روبنز والنساء... رحلة في فنون الرسم والإغواء

04 يناير 2024
كان بارعاً في رسم الصور الشخصية (إكس)
+ الخط -

إذا ما تأملنا لوحات فنان عصر النهضة الأوروبي البارز بيتر بول روبنز (1577-1640)، قد ندرك السبب في اشتقاق المصطلح الإنكليزي روبينيسك Rubenesque من اسمه، إذ تشير الكلمة غالباً إلى الجسد الأنثوي القريب من الامتلاء، كما تُستخدم أحياناً للدلالة على الأجواء الشهوانية في المعالجات الفنية.

يُعد روبنز أحد أمهر فناني عصر النهضة، وقد شملت لوحاته مواضيع مختلفة، تاريخية ودينية وأسطورية، كما كان بارعاً في رسم الصور الشخصية. تأثر بالأسلوب الذي عالج به النحاتون الرومانيون الجسد والحركة بواسطة الرخام، وقام هو بترجمة ذلك إلى أعمال تصويرية تتميز بالواقعية البالغة، كأنه يبث الحياة في الشخصيات التي يرسمها.

وقد عُرف روبنز تحديداً بمعالجاته الجريئة للجسد البشري، ما دفع البعض إلى اتهامه بحصار النساء في دائرة الغواية والشهوة. فهل تعمد روبنز حقاً إثارة الغرائز في أعماله؟ هذا ما يجيب عنه معرض "روبنز والنساء" الذي يستضيفه حالياً غاليري دولويتش (Dulwich) في لندن حتى 28 من يناير/ كانون الثاني. يجمع المعرض لأول مرة بين أكثر من أربعين عملاً مهماً لهذا الفنان، ما يجعله واحداً من أهم العروض الفنية التي نظمت له على الإطلاق.

يضم المعرض أعمالاً شهيرة لروبنز تم جلبها من متاحف ومؤسسات فنية مرموقة في أوروبا، وهو تحد غير مسبوق ولا يخلو من المخاطرة، كما تقول جينيفر سكوت مديرة الغاليري. يتمثل هذا التحدي كما تقول سكوت في أن معظم هذه الأعمال مرسومة على ألواح خشبية، ما يزيد من هشاشتها.

من المعروف أن روبنز كان من أكثر فناني عصره حفاظاً على التقاليد الفنية القديمة، ولم يتحول كغيره إلى الرسم على القماش والخيش إلا في أضيق الظروف.

يُقدم المعرض تصوراً مختلفاً للرؤية السائدة عن أعمال روبنز، والتي تم التعامل معها طويلاً كمعالجات إيروتيكية، إذ يرى القيمون على العرض أن روبنز كان بعيداً كل البعد عن تلك النظرة الشهوانية التي ارتبطت به.

تُسلط الأعمال المنتقاة بعناية الضوء على الجانب غير المرئي من سيرة روبنز وتظهره كأب ورجل ملتزم، بل وسفيراً مبجلاً لبلاده، وتوضح كيف أن الحضور الأنثوي في أعماله تمتع دائماً بالقوة والتحدي.

يُظهر المعرض كيف رسم روبنز صوراً لعائلته أكثر من أي فنان آخر في عصره، ويبرز المكانة المُهمة التي شغلتها المرأة في حياته.

من أجل توضيح هذه الجوانب يجمع المعرض العديد من المواد الأرشيفية والدراسات الأكاديمية التي تناولت حياة روبنز. كما يواكب العرض إطلاق كتاب مصور يتضمن دراسة وافية حول حياة هذا الفنان.

سينما ودراما
التحديثات الحية
يضىء المعرض والكتاب المصاحب له على هوية هؤلاء النساء اللاتي صورهن في أعماله، وطبيعة الممارسة الفنية في القرن السابع عشر، إلى جانب التعريف بأسلوبه المتميز في معالجة الجسم البشري، وأسباب ميله إلى رسم الأجساد الممتلئة.

تذهب إحدى الدراسات التي يتضمنها الكتاب إلى أن السبب الرئيسي في ميل روبنز إلى الأجساد الممتلئة هو اعتماده على الموديلات الفلمنكيات، اللاتي كن يتمتعن عادة بأجساد ممتلئة مقارنة بالإيطاليات أو الفرنسيات. تقول مديرة الغاليري إن روبنز استمتع حقاً برسم الشخصية الأنثوية، لكن نساءه لم يكن أبداً هامشيات أو مجرد أجساد محاصرة بنظرة الرجل، بل على العكس من ذلك؛ فقد قدمهن كبطلات فخورات ومليئات بالجاذبية.

تكشف الأعمال والمواد الأرشيفية عن هذا الدور المحوري الذي لعبته النساء في مسيرة روبنز المهنية، بدءاً من رعاة فنه من الأميرات، إلى إيمانه العميق ومعتقداته الفنية وارتباطه بأسرته.

بين الأعمال المعروضة يبرز عمل روبنز الشهير "ولادة المجرة"، وهو من مجموعة متحف ديل برادو في مدريد، ولوحة فينوس وكيوبيد من مجموعة الغاليري. كما يضم العرض سلسلة متنوعة من الصور الشخصية للعديد من الأسماء المعروفة لأميرات وملكات أوروبيات، إلى جانب زوجته هيلينا التي تأثر بها في العديد من أعماله. بين الأعمال أيضاً صورة مؤثرة لابنته كلارا، والتي رسمها قبل وقت قصير من وفاتها عن عمر 12 عاماً.

يتيح هذا المعرض التاريخي للجمهور التعرف إلى مراحل الرسم التي مرت بها بعض الأعمال الشهيرة له من خلال تصويرها بالأشعة السينية.

بإمكان الأشعة السينية اختراق المواد الصلبة باستثناء عدد قليل منها، مثل مادة الرصاص التي يتكون منها اللون الأبيض، وهو الأمر الذي يتيح لنا رؤية طبقات اللون المخفية تحت الطلاء الخارجي. يتضمن المعرض صوراً لما كشفت عنه الأشعة السينية في بعض اللوحات.

تكشف لنا هذه الصور مثلاً عن التغييرات الجذرية التي أحدثها روبنز في لوحته الشهيرة "فينوس وكيوبيد" وكيف قام بتغيير موضع قدم كيوبيد أكثر من مرة حتى استقرت في النهاية على ركبة فينوس.

المساهمون