نانسي عجرم... لماذا صمدت نجوميتها عشرين عاماً؟

نانسي عجرم... لماذا صمدت نجوميتها عشرين عاماً؟

05 يوليو 2019
"أخاصمك آه" محطة فاصلة في مسيرتها (2u2c)
+ الخط -
لا تغيب الفنانة اللبنانية نانسي عجرم عن مهرجان جرش الذي تقيم فيه حفلاً يوم 20 يوليو/تمّوز الحالي. وككل عام، يحظى خبر مشاركتها بترحيب الجمهور. حتى أنّ كثيراً من المتابعين يغادرون بلادهم إلى الأردن خصّيصاً من أجل حفلها. ما سرّ سطوة عجرم على الجمهور منذ قرابة عقدين من الزمن؟

عام 2001، عندما قدّمت نانسي عجرم أغنية "شيل عيونك عنّي"، بدا أنّ المصير الفني للمغنية ابنة الـ18 عاماً آنذاك، شبه محسوم: فنانة متوسطة average artist، مثلها مثل الكثير من الفنانين الذين يتمتعون بصوت مقبول، لكن من دون حضور طاغ ولا خيارات فنية موفّقة. غير أنها نهاية عام 2002، في شهر ديسمبر/كانون الأول تحديداً، خيّبت عجرم هذه التوقعات، فعادت؛ لكن هذه المرة تحت إدارة جيجي لامارا، لتقدّم "أخاصمك آه" (كلمات فوزي إبراهيم، وألحان محمد سعد، وتوزيع عادل عياش).

لا تنفصل الأغنية عن فيديو كليبها، وإلا فقدت معناها وأثرها الحقيقي، والانتشار الذي حققته في تلك الفترة: شابة جميلة (لا تشبه الطفلة التي كانت تغني "شيل عيونك عني") ترتدي فستاناً ضيقاً مثيراً، ترقص في قهوة شعبية في منطقة البسطة البيروتية أمام الرجال، تغازلهم، وتغريهم، ثّم تمشي بدلع ولامبالاة في الشارع.
عرفت المخرجة نادين لبكي، القادمة من تجربة ناجحة في عالم الإعلانات، كيف تخرج من نانسي عجرم كل الإثارة الممكنة، وكيف تسوّق لمنتجها الشاب والجديد بمشاهد سريعة، ومترابطة، من دون تنقّل الكاميرا في أماكن مثيرة.


التصاق هوية الأغنية بالفيديو كليب المثير إياه، جعل نانسي تتلقى سيلاً من الانتقادات اللاذعة بداية بالنقاد الفنيين الذين كانوا حتى تلك السنة يلعبون دور الحارس الأخلاقي للمشهد الفني. انتُقد جيجي لامارا وانتُقدت نادين لبكي لتحويل طفلة بريئة إلى قنبلة إثارة. طالب بعض النواب في مجلس الشعب المصري بمنع عرض الأغنية (المواقع المصرية اليوم هي أكثر من ينشر خبر مشاركتها في جرش). أما في لبنان، فجاء العمل ليخلق ثالوثاً رمادياً من الإغراء الفني، بطلاته إليسا بشرشفها الأبيض في "بدي دوب" (1999)، وهيفاء وهبي بفستانها الأحمر في "أقول أهواك" (2002)، ثمّ نانسي عجرم في "أخصمك آه". وهو الثالوث المسيطر حتى اليوم رغم مرور أكثر من عقد ونصف من الزمن.

هذا التنصيف لم يعجب نانسي على الأرجح في البداية. هي التي تغنّي منذ كانت في الثامنة، ويصفّق لها جمهور المهرجانات المحلية، عندما تؤدي لأم كلثوم وفايزة أحمد. هكذا، بدأت تطل في مقابلات لتعلن أنّ لا كلام الأغنية ولا لفيديو كليب فيهما أي إغراء، بل مجرد لعب يليق بشابة في العشرين من عمرها. وكصك براءة من تهمة الإغراء الوقح، قالت في مؤتمر صحافي في الأردن عام 2004، رداً على سؤال عن أغنيتها إياها: "الأطفال يقلدونني ويغنون مثلي، لا يمكن للأطفال أن يكونوا وقحين".

نعود إلى عام 2001. كان جيجي لامارا وقتها يعيش أيامه الأخيرة مع النجمة التي صنعها، أي ألين خلف. توترت العلاقة بينهما، لأسباب لم يعرفها أحد، خصوصاً أن تصريحات خلف ولامارا حول الموضوع كانت متضاربة. عُرضت أغنية "أخاصمك آه" على خلف التي رفصتها على اعتبار أنها لا ترتقي إلى مستوى ما قدمته في وقت سابق، واختارت بدلاً منها أغنية "هيمانة" من كلمات فوزي إبراهيم وألحان محمد سعد أيضا، لتضمها إلى آخر ألبوماتها الناجحة "لو عندك كلام" (2002). انتهت العلاقة بين لامارا وصاحبة "يا زين"، وبدأ مدير الأعمال الشهير رحلة البحث عن نجمته الجديدة، ليجد ضالّته في نانسي عجرم. مرّت أشهر عدة لم يعرف فيها أحد ما الذي يحضّره جيجي لامارا ونانسي عجرم. لتأتي النتيجة مدوية؛ أي أغنية "أخاصمك آه".

