غزة ونساؤها في صور تجوب العالم

16 ديسمبر 2023
امرأة في رفح تتفقد آثار القصف (سعيد الخطيب/ فرانس برس)
+ الخط -

جدة فلسطينية تحمل أصغر نازحة في غزة، حفيدتها البالغة من العمر ست سنوات، تسير بها من شمال غزة إلى جنوبها بعد أن تقطعت بهما السبل وجف حليب والدة الطفلة. هذا المشهد يعطي صورة مصغرة عن أحوال نساء غزة من مختلف الأجيال، الجدات والأمهات والحفيدات، لم تنج واحدة منهن، في وقت تشكل النساء فيه ما نسبته 49% من مجموع سكان قطاع غزة، بينهن أكثر من 50 ألف حامل يفتقدن لأدنى مستلزمات الصحة الإنجابية.

انتشرت آلاف الصور والمشاهد التي لا تنسى للنساء في غزة خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل. كثير منهن أظهرن مصابهن، وبعضهن أظهرن صمودهن. شاهدناهن في أشد حالات حزنهن، كتلك التي تقبل رأس ولدها الشهيد، وتذرف دموعها بصمت مودعة إياه: "الله يرضى عليك". ورأينا أمهات يكتبن أسماء أطفالهن على أجسادهم، حتى لا يكونوا في عداد المجهولين إذا ما أصابتهم صواريخ طائرات الاحتلال.

فيما أطلق العالم لقب "الأم البطلة" على السيدة الغزية التي انتشر لها مقطع فيديو، يوثق رحلة نزوحها الشاقة وهي تسحب طفليها وراءها من شمال القطاع إلى جنوبه. وقدّرت المسافة التي قطعتها وهي تسحبهما إلى جانب الحقائب التي كانت تحملها قرابة الـ14 كيلومتراً. وتساءل العالم ما سر صمود تلك المرأة الغزية التي أذيع لها فيديو، وهي واقفة على ركام منزلها بعد غارة قتلت كل أفراد عائلتها؟

ولخصت صورة الحاجة التسعينية أنعام قصة 75 عاماً من البؤس والتهجير، فهي اليوم في غزة تنزح للمرة الثانية سيراً على الأقدام بجسدها المنحني وخطواتها الثقيلة، بعد أن نزحت من منزلها أول مرة وهي شابة في أعقاب النكبة عام 1948.

وكان مشهد إنقاذ الطفلة ألما (12 عاماً) من تحت أنقاض منزلها في حي اليرموك، وسط القطاع، بمثابة صفعة لكل المنظمات الإنسانية والمؤسسات الدولية التي تعنى بحقوق الأطفال. ففي الوقت الذي يجب أن تهتم فيه ألما في واجباتها المدرسية، شهدناها تتحمل مسؤولية إنقاذ بقية أفراد عائلتها. وخلال محاولة المنقذين التواصل معها وانتشالها، رفضت ألما أن تكون أول من يتم إنقاذها، وطلبت من المسعف "ساعدني آخر وحدة بديش أكون أنا الأولى… ساعد أمي وأبويا وإخواتي وستي وأخويا الرضيع وكل حاجة ما عدا أنا".

سينما ودراما
التحديثات الحية

وفي ظل غياب وتقاعس وسائل الإعلام العالمية عن تغطية ما يحدث في غزة، تطوع عدد من الشابات في القطاع، وأخذن على عاتقهن نقل الأحداث والمجازر إلى العالم بأبسط الوسائل، فها هي المخرجة الشابة بيسان عودة التي أنهى الاحتلال أحلامها وقصف مكتبها ومعداتها، تتنقل بين أجساد الشهداء وركام المنازل لتوثّق من خلف هاتفها المحمول ما يمر به أكثر من مليوني إنسان.

فضحت ظروف القصف والفقد والتهجير والأوضاع غير الإنسانية التي تعيشها النساء في غزة زيف شعار "لا عذر" الذي اتخذته منظمة الأمم المتحدة عنواناً لحملتها لمناهضة العنف ضد المرأة لعام 2023، فجاءت حملتها مناهضة للعنف ضد المرأة في كل مكان، إلا المرأة في غزة، حيث لا وجود لأقل احتياجات النساء ومستلزماتها الصحية سواء كانت طفلة أو شابة أو امرأة أو مسنة.

ومن جهة أخرى، تواجه النساء حرباً قوامها حملات الإعلام التي تروج لها دعاية الاحتلال، متعمدة تشويه صورة المرأة الفلسطينية، وأنها في غزة تعيش بشكل هامشي في مجتمع متخلف وطارد للنساء، حيث لا قيمة للمرأة فيه ولا دور لها. لكن ذلك غير صحيح، فعلى الرغم من الحصار وأهوال الحرب، إلا أن ذلك لم يمنع النساء في غزة من أداء أدوارٍ مهمة لا تقل أهمية عن الأدوار العسكرية، فدورها الإنساني وقوة حضورها وشخصيتها في الحرب وفي غير أوقات الحرب، هو ترياق الحياة للبقية الذين استمدوا منه قدرتهم على البقاء ومواصلة ما تبقى من حياة.

النساء في غزة لم يخترن الموت أو الدمار، ولا أن يلدن الأطفال ليقتلهم أو يعتقلهم الاحتلال؛ فهن كما كل نساء العالم، لهن آمالهن وأحلامهن ومن حقهن الحياة بكرامة.

المساهمون