"أونست ريبورتينغ"... حاجز صهيوني على الكلمة والصورة

"أونست ريبورتينغ"... حاجز صهيوني على الكلمة والصورة

10 نوفمبر 2023
من تشييع الصحافي محمد أبو حطب الذي قتله الاحتلال وعائلته في خانيونس (عبد زقوت/ الأناضول)
+ الخط -

"أن تكون تقدمياً يعني أن عليك أن تكون مناصراً لإسرائيل أيضاً"، هكذا اختصر جيل هوفمان هدف المنظمة الصهيونية "أونست ريبورتينغ" HonestReporting حين عُيّن مديراً تنفيذياً لها العام الماضي. تصريح لا يحيد عن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين يخوضون "صراعاً" ضد "أطفال الظلمات" ويدافعون عن "العالم الحرّ" ضد "الإرهاب"... وبينما تؤكد قوات الاحتلال الإسرائيلي على "تقدميتها" من خلال استمرارها في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، تعتمد "أونست ريبورتينغ" استراتيجية "مطاردة الساحرات" لا بحق الفلسطينيين فحسب، بل بحق كل شخص يجرؤ على قول الحق والتعبير عن إدانته لإسرائيل، فتطلق عرائض لطرد صحافيين وموظفين من مؤسسات وشركات عالمية يساندون القضية الفلسطينية، والأدهى أنها تنجح في ذلك، وتحرض على كل متعاطف مع الفلسطينيين، وتدعي بخبث أنها لا تقوم إلا بـ"الفضح والردّ على انعدام الدقة والانحياز" في التغطية الإعلامية بما يتعلق بالكيان الصهيوني.

تقول "أونست ريبورتينغ" إنها تأسست عام 2000 على يد "طلاب جامعيين بريطانيين يهود". من بين مموليها منظمة "أيش ها توراه" اليهودية الأرثوذكسية المحافظة، وهي مسجلة كمنظمة غير ربحية في إسرائيل وكندا والولايات المتحدة.

بالنسبة لـ"أونست ريبورتنيغ"، قد يكون الانحياز مجرد الموافقة على وصف سقوط أكثر من 10800 شهيد في غزة بـ"الإبادة الجماعية" في عمود لإيشان ثارور نشر في صحيفة واشنطن بوست، فما يحصل في غزة "ليس مجزرة، بل حرب تخوضها إسرائيل ضد حماس، وتلتزم فيها بالقانون الدولي"، أو قد يكون الانحياز مجرد نشر شبكة سي أن أن رسماً بيانياً يستند إلى منظمة الصحة العالمية وفيه مقارنة بين الاستهداف الإسرائيلي لقطاع الرعاية الصحية في غزة أو ذلك الروسي للقطاع نفسه في أوكرانيا، لأنه "بكل بساطة، لا تكافؤ أخلاقياً بين جرائم الحرب الصارخة التي ترتكبها روسيا والتزام إسرائيل بالقانون الدولي"، أو قد يكون مجرد نشر مجلة ذا تايم تصريحاً من الأكاديمية مونيكا ماركس تقول فيه إن "الإصرار على أن حماس هي نفسها داعش يمكّن الزعماء الإسرائيليين من إسكات الانتقادات التي يواجهونها حول كيفية معاملتهم للفلسطينيين"، أو وصف صحيفة نيويورك تايمز في أحد تقاريرها عملية طوفان الأقصى بـ"هجوم قادته حماس عبر الحدود"، فما حصل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لم يكن "هجوماً" بل "مجزرة إرهابية". حتى مجرد كتابة محلل في "سكاي نيوز" أن الحرب التي أعلنها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على غزة "غضت النظر عما سيواجهه الفلسطينيون"، أو ذكر مذيعة "بي بي سي" أنها "لا تستطيع التأكد من فيديوهات" نشرها إسرائيليون، تعتبرها "أونست ريبورتينغ" انحيازاً ضد إسرائيل.

وفي سجل هذه المنظمة "إنجازات" عدة؛ العام الماضي طردت "بي بي سي" الصحافية الفلسطينية تالا حلاوة، على خلفية تغريدة وصفت فيها إسرائيل بـ"النازية". كتبت حلاوة التغريدة قبل أن تصبح موظفة لدى "بي بي سي"، وإبان العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 حين استشهد 2322 فلسطينياً، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأةً، و102 من المسنين، وفق إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية. وقبل بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، خلال الشهر نفسه من عام 2014، خطف وحرق عدد من المستوطنين الإسرائيليين الطفل محمد أبو خضير، من مدينة القدس المحتلة. وكانت قد عادت تغريدة حلاوة إلى السطح، بعدما نبشتها "أونست ريبورتينغ"، وحرضت على كاتبتها التي اتُهمت بمعاداة السامية، وهي الشماعة التي ترعب المؤسسات الأجنبية ويرفعها الصهاينة في كل من يتجرأ على قول كلمة ضدهم.

العام الماضي أيضاً، وبتحريض من "أونست ريبورتينغ"، سحبت مؤسسة تومسون رويترز جائزة كورت شورك للصحافة الدولية من الصحافية الفلسطينية شذى حماد، بعد أيام قليلة من منحها إياها، بزعم كتابتها منشورات معادية للسامية أيضاً.

