاستحقاقات الانتخابية

يُعد عام 2024 أكبر عام انتخابي في التاريخ على صعيد العالم، إلا أن العام الماضي شهد بدوره إجراء انتخابات حاسمة، لا سيما في أميركا اللاتينية، حيث وصل إلى السلطة "بعض الوحوش السالبة لحرية الصحافة والمعادية للتعددية الإعلامية، ومن بينها خافيير ميلي في الأرجنتين، علماً أن إغلاق أكبر وكالة للأنباء في البلاد كان من أبرز الإجراءات المثيرة للجدل التي أقدم عليها في بداية ولايته".

وعادة ما تشهد الفترات الانتخابية أعمال عنف ضد الصحافيين، كما هو الحال في نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. "أما المجالس العسكرية التي تولت السلطة في منطقة الساحل، ولا سيما في النيجر وبوركينا فاسو ومالي، فإنها تواصل تشديد قبضتها على وسائل الإعلام من جهة، وتعيق عمل الصحافيين من جهة ثانية"، وفقاً لمنظمة مراسلون بلا حدود.

ونبهت "مراسلون بلا حدود" إلى "ترسانة المعلومات التضليلية المسخَّرة لأغراض سياسية، ولا سيما في ظل تنامي ظاهرة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في سياق يفتقر إلى التنظيم، إذ أصبحت تقنية التزييف العميق تلعب دوراً بارزاً في التأثير على مسار الانتخابات، كما اتَّضح بجلاء من التزييف الصوتي الذي طاول الصحافية مونيكا تودوفا خلال الانتخابات التشريعية في سلوفاكيا، وهي واحدة من أولى الحالات الموثقة لهذا النوع من الاعتداء على صحافي بهدف التأثير على سير عملية انتخابية ديمقراطية".

وأشارت "مراسلون بلا حدود" إلى أن "العديد من السلطات القائمة تعمل على فرض سيطرة أكبر على منصات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت عموماً، وذلك من خلال تقييد الوصول إليها أو حجب بعض الحسابات أو حذف رسائل إخبارية، علماً أن السجن عادة ما يكون مصير الصحافيين الذين يعبِّرون عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي في فيتنام (المرتبة 174). أما الصين (المرتبة 172)، فبالإضافة إلى كونها أكبر سجن للصحافيين في العالم، فإن حكومتها تواصل فرض قيود صارمة على القنوات الإخبارية، من خلال تطبيق سياسات قمعية تقوم على الرقابة والتجسس، وذلك للسيطرة على المحتوى المتداول عبر الإنترنت والحد من انتشار المعلومات التي تعتبرها حساسة أو منافية للخط الرسمي الذي يرسمه الحزب الحاكم".

ولفتت إلى أنه في مختلف أنحاء العالم، "تغذي بعض الأحزاب السياسية مناخاً يتسم بالكراهية ضد الصحافيين وعدم الثقة بهم، وذلك من خلال التحريض عليهم أو تهديدهم أو تشويه سمعتهم، بينما تميل الدوائر السياسية في بعض البلدان إلى تشديد الخناق على المنظومة الإعلامية، عبر إحكام السيطرة على وسائل الإعلام العامة أو تشجيع رجال أعمال مقربين من تلك الأحزاب على شراء أسهم المنابر الإعلامية الخاصة، كما هو الحال في إيطاليا (المرتبة 46) التي خسرت خمس مراتب تحت حكم جورجيا ميلوني على سبيل المثال، حيث يسعى عضو برلماني إلى الاستحواذ على ثاني أكبر وكالة أنباء في البلاد (AGI)".

و"أصبحت القوى السياسية تلعب ترعى بث حملات التضليل بانتظام، بل وتحرض عليها بشكل متزايد. ففي 138 بلداً، أي أكثر من ثلثي البلدان التي شملها الترتيب، أشار أغلب المشاركين في الاستبيان إلى ضلوع فاعلين سياسيين في حملات تضليلية واسعة النطاق أو في عمليات دعائية كبيرة ببلدانهم، موضحين أن ذلك يتم بشكل منتظم عموماً، وعلى نحو منهجي في 31 دولة على وجه التحديد"، وفقاً لما وجدته "مراسلون بلا حدود".

وفي أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، "تفاقمت وتيرة الرقابة على وسائل الإعلام، من خلال إجراءات تحاكي أعمال القمع التي تمارَس في روسيا، حيث تلاحَظ هذه الممارسات بشكل خاص في كل من بيلاروسيا وجورجيا وقيرغيزستان وأذربيجان، بل ويمتد تأثير ذلك إلى صربيا، حيث تنشر وسائل الإعلام الموالية للحكومة الدعاية الروسية، بينما لا تتوانى السلطات عن تهديد الصحافيين الروس المنفيين في أراضيها. هذا وقد شهد عام 2024 إعادة انتخاب فلاديمير بوتين على رأس الحكومة بشكل غير مفاجئ في روسيا (المرتبة 162)، والتي يواصل جيشها حربه على أوكرانيا (المرتبة 61)، مما يؤثر بشكل كبير على المنظومة الإعلامية وسلامة الصحافيين".

