قمع حرية الرأي في باكستان... الجميع متورّط

03 سبتمبر 2022
صحافيون في قناة "إي أر واي نيوز" يعتصمون بعد قرار إقفالها (أمير قريشي/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه باكستان حالياً ردة واسعة النطاق على حرية التعبير والإعلام، وذلك في خضم الصراع المحتدم بين المؤسسة العسكرية ورئيس الوزراء السابق عمران خان الذي أزيح عن الحكم بعد سحب البرلمان الثقة عنه في إبريل/نيسان الماضي. ويضيق الخناق تدريجياً على المؤسسات الإعلامية التي تنتقد سياسات حكومة شهباز شريف ومن ورائه المؤسسة العسكرية، أو تؤيد خان.

لم تكتف الحكومة الحالية بحجب قناة "إي آر واي نيوز" التي كانت تنتقد شريف بشكل حاد، ولا بمنع القنوات الباكستانية من بث تقارير وخطابات خان، بل شرعت باعتقال الصحافيين ورفع الدعاوى القضائية ضدهم، إلى جانب التضييق وشن حملات ضد المغردين والمدونين الذين ينتقدون المؤسسة العسكرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

صحيح أن باكستان لم تعرف يوماً سقفاً مرتفعاً لحرية التعبير، وذلك بشكل أو بآخر بسبب الجيش الذي أحكم السيطرة على البلاد منذ الاستقلال عن الهند عام 1947 بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكن الضغوط التي تعيشها باكستان حالياً على حرية التعبير تصل إلى مستويات عالية، وهي على ما يبدو مرشحة للتصاعد.

حملة مناهضة للجيش

بدأت الموجة الحالية من التضييق على وسائل الإعلام وحرية الرأي مع سقوط حكومة عمران خان. ومعروف على نطاق واسع أن حزب الإنصاف بزعامة خان قد وصل إلى السلطة بمساعدة من الجيش الباكستاني وجهاز الاستخبارات، لكن في لحظة الخلاف بين الطرفين أزيح عن رئاسة الحكومة ليكون أول رئيس للوزراء تُسحب الثقة عنه في تاريخ باكستان.

مع سقوط حكومة خان بدأ الصراع الحقيقي والمتواصل إلى اليوم بينه وبين المؤسسة العسكرية والقضاء، وكانت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من أكبر منصات ذلك الصراع، حيث لجأ ناشطون وعناصر في حزب الإنصاف إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ليعربوا عن غضبهم حيال ما تقوم به المؤسسة العسكرية. ولأول مرة ربما في تاريخ باكستان ظهرت واضحة هذه الموجة من الغضب ضد الجيش والاستخبارات.

في العاشر من شهر إبريل (بعد سقوط حكومة خان) انطلقت حملة واسعة ضد الجيش والاستخبارات، مطالبة بعدم تدخل المؤسستين في الحياة السياسية، وسريعاً طلب الجيش من هيئة المحاسبة الوطنية التحرك ضد المشاركين في هذه الحملة. وبالفعل اعتقلت السلطات في 23 إبريل عشرات الناشطين، معظمهم من عناصر حزب خان. وبحسب ما أعلن فرع مراقبة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في الهيئة، فإن آلاف التغريدات كانت تنشر يومياً ضد المؤسسة العسكرية والقضائية معلنةً اعتقال 30 شخصاً كلهم من عناصر حزب خان.

أمام هذه الهجمة، طلب خان من مناصريه عدم المساهمة في أي حملة ضد المؤسسة العسكرية، فهدأت الأوضاع، قبل أن تشتعل مرة ثانية بعد مقتل ضباط في الجيش إثر سقوط مروحية في بلوشستان في الثاني من أغسطس/آب الماضي. مجدداً طلب الجيش من هيئة المحاسبة الوطنية التحرك ضد من يسيء إليه وإلى "شهداء الوطن"، فاعتُقل حينها 84 شخصا، بعضهم لا يزال يواجه الملاحقات القضائية.

اتهام حزب الإنصاف

في ظل هذه الحملة قال وزير الدفاع الباكستاني خواجه أصف، في تصريح صحافي، إن حملة تشهير منظمة انطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الجيش بعد حادثة المروحية، من قبل مجموعة "تتلقى رعاية منتظمة" في تلميح إلى حزب خان. في المقابل، خرج عدد من الناشطين في "الإنصاف" على وسائل الإعلام معتذرين عن مساهمتهم في الحملة ضد الجيش والاستخبارات. من بين هؤلاء، الناشط برويز غلام رسول الذي ظهر على قناة جيو المحلية في الـ13 من الشهر الماضي، معتذراً عن تدويناته ضد الجيش، معلنا أن ما دفعه لذلك كان تأثره بكلام عمران خان.

