انحياز كمي ونوعي إلى الاحتلال في الصحف البريطانية

انحياز كمي ونوعي إلى الاحتلال في الصحف البريطانية

28 مارس 2024
في رفح (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- دراسة لموقع "ذا نيو أراب" تكشف تحيزًا ضد الفلسطينيين في تغطية "ذا تايمز"، "ذا تليغراف"، "ذا صن"، و"ديلي ميل"، مع تحليل 617 مقالة تُظهر تفضيلًا للروايات الإسرائيلية.
- "ذا صن" و"ديلي ميل" استخدمتا لغة عاطفية متحيزة ضد الفلسطينيين، مع تجريد إنسانيتهم وتضخيم مبررات العنف الإسرائيلي، بينما تم تقديم الضحايا الفلسطينيين بلغة سلبية.
- الدراسة تعكس توجه الصحافة البريطانية لتشكيل الرأي العام لصالح إسرائيل، مما يسهم في تشويه الحقائق حول القضية الفلسطينية ويؤثر على الدعم العالمي للفلسطينيين.

أكدت دراسة أجراها كل من سيباستيان شحادة وشيري شقير ونادين طلعت لموقع "ذا نيو أراب" أن تغطية الصحف البارزة في بريطانيا أثبتت تحيزاً ثابتاً وعميقاً ضد الفلسطينيين، مع تجريدهم من إنسانيتهم.

ومن خلال التحليل الكمي والنوعي، فحص "ذا نيو أراب" مئات العناوين الرئيسية من "ذا تايمز" و"ذا تليغراف" و"ذا صن" و"ديلي ميل"، وهي أربع من الصحف الأكثر قراءة في بريطانيا، وتلعب دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام. فـ"ذا صن" وحدها لديها نحو 30 مليون قارئ شهرياً.

في هذا البحث، جمّع "ذا نيو أراب" كل المقالات المتوفرة على الإنترنت التي نشرتها صحيفة "ذا تايمز" (112)، و"ذا تليغراف" (106)، و"ذا صن" (114)، و"ديلي ميل" (285) في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و7 فبراير/شباط 2024 حول قطاع غزة وإسرائيل. وحلّلت هذه المقالات الـ617 للتأكد من تحيزها.

أظهرت النتائج أن الصحف الأربع جميعها تفضل بشكل غير متناسب حياة الإسرائيليين والروايات الحكومية على حياة الفلسطينيين. وبصورة أكثر تحديداً، تُظهر المصادر الأربعة جميعها، في عناوينها الرئيسية، تحيزاً ضد الفلسطينيين بالطرق الثلاث التالية: نشر قدر كبير من اللغة العاطفية عند وصف "المعاناة" الإسرائيلية، وتضخيم المبررات الإسرائيلية للعنف، ونزع الإنسانية من الفلسطينيين. ووجد "ذا نيو أراب" أن 64 في المائة من العناوين كانت لصالح إسرائيل، مقارنة بـ16 في المائة فقط لصالح الفلسطينيين. وكانت نسبة الـ20 في المائة المتبقية من العناوين محايدة أو غير ذات صلة كفاية.

وقال أستاذ الإعلام والاتصالات في كلية لندن للاقتصاد، عمر الغزي، إن "هذه النتائج صادمة وغير مفاجئة في الوقت نفسه"، إذ إن "كثيراً من الأشخاص الذين يهتمون بالاطلاع على ما يحدث في هذه الحرب، توقفوا عن الحصول على أخبارهم من المصادر البريطانية".

وخلال فترة التحليل، قتلت إسرائيل أكثر من 27 ألف فلسطيني في قطاع غزة. واليوم، يتجاوز عدد الشهداء 32 ألفاً، فيما يواجه الملايين من الغزيين المجاعة.

وكانت الصحيفة التي أظهرت التناقض الصارخ هي "ذا صن"، التي استخدم 74.5 في المائة من العناوين الرئيسية فيها لغة عاطفية حول القتلى الإسرائيليين، مقارنة بـ4.5 في المائة فقط للفلسطينيين، أي بمعدل 25 إلى 1. العنوان التالي هو مثال جيد: "الشر الذي أطلق العنان لأبناء حماس يشوي الأطفال أحياءً في الأفران أثناء المذبحة، المسعفون يكشفون حجم الفساد الإرهابي الذي جرى كشفه". ووجد "ذا نيو أراب" أن هذا النوع من اللغة القاسية المشحونة للغاية منتشر على نطاق واسع عبر صحيفتي "ذا صن" و"ديلي ميل"، وكلتاهما من الصحف الشعبية الصفراء، إضافة إلى سلسلة من المصطلحات اللاإنسانية، مثل "الوحوش" و"المتوحشين"، عند وصف حركة حماس.

