مادس ميكلسن (1/ 2): أحتاج إلى العثور على عيوب الأبطال لأجعلهم بشراً

مادس ميكلسن (1/ 2): أحتاج إلى العثور على عيوب الأبطال لأجعلهم بشراً

16 فبراير 2024
ميكلسن: لدى ويليم دافو وأنا فضول تجربة أشياء مختلفة (باسكال لو ساغرتان/Getty)
+ الخط -

 

احترف مادس ميكلسن الرقص عقداً كاملاً، معتمداً على تكوينه الأوّلي كلاعب جمباز، قبل أنْ يتحوّل إلى التمثيل ويتألّق باكراً بفضل تجربته السينمائية الأولى عند تأديته شخصية تونّي في دراما الجريمة Pusher، لنيكولاس ويندينغ ريفن (1996). بعد ذلك، ذاع صيته في الدنمارك بفضل أدوار كوميدية سوداء أدّاها في التلفزيون، واجتاز درجة أخرى في سلّم الارتقاء بفضل "المطاردة" (2012)، لتوماس فينتربيرغ، مُمثلاً بمنتهى الدقّة والبراعة دور معلّم الحضانة المتّهم ظلماً بالبيدوفيليا. دوره هذا منحه تقديراً نقدياً واسعاً، وجائزة أفضل أداء في الدورة الـ65 (16 ـ 27 مايو/ أيار 2012) لمهرجان "كانّ".

بعد أعوام عدّة، منحه المخرج الدنماركي نفسه (فينتربيرغ) أحد أجمل أدواره في Druk (العنوان الدنماركي، 2010، علماً أنّ هناك عنواناً آخر متداولاً أيضاً: "جولة أخرى"): أستاذ يختبر، رفقة زملائه، تجربة البحث عن الكاريزما والثقة، عبر احتساء الكحول أثناء مزاولة التدريس. نالت طاقته المعدية، في الرقصة الختامية، إشادة واسعة، لتُصنَّف من بين أفضل مشاهد السينما المعاصرة.

رغم إصرار هوليوود على حصره في دور الشرير، في سلاسل أفلام فائقة الجماهيرية، مع جيمس بوند (دانيال كريغ)، في "كازينو رويال" (2006)، لمارتن كامبل، أو "روغ وان: حكاية حرب النجوم" (2016)، لغاريث إدواردز، وأخيراً "هاري بوتر"، في "الوحوش المذهلة: أسرار دمبلدور" (2022)، لديفيد ياتس، و"إنديانا جونز ونداء القدر" (2023)، لجيمس مانغولد؛ رغم هذا، اشتغل على طبعها بلمسة خاصة، عبر تحرّي مكامن الهشاشة في الأشرار، ما يمنحهم طابعاً إنسانياً مُثيراً لاهتمام المشاهد.

مع "النذل (Bastarden، العنوان الدنماركي الأصلي)"، المنجز حديثاً (2024)، يتعاون مجدّداً مع الدنماركي نيكولاي أرسيل، بعد "عشق ملكي" (2012)، مُجسّداً، في عمل ملحمي تدور قصته في دنمارك القرن الـ18، دور النقيب لودفيغ كالين، الذي يصارع من أجل حقّه في استغلال مرج شاسع، في استعارة بليغة حول تحقيق الذات في مواجهة قوى الاستبداد والإقطاعية الغاشمة.

عُرض الفيلم ("الأرض الموعودة"، بحسب العنوان الإنكليزي الدولي)، في ليلة تكريم مؤثّرة، في الدورة الـ20 (24 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 2 ديسمبر/ كانون الأول 2023) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمرّاكش"، بعد تسلّم ميكلسن "النجمة الذهبية" من زميله ويليم دافو، الذي مثّل معه في "بوابة الأبدية" (2018)، لجوليان شنابيل. دافو أثنى على "تواضعه وسخائه"، واصفاً إياه بـ"الممثّل متعدّد الكفاءات، الذي يطبع بعمق وذكاء وتعقيد الأدوار التي يؤدّيها، سواء كانت لأشخاص من الهوامش، أو لأشرار يلفّهم الكتمان".

في الدورة نفسها، التقت "العربي الجديد" الممثل الدنماركي في حوار طويل، تناول تفاصيل غنية عن مسار تكوينه، وأهمّ الأدوار التي أثّرت في مساره، ورؤيته للمزاوجة في الاشتغال على أفلام المؤلف الأوروبية والأعمال الهوليوودية، وكيف يسعى ـ من خلال مقاربته للتمثيل ـ إلى الاشتغال على تحرّي الصدق في كلا الخانتين.