وأيضاً عام 2022، أنهت صحيفة نيويورك تايمز تعاقدها مع المصورين الصحافيين الغزيين حسام سالم وفادي حنونة وسليمان حجي، والتهمة نفسها، وبعد تحريض من المنظمة نفسها.

كل كلمة يجب أن تمر عبر البوابة الصهيونية للتفتيش إذاً، وهو سلوك مخابراتي يزاحم الفلسطينيين ومناصري قضيتهم على بقايا الهواء.

هكذا صعدت "أونست ريبورتينغ" حملتها، واستهدفت الأربعاء 4 مؤسسات إعلامية دولية بضربة واحدة: "أسوشييتد برس" و"رويترز" و"نيويورك تايمز" و"سي أن أن". ما التهمة/ التلميح؟ هذه المؤسسات كانت على علم مسبق، عبر المصورين الصحافيين الذين تتعاون معهم في غزة، بعملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أسفرت عن قتل 1400 إسرائيلي في 7 أكتوبر.

وتساءلت "أونست ريبورتينغ" بخبث: "ماذا كان يفعل المصورون هناك في وقت مبكر جداً صباح يوم سبت يكون هادئ عادةً؟ هل نسقوا مع حماس؟ هل وافقت وكالات الأنباء المحترمة التي نشرت صورهم على تواجدهم داخل أراضي العدو مع الإرهابيين المتسللين"؟ والمصورون الذين استشرست عليهم المنظمة هم حاتم علي ويوسف مسعود وعلي محمود وحسن اصليح، والأخير حصراً قطعت "أسوشييتد برس" و"سي أن أن" علاقتهما معه، من دون تحديد الأسباب، علماً أنه الحملة ركزت عليه أكثر من غيره، وخاصة بعد نشر صورة له مع زعيم "حماس" يحيى السنوار.

وأقرّ جيل هوفمان، الخميس، بأن المنظمة لا أدلة لديها لدعم تلميحاتها، زاعماً أنها لم تقم إلا بـ"إثارة أسئلة مشروعة" حول التغطية الإخبارية. هذه "الأسئلة" طبعاً تلقفها المسؤولون الإسرائيليون الذين لم يترددوا في الدعوة إلى قتل الصحافيين، علماً أن 49 من الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام استشهدوا منذ بداية العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى مصور "رويترز" في لبنان عصام العبدالله.

المتحدث باسم حكومة الاحتلال قال، في بيان، إن إسرائيل تطالب بتوضيحات من المؤسسات الإخبارية في ما يتعلق بما نشرته "أونست ريبورتينغ"، مضيفاً أن ما وصفه التقرير "يتجاوز كل الخطوط الحمراء المهنية والأخلاقية". وأضاف أن "هؤلاء الصحافيين كانوا شركاء في جرائم ضد الإنسانية، وكانت أفعالهم تتنافى مع أخلاقيات المهنة". وأدان سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون ووزير الدفاع السابق بيني غانتس "أي صحافي كان على علم مسبق" بالعملية، وقالا إن "أي شخص وقف مكتوف الأيدي" في ذلك اليوم "لا يختلف عن الإرهابيين، ويجب معاملته على هذا الأساس".

من جهة ثانية، نفت المؤسسات الإخبارية المذكورة أي علم مسبق بعملية طوفان الأقصى. "رويترز" أكدت "بشكل قاطع نفيها أنها كانت على علم مسبق بالهجوم أو أنها وضعت صحافيين مع حماس في السابع من أكتوبر"، وأضافت أنها "حصلت على صور من مصورين مستقلين يقيمان في غزة وكانا على الحدود في صباح السابع من أكتوبر، ولم تكن لها علاقة سابقة بهما"، وأوضحت أن الصور التي نشرتها "التقطت بعد ساعتين من إطلاق حماس صواريخ على جنوب إسرائيل وبعد أكثر من 45 دقيقة من إعلان إسرائيل أن مسلحين عبروا الحدود". وشددت على أن صحافييها لم يكونوا موجودين على الأرض في المواقع المشار إليها في تقرير "أونست ريبورتينغ".

"أسوشييتد برس" نفت أيضاً علمها مسبقاً بالعملية، وأكدت أن "الصور الأولى التي تلقتها الوكالة من أي صحافي مستقل تظهر أنها التقطت بعد أكثر من ساعة من بدء الهجمات. ولم يكن أي من موظفيها على الحدود وقت الهجمات، ولم يعبر أي منهم الحدود في أي وقت".

وأصدرت "نيويورك تايمز" بياناً دعمت فيه المصور يوسف مسعود الذي بدأت بالتعاون معه في 7 أكتوبر، وأكدت أنه لا صحة لتلميحات "أونست ريبورتينغ"، ورأت أن مزاعم المنظمة "المتهورة" تعرض صحافييها "الموجودين على الأرض في إسرائيل وغزة للخطر". وكذلك نفت "سي أن أن" هذه المزاعم.

واستنكرت منظمة مراسلون بلا حدود "الدعوة إلى قتل صحافيين"، معتبرة أن "التصريحات التي تشوّه مصداقية مهنة بكاملها غير مقبولة". وأضافت المنظمة غير الحكومية في بيان أن "السلطات الإسرائيلية انتقلت من تأكيد أنها لا تستطيع ضمان حماية الصحافيين في غزة إلى إصدار تهديدات بالقتل إلى صحافيين يغطون الصراع، بناء على شبهات لم تثبت صحتها حتى الآن".

المساهمون