لكن، بينما كانت الأمور تتجه للتهدئة على مواقع التواصل، كانت المنافسة تحتدم بين قناتَين "جيو نيوز" (معارضة لحزب الإنصاف) و"إي أر واي نيوز" (مؤيدة للحزب)، لينتهي التراشق بين المحطتين في حجب الأخيرة، بعد بثها تصريحات نارية لمساعد خان ضد المؤسسة العسكرية. ورغم احتجاجات الصحافيين في مدن رئيسية مثل كراتشي وبيشاور، إلا أن حجب القناة مستمر، مع رفع دعاوى ضد عدد من العاملين فيها، على رأسهم الرئيس التنفيذي للقناة سلمان إقبال، والصحافي أرشد شريف الذي سافر إلى دبي في الـ10 من الشهر الماضي من مطار بشاور، والصحافي خاور غومن.

وبينما لا يزال مصير هؤلاء مجهولاً في انتظار المحاكمة، يمضي الصحافي واليوتيوبر جميل فاروقي (مذيع في قناة بول المحلية) أيامه في السجن، بعد أن أعتقل في الـ21 من الشهر الماضي بسبب إنتقاده لأجهزة الأمن. وقد ظهر أثناء نقله للمحاكمة وهو يبكي كاشفاً تعرضه للتعذيب من قبل الشرطة.

لم يُستثن رئيس الوزراء السابق عمران خان نفسه من قرارات التضييق على الرأي، إذ منعت هيئة تنظيم الإعلام الإلكتروني الباكستانية (PEMRA) جميع القنوات التلفزيونية من بث خطابات وكلمات خان، بموجب المادة رقم 27 من مرسوم "بيمرا" لعام 2002، موضحة في قرارها أن رئيس الحكومة السابق "يوجه بشكل مستمر اتهامات لا أساس لها ضد مؤسسات الدولة ويستفز المواطنين".

حكومة خان

التضييق على وسائل الإعلام وحرية الرأي لم يظهر فجأة في باكستان، بل حتى حكومة خان كان لها حصتها من قمع الرأي الآخر وإن بوتيرة أخف وأقل فجاجة. على سبيل المثال تعرض الصحافي أبصار عالم في 20 إبريل من العام الماضي أمام منزله في إسلام أباد، لهجوم من قبل مسلح مجهول ما أدى إلى إصابته بجروح، ويعتبر عالم من أبرز منتقدي حكومة خان. كذلك تعرض الصحافي أسد علي تور في 25 مايو/أيار 2021 للاعتداء من قبل ثلاثة رجال مجهولين اقتحموا شقته في إسلام أباد بالقوة، وقيدوه وكمموه وضربوه. وقال تور لاحقاً إن الرجال الذين اعتدوا عليه عرفوا عن أنفسهم بأنهم من جهاز أمني، وسألوه عن مصدر أمواله، وسحبوا هاتفه وأجهزته الإلكترونية الأخرى. وفي الـ29 من الشهر نفسه، أوقفت قناة "جيو نيوز" المحلية، الإعلامي الشهير حامد مير عن تقديم برنامج "كيبتل تاك"، بعدما تضامن مع تور.

أيضاً منعت هيئة تنظيم الإعلام الإلكتروني الباكستانية في حكومة خان القنوات المحلية من بث خطابات وتقارير رئيس الوزراء السابق نواز شريف، أو خطابات ابنته مريم نواز، بحجة توجيه التهم لمؤسسات الدولة.

وكانت هيومن رايتس ووتش قد أكدت، في بيان لها عام 2021، أن حالة من الخوف تخيم على الساحة الإعلامية في باكستان بسبب الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الحكومية والجماعات المسلحة ضد الصحافيين ووسائل الإعلام. كما جاء في التقرير أن عدداً من وسائل الإعلام تعرض لضغوط من السلطات بسبب انتقاد المؤسسات الحكومية أو القضاء.

مهنة المتاعب حقاً

ذكر التقرير أنه في عام 2021 تعرضت قنوات باكستانية مختلفة للحجب من قبل الحكومة لأنها كانت تخالف سياساتها. وفي تعليق له حول التضييق المتواصل من قبل مختلف الحكومات على عمل الصحافيين، يقول رئيس جمعية الصحافيين، الباكستاني كاشف عباسي لـ"العربي الجديد" إن مشاكل الإعلاميين في البلاد كثيرة وليست وليدة اليوم، "لكنها تزيد وتقل حسب سياسات الحكومة، ومشاكلهم لا تتعلق فقط بقضية الحماية والأمن، بل حتى المستحقات المالية يواجه فيها الصحافيون مشاكل كثيرة، لذلك تعتبر الصحافة في باكستان حقاً مهنة المتعاب وأشبه بالانتحار". 

المساهمون