 

(*) تحدّثتَ في "حوار مع..." (مهرجان مرّاكش 2023 ـ المحرّر)، عن الأدوار التي تؤدّيها في أميركا، وكيف أنّ صورة الشرير علقت بك بسبب لكنتك. هل يمكنك تفصيل ذلك؟ هل الأمر يرتبط باللكنة فقط؟

لا. اللكنة ليست العامل الوحيد. كما أنّي اشتغلت في أعمال أميركية أخرى، لم أتولّ فيها دور الشرير. أعتبر هانيبال مثلاً شخصية دقيقة ومُعقّدة للغاية. شيءٌ مختلف تماماً. أحسب أنّ لنوع الحركة دوراً في ذلك. العامل الآخر أنّ الأميركيين يميلون إلى الرغبة في الحصول على المزيد مما يحبّونه. لا إشكال عندي مع هذا الأمر. لا أشتكي من نوع الأدوار التي تُعرض عليّ.

 

(*) هل يحتاج الاضطلاع بشخصية الشرير إلى إعدادٍ خاص؟

كلّ الأدوار تحتاج إلى إعدادٍ خاص. لا أعتقد أنّ هناك فرقاً. أحتاج إلى العثور على عيوب في الأبطال، حتى يصبحوا بشراً. نحن بحاجة إلى وضع اليد على نقطتين يكون الشرير فيهما على حقّ، فيغدو إنساناً عندئذ. إذا لم يكن الأمر كذلك، فنحن بصدد شخصية كرتونية. أحياناً، يكون مثيراً للاهتمام كفايةً أنْ تشاهد شخصية كرتونية. أتفهّم ذلك. لكنْ، كلّما استطعت أنْ تمنح شخصيتك القليل من الإنسانية، استمتع المُشاهد بقتامة وجهة نظرها، وشَعَر بأنّه معنيّ بما يحدث أمامه.

 

(*) مُثيرٌ أنْ تتسلّم نجمة التكريم في مرّاكش من ويليم دافو، فكلٌّ منكما يُبحر جيداً بين هوليوود وأفلام المؤلّف الأوروبية. ماذا يمنحكما ذلك، برأيك؟ هل يبقيكما الجمع بين هذين الجانبين من العمل مُتيقّظَين نوعاً ما؟

نعم. أعتقد أنّنا محظوظان للغاية. عندما تحصل على عروضٍ من أماكن مختلفة، هذا يعني أنّ الناس يرونك بنظرة مختلفة. بوسعنا أنْ نؤدّي شخصيات مجنونة ومفرطة في الغرابة، أو دور رجل طيّب يعيش حياة طبيعية. أعتقد أنّ الناس يروننا بعيون متجدّدة في كلّ مرة. ويليم قادم من خلفية المسارح التجريبية المتطرّفة، وأنا أتيت من عالم الرقص. القاسم المشترك بيننا يكمن، ربما، في أنّ كلاًّ منّا لديه شهية وفضول لمحاولة تجربة أشياء مختلفة. أستطيع أنْ أرى ذلك بوضوح في عمل ويليم.

 

 

(*) عندما ذكرتَ الاختبار الذي اجتزته للحصول على دور تونّي، في Pusher، قلتَ إنّ نيكولاس ويندينغ ريفن قرّر منحك الدور رغم أنّه لم يكن يفهم ما تقوله. كيف تفسِّر أنّه استطاع الحكم، مع أنّ أداءك لم يأسره بالكامل؟ هل كان ذلك انطلاقاً من اهتمامك بالدور؟

بالغْتَ قليلاً، لأنّ نيكولاس فهم بعض ما قلته. لكنْ، بما أنّي أتحدر من المنطقة التي كنّا نصوّر فيها الفيلم (حي "نوربرو" في كوبنهاغن ـ المحرّر)، وهو لم يكن على دراية بها إطلاقاً، صَعُب عليه استيعاب كلّ شيء. بدا كأنّه يتساءل: "ما الذي يحدث؟" (يُقلّد ملامح شخص تائه)، لكنّه أعجب بطاقة أدائي التي بدت مناسبة للدور. كما أنّي، بين الفينة والأخرى، كنت أنطق الحوارات وفقاً للسيناريو الذي كتبه.