وفي الحالات النادرة التي استخدمت فيها العناوين الرئيسية لغة عاطفية في الإشارة إلى الضحايا الفلسطينيين للجرائم الإسرائيلية، كانت اللغة سلبية نسبياً. على سبيل المثال، جاء في أحد أخبار "ديلي ميل": "مقتل ما لا يقل عن 68 فلسطينياً، من بينهم سبعة أطفال، في مخيم اللاجئين في غزة في واحدة من أعنف الغارات الجوية الإسرائيلية منذ بدء الحرب، كما جرى ذبح 15 جندياً من جيش الدفاع الإسرائيلي عشية عيد الميلاد الدموية".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

حتى استخدام كلمة "قُتلوا" لوصف الفلسطينيين كان نادراً. وفي عناوين رئيسية عدة، جاءت الوفيات الفلسطينية بصيغة المبني للمجهول، وهو تكتيك مصمم عادة لتجنب إلقاء اللوم على المجرم. وصف أحد عناوين "ديلي ميل" غارة جوية إسرائيلية بأنها "تخلّف 200 قتيل"، أعقبها "بعد أن خرق صاروخ حماس وقف إطلاق النار الذي استمر سبعة أيام". هذا النوع من التبرير الإضافي، الذي يبرئ الجيش الإسرائيلي ضمنياً، لوحظ بشكل متكرر عبر "ديلي ميل" و"ذا صن".

إضافة إلى ذلك، وجد موقع "ذا نيو أراب" أنه، في الصحف الأربع، عندما استُخدمت اللغة العاطفية لوصف الفلسطينيين، كانت مخصصة تقريباً حصرياً للنساء والأطفال، كما هو الحال في هذا العنوان من "ذا صن": "الأطفال المذعورون في غزة وإسرائيل متحدون بسبب الرعب عبر الانقسام". كان هناك اتجاه آخر يتمثل في التركيز غير المتناسب على القصص الفردية لمعاناة "الضحايا" الإسرائيليين (أو الحكايات البطولية عن البقاء)، في غياب لقصص الفلسطينيين الشخصية.

ووجد "ذا نيو أراب" أن الإسرائيلية شاني لوك خصصت لها عناوين عاطفية في "ذا صن"، أكثر من جميع عناوين الصحيفة عن الضحايا الفلسطينيين. بمعنى آخر، أعطت الصحيفة امرأة إسرائيلية اهتماماً إنسانياً أكثر من 27 ألف ضحية فلسطينية في أنحاء غزة والضفة الغربية.

وكشف تحليل "ذا نيو أراب" أن عناوين هذه الصحف الأربع استخدمت لغة عاطفية بحرية تجاه الإسرائيليين، لكنها كانت محجوبة وغير مبالية عند مناقشة الضحايا الفلسطينيين. وبينما "تموت" النساء والأطفال الفلسطينيون، هكذا ببساطة، يُقدم للقارئ إسرائيليون "دامعون يُذبح أحباؤهم" باستمرار، أو "تقطع رؤوسهم"، و"تقشعر لهم الأبدان". بينما حركة حماس توصف بـ"الشريرة" و"القاسية" و"الوحوش" و"الإرهابيين" و"المتوحشين" و"البرابرة".

قال الغزي عن النتائج التي توصل إليها "ذا نيو أراب" إنها تمثّل "تدويناً واضحاً لكيفية توجيه (هذه الصحف) أو سعيها للتأثير على الرأي العام عندما تقول له: الإسرائيليون هم الضحايا الذين يجب أن تشعروا بالتضامن معهم، ويجب أن تشعروا بأنهم أناس مثلنا، في حين أن الفلسطينيين لا داعي للقلق بشأنهم".

وفي حين أن العناوين الرئيسية لـ"ذا تايمز" و"ذا تليغراف"، تستخدم لغة عاطفية أقل من الصحف الشعبية مثل "ذا صن" و"ديلي ميل"، فقد وجد "ذا نيو أراب" أن كلتا المطبوعتين تميلان بشكل غير متناسب إلى إسرائيل. ركّزت كلتا الصحيفتين على الروايات التي تبرّر الإجرام الإسرائيلي في قطاع غزة وتضعه في سياقه. على سبيل المثال، أوضح أحد العناوين الرئيسية في صحيفة "ذا تايمز" كيف أن "الانتقام" من السابع من أكتوبر/ تشرين الأول "سيكون سلاماً". ومما يثير القلق، عدد عناوين "ذا تليغراف" التي تعبر عن الدعم غير المشروط للجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، مثل: "المدنيون في غزة متعاطفون مع الإرهابيين" أو "لإسرائيل كل الحق في القيام بكل ما يلزم للقضاء على حماس النازية".

في الواقع، كانت مثل هذه العناوين شائعة جداً لدرجة أن حوالي 57 في المائة من عناوين "ذا تليغراف" البالغ عددها 106 تعبّر عن روايات تبرّر حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة. على النقيض من ذلك، لم يُعبَّر عن الروايات التي تبرّر النضال الفلسطيني المسلّح أو تضعه في سياقه ولو مرة واحدة، في أي منشور، عبر العناوين الرئيسية البالغ عددها 617 التي حلّلها "ذا نيو أراب".

المساهمون