وقالت مديرة التحرير في "مراسلون بلا حدود" آن بوكانديه: "إذ يجد أكثر من نصف سكان العالم أنفسهم على موعد مع صناديق الاقتراع خلال عام 2024، تُحذِّر مراسلون بلا حدود من ظاهرة باتت منتشرة على نطاق واسع، وتتمثل في تراجع المؤشر السياسي، الذي يُعد من المؤشرات الخمسة المُعتمَدة في التقييم، وهي ظاهرة تسلِّط عليها الضوء نسخة 2024 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة. ذلك أن الدول والقوى السياسية، بغض النظر عن أطيافها وتوجهاتها، أصبحت تتلكأ عن الاضطلاع بدورها المتمثل في حماية حرية الصحافة، علماً أن هذا التنصل من المسؤولية تصاحبه في بعض الأحيان نزعة تُشكِّك في دور الصحافيين، بل ويصل الأمر أحياناً إلى حد استخدام وسائل الإعلام كأدوات في حملات التنمر أو التضليل، رغم أن الصحافة الجديرة بهذا الاسم تُعد شرطاً أساسياً من شروط أي نظام ديمقراطي يراعي الحريات السياسية".

"مراسلون بلا حدود" تكشف الدول الأخطر بالنسبة للصحافيين

منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط هي الأخطر في نسخة 2024 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أعدته "مراسلون بلا حدود"، وتليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث تختنق الصحافة تحت وطأة الأنظمة الاستبدادية. أما في أفريقيا، فرغم أن حرية الصحافة وضعها "خطير للغاية" في أقل من 10% من دول هذه المنطقة، إلا أن الوضع "صعب" في نصف بلدانها تقريباً.

وفي المقابل، لا يزال الوضع جيداً في مختلف بلدان أوروبا، وتحديداً دول الاتحاد الأوروبي، الذي شهد سنَّ أول تشريع يتعلق بحرية الإعلام. فبينما غادرت أيرلندا المراكز الثلاثة الأولى، ارتقت السويد على سُلَّم الترتيب لتصبح من بين ثلاثة الصدارة، في حين انضمت ألمانيا إلى قائمة العشرة الأوائل في الترتيب. ومع ذلك، فإن حرية الصحافة تعاني الأمرين في ظل إدارة بعض الحكومات الأوروبية، كما هو الحال في كل من المجر ومالطا واليونان. أما شرق القارة، فإن ظروف ممارسة مهنة الصحافة آخذة في التدهور في خضم موجة مهولة من التضليل الإعلامي الذي تفشى في مختلف بلدان المنطقة على نطاق واسع، ناهيك بالرقابة الشرسة المسلطة على رقاب الصحافيين ووسائل الإعلام، والتي عادة ما تكون على شكل اتهامات واهية بالإرهاب أو تقويض الأمن القومي، كما هو الحال في روسيا وبيلاروسيا وتركمانستان وجورجيا، حيث يحاول الحزب الحاكم بكل الطرق التقرب من موسكو أكثر فأكثر. أما أوكرانيا، فقد ارتقت بما لا يقل عن 18 مرتبة لتصعد إلى المركز 61، مستفيدة من تحسن ترتيبها في المؤشرين السياسي والأمني، حيث كانت حصيلة الصحافيين القتلى أقل من العام الماضي.

وفي منطقة الأميركيتين، تمثل استحالة تغطية القضايا المتعلقة بالجريمة المنظمة أو الفساد أو البيئة مشكلة رئيسية، حيث يثني الصحافيون أنفسهم عن الخوض في هذه المواضيع خوفاً من الانتقام. والولايات المتحدة تراجعت عشرة مراكز في تصنيف "مراسلون بلا حدود"، بينما أصبح وضع حرية الصحافة "إشكالياً" في جميع بلدان أميركا الجنوبية تقريباً، إذ يمكن تفسير هذا التدهور بعدم قدرة الحكومات على الحد من دوامة العنف ضد الصحافيين من جهة، ووصول بعض "الوحوش" السالبة لحرية الصحافة والمعادية للتعددية الإعلامية إلى سدة الحكم في مختلف أنحاء المنطقة. وقد شهدت المكسيك مقتل 37 صحافياً منذ عام 2019، لتظل في صدارة أخطر البلدان على سلامة الصحافيين في ترتيب البلدان التي تعيش حالة سلم.

ووفقاً لـ"مراسلون بلا حدود"، فقد "تأثرت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كثيراً بالعنف السياسي الذي شهدته مختلف بلدانها خلال الأحداث الانتخابية الكبرى عام 2023 (...) فبينما عاشت كل من نيجيريا وتوغو ومدغشقر سلسلة من حملات القمع ضد الصحافيين، أصبح تدهور الوضع الأمني عنوانَ المرحلة في العديد من دول الساحل، ولا سيما النيجر وبوركينا فاسو ومالي".

وتضم قائمة أخطر عشر دول في العالم على ممارسي مهنة الصحافة كلاً من بورما (171) والصين (172) وكوريا الشمالية (177) وفيتنام (174) وأفغانستان (178)، وهي كلها بلدان تنتمي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تحتل المركز الثاني على جدول ترتيب أصعب مناطق العالم بالنسبة لممارسة الصحافة. ولكن، على عكس العام الماضي، لا يوجد أي بلد من هذه المنطقة ضمن قائمة البلدان الـ15 الأوائل في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.

هذا ويُعتبر الوضع "خطيراً للغاية" في قُرابة نصف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة تاسع دول المنطقة في الجزء الأحمر من الخريطة، لتلحق بكل من اليمن والمملكة العربية السعودية وإيران وفلسطين والعراق والبحرين وسورية ومصر. وفي ظل الاحتلال والقصف الإسرائيلي، تراجعت فلسطين إلى أسفل الترتيب، بعدما أصبحت في صدارة البلدان الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين، علماً أن قطر هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تشهد وضعاً "صعباً" أو "خطيراً للغاية"، وفقاً لتصنيف "مراسلون بلا حدود".

المساهمون