 

(*) كيف تمكّنتَ من العمل مع الممثلين غير المحترفين، وحتى مع بعض المجرمين الذين ظهروا في الفيلم؟

كان هناك مجرمون حقيقيون كثيرون فيه. جُلّ الممثّلين أتوا من الشارع، ولم يكن هناك سوى ممثّلَين مُحتَرفَين ونصف. لا أمانع ذلك إطلاقاً. لكنّي لا أرغب في أنْ أكون قُرب شخصٍ متورّط في جريمة قتل مثلاً. أعتقد أنّه أمر رائع بالنسبة إلى أصالة الفيلم، أحياناً. لكنّه يُنتج طاقة فضفاضة نوعاً ما، فيغدو الفيلم وثائقياً بصفة غير مثيرة للاهتمام. يجب أنْ يكون هناك نوع من التوازن. رأيتُ أناساً أتوا للتوّ من الشارع يبلون حسناً. ليس سهلاً إطلاقاً أنْ تؤدّي دورك في الحياة. بوسع البعض أنْ يفعل ذلك، لكنّ أناساً كثيرين لا يتوفّقون فيه. يتمكّن المجرمون من ذلك، لأنّهم اعتادوا الكذب في حياتهم اليومية، كما نكذب نحن في عملنا كممثّلين محترفين. إنّهم يكذبون باستمرار. إذا أردت البقاء حيّاً في السجن، يتعيّن عليك ارتداء قناع باستمرار. كان بعضهم جيداً في ذلك، فاستطاع التكيّف، وفعل ما يريده المخرج بالضبط. لذلك، أؤيّد الاستعانة بهم، إلّا إذا قابلت شخصاً سيكوباتياً، أو شيئاً من هذا القبيل. عندها، لا أرغب في الاقتراب منه، طبعاً.

 

(*) هناك شيء يستعصي على الوصف في أدائك الرفيع في "المطاردة". أعتقد أنّ الأمر يتعلّق بالمزاوجة بين مشاهد كبت المشاعر ولحظات الانفجار أو التوتّر الشديد. كيف استطعت الجمع بين هاتين النغمتين؟

كان الأمر محبطاً، لأنّ شخصية لوكاس تجد نفسها معزولةً مباشرة بعد بداية الفيلم. لذا، لم تكن لديّ مشاهد كثيرة بصحبة شخصيات أخرى، إذْ تمّ إبقائي بعيداً عن الجماعة جُلّ الوقت. لديّ أصدقاء في موقع التصوير، كان بوسعي تمضية وقتٍ برفقتهم طبعاً. لكنّي، أحياناً، كنت أنعزل عمداً، لأنّ ذلك مفيدٌ للشخصية. كان هذا الطقس محبطاً، كما أنّ مشاهدة الفيلم محبطةٌ للمتفرّج، لأنّنا بصدد رجل يؤمن بأنّ العدالة ستتحقّق، لذا لم يُحرّك ساكناً. أخذ الأمر بنحو متساهل، لأنّه يعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّ الجميع سيرون، لا محالة وسريعاً، أنْ لا شيء مما اتُّهم به حَدث. لكنّ الأمور تطوّرت إلى أبعد الحدود، ولم يعد بإمكانه الخروج بعدما أُغلقت في وجهه كلّ الأبواب. حاول أنْ يتدارك الأمر، وأنْ يزور أصدقاءه بحثاً عن المساعدة، وأنْ يفعل أشياء أخرى. لكنّ الجميع استمروا في القول: "لماذا لا يصدر أيّ ردّة فعل؟ لا بُدّ أنّه مذنب". هذه شخصية تواجه تصرّفاً غير حضاريّ، في مجتمع متحضّر.

 

(*) ما الذي تجده مُميّزاً في العمل مع توماس فينتربيرغ، الذي اشتغلت معه في أدوار لا تُنسى أكسبتك جوائز مرموقة؟

صعبٌ جداً تحديد ما المميّز. لكنْ، لديّ أشياء مشتركة كثيرة مع توماس. إنّه رجل رائع، وأحد المخرجين القلائل الذين تربطني بهم صداقة مُقرّبة. كمخرج، يَعلَم جيداً ما يريد، وليس من فئة غريبي الأطوار قليلاً، الذين يتعيّن عليك استخراج الأشياء منهم بصعوبة. صريح ومتفاعل للغاية، يصنع قصصاً عن أشياء الحياة البسيطة، التي تغدو ذات لمسة خاصة جداً بين يديه. تمنحك رفقته أو العمل معه شعوراً مريحاً.

المساهمون