عمل لامارا مع نجمته الجديدة، ومع نادين لبكي على خلق نجمة جريئة لكن غير مستفزة، جميلة لكن غير مبتذلة، مغرية لكن إغراءها لا يخيف المشاهد. بجسد المرأة الناضج، وصوت يتراوح بين الدلع الطفولي المريح والدلع، ولدت النجمة نانسي عجرم. لم تعتمد الأغنية نفسها على الكثير من المغامرة أو التجديد، واختارت -موسيقياً- خلطة شبه مضمونة النجاح. كلام مصري بسيط وقريب من أذن المستمع، ولحن شرقي صريح وإيقاع مقسوم وتوزيع مألوف، إلى جانب الغناء بمساحات صوتية محدودة.

رقصت نانسي في قهوتها الشعبية وسط عشرات الرجال، خالعة عنها صورة الابنة البارة لعائلة مسيحية لبنانية تقليدية من الطبقة الوسطى، وهي الصورة التي كرّستها في فيديوهاتها السابقة (محتاجالك/1998 وشيل عيونك عني/2001)، ومتخلّصةً من عبء الأغنية الطربية والجبلية التي اعتمدتها في مسيرتها الأولى، أي قبل العام 2002.


لكن من غير المنصف وغير الموضوعي نسب نجاح الأغنية الكبير إلى "عوامل داخلية" فقط أي فريق العمل والموسيقى والفيديو كليب. بل إن عوامل خارجية كثيرة، صقلت العمل، ورفعت معه نانسي إلى مصاف النجمة الأولى. قبل عام بالضبط من "أخاصمك آه"، كانت هيفاء وهبي ترقص تحت المطر بفستان أحمر مثير، حافية القدمين وتُغنّي "أقول أهواك"، محققة نجاحاً مبهراً أوصلها في أشهُر إلى الإعلام العالمي، مواجهةً كل الانتقادات (التي لم تهدأ حتى اليوم) بضحكتها اللامبالية إياها.

كانت رقصات هيفاء المبلولة تعلن أفول نجم "الفن النظيف"، على وقع اهتزاز المنطقة العربية والعالم كله سياسياً واجتماعياً: الاحتلال الأميركي لأفغانستان، وإعلان الرئيس الأميركي وقتها جورج دبليو بوش انطلاق أسطورة الحرب على الإرهاب، ورفع كولن باول صوراً قال إنها تثبت امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. كان كل شيء يتزعزع، وكانت المسلمات تتساقط واحدة تلو الأخرى في السياسة والأمن، وفي الفن أيضاً.


عبّدت هيفاء وهبي الطريق أمام كثيرات، فجاءت نانسي عجرم بصوت أمتن، وأداء أكثر تماسكاً، وخيارات فنية أكثر احترافية، لتسرق كل الأضواء. باتت مشاهد المغنية اللبنانية على شاشات المقاهي الشعبية في مصر، وداخل البيوت العربية، مع ولادة قنوات متخصصة بعرض الفيديو كليبات. استقبل الجمهور الأغنية بعينه، بعدما باتت منصات البث مرئية (التلفزيون) وليست مسموعة فقط (الراديو). في البداية، مع "أخاصمك آه"، ظهرت علامات استفهام كثيرة حول ما إذا كانت نانسي مجرد رقم آخر في مسيرة فن الإغراء (أو في رواية أخرى الفن الهابط)، لكن سرعان ما نقضت عجرم هذه النظرية بألبوم "يا سلام" (2003) وبفيديو كليبين آخرين هما "يا سلام" و"سحر عيونه" تحت إدارة نادين لبكي أيضا.


أثبتت عجرم أنها تتمتع بمساحة صوتية تتحكم بها بشكل مقبول، إلى جانب حكمة في الخيارات الغنائية، التي جعلتها تطيح بكل منافسيها القدماء والجدد. وما ساعدها في تصدّر المشهد الموسيقي بشكل شبه تام، كان تراجع نجمات البوب التقليديات اللواتي طبعن التسعينيات، وعلى رأسهنّ نوال الزغبي، التي وضعت طفليها عام 2002، وانسحبت من المشهد الفني طيلة عامَين، لتعود عام 2004 بخيارات فنية أقل توفيقاً وليرتبط اسمها بعدها لسنوات بالمشاكل العائلية مع زوجها ومدير أعمالها، وقتها، إيلي ديب.
عرفت نانسي كيف تحافظ على هذه المكانة بعد 17 سنة. نجمة البوب العربية الوحيدة المتربعة عرش لم يهتز منذ رقصتها الأولى في ذلك المقهى الشعبي على أنغام "أخاصمك آه" حتى اليوم.

المساهمون