"حب واحد وحياتان": أسئلة فلسفيّة في إطار سينمائيّ

"حب واحد وحياتان": أسئلة فلسفيّة في إطار سينمائيّ

14 يوليو 2019
الممثلة التركيّة بيرجوزار كوريل (Getty)
+ الخط -
بداية، الفيلم متاح مع الترجمة على عدّة مواقع إلكترونية مهتمة بالدراما التركية، سواء التلفزيونية أو السينمائية. بنظرة سريعة على الاسم الذي أُطلق على الفيلم خلال مراحل الإعداد الأولى، نجد أنّ الاسم الأول "احتمالٌ آخر"، كان الأكثر ملاءمة لفكرة الفيلم. أما "حبّ واحد وحياتان" (إخراج علي بيلجين)، فهو لا يتلاءم مطلقًا مع القصة. وقبل الدخول في التفاصيل، من الضروري القول إنّ هناك خطأ دعائيّاً وقع، حين تم الترويج للعمل باعتباره يحمل "قصة حب جميلة"، رغم أن قصة الحب ليست الأساس ولا الرسالة الأساسية للعمل. 

على عكس الفيلم اليوناني "ماذا لو"، إنتاج 2012، والذي اقتُبِسَت منه النسخة التركية، كانت الأزمة الاقتصاديّة التي عصفت بالبلاد موجودة في خلفية أحداث "ماذا لو" ومحرّكة لها. أما النسخة التركية، فقد جاءت بنظرة فلسفية، وذلك لفارق الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بين البلدين. يناقش "حب واحد وحياتان" مجموعة من الأسئلة: كم احتمالاً قائماً في لحظة واحدة؟ ما المواقف التي تقولون فيها: من الجيد أننا كنا هنا؟ أو ما هي اللحظات التي قلتم فيها: ليتنا لم نكن هناك؟ كم عددها؟

شخصيَّة الفيلم الأساسية "أوموت" هو مخرج دعاية وإعلان، ويرغب في الدخول لعالم الأفلام، ويعاني من إخفاقات متتالية لرفض مشروعه، وهو مدين لمرابين بمبلغ كبير، رغم امتلاكه ثروة قيّمة متمثّلة في لوحات فنية، وشاشة عرض قديمة وأفلام كلاسيكية بنسخها الخام الأصلية. ويعاني على الجانب الآخر مع والدته المريضة بالزهايمر، والتي لا تتذكر من ماضيها سوى خيانة زوجها لها، وتحمُّلها مسؤولية تربية ابنها الذي كبر، ولا تكاد تعرفه. عاش "أوموت" طفولة تعيسة بسبب غياب الأب، وبكى حين طلبت معلمته رسم عائلته.

يسير الفيلم في خطين متوازيين من حياة "أوموت". الأول، يدور حول السؤال: ماذا لو قرر التجوُّل مع كلبه "أوسكار"؟ والثاني، ماذا لو بقي في المنزل وواجه المرابين؟ في الخط الأول يبدو مسيطراً على مجريات حياته بشكل كبير، وإن كانت تشوبها أنانيته ورغبته في تحقيق حلمه بإخراج أول فيلم له. إذْ يندمج في علاقة عاطفية لم تكن خطواتها وتطوراتها بقناعة حقيقية منه، لكنه دُفِع لها دفعاً، وانتهت بالزواج والإنجاب، ويُعْتقَد بأنَّها العائق القوي نحو عدم تحقيق حلمه. وفي أحد مراحل الهروب من الفشل المستمر، يقوم بخيانة زوجته.

على الجانب الموازي أو الاحتمال الآخر، هو نفسه الرجل الذي انقلبت حياته رأساً على عقب بعد شجار عنيف مع المرابين، انتهى بمحاولة قتله، ويعيش علاقة مع امرأة متزوجة، تغلبُ عليها الشهوة، إذْ يعيش العلاقة، وكأنه يعاقب نفسه في سقوط يليه سقوط. الابتسامة الصفراء تخفي وراءها بركان غضب لشخص خانته أمانيه. إذْ يحاول أن يلملم أشلاءه، ويستعيد حياته، لإيجاد حلول لمشاكله الماليّة، وكانت لحظة موت أمه بمثابة جرس إنذار وإفاقة. خاطبت الطفل الذي تتذكره بألا يحتفظ بألعابه لنفسه. واستمرت محاولاته حتى نجح في العثور على ممول لفيلمه الأول "الرياح"، وبدأت حياته تسير نحو الاستقرار.

رغم البعد الفلسفي وعمق الرسالة والأسئلة المطروحة بلا إجابة، إلا أن الإطار الذي قُدِّم فيه الفيلم لم يكن صعباً أو غامضاً، وتلك ميزة قوية تحسب له. الانتقال بين الحكايتين كان سلساً وسريعاً دون لحظة ملل واحدة، أو الشعور بالابتعاد عن فكرة العمل والاسترسال. لم يكن اختيار اسم "أوموت"، ويعني بالتركية "أمل"، عبثاً. إذْ لم يكن يكفُّ عن محاولات إخراج فيلمه للنور، رغم لحظات الانهزام واليأس التي تصيبه. كذلك اسم البطلة "دينيز"، وتعني "البحر"، والتي أحدثت تغييرات جذريّة في حياته، بعنفوانها وحركاتها الطفوليّة، كان أقواها أنه عرف معنى الأبوة والأسرة، وبأنّها الأهم وسط حياته المبعثرة.

مشهد المواجهة بين "أوموت" و"دينيز" في المقهى، وعرض التطوُّر الزمني في العلاقة، تلخَّصت في عبارات مختصرة ومعبرة، وعالجها المخرج في مشهد وحيد، بلقطات متتالية، جمع فيه فصول السنة الأربعة، وهو من المشاهد التي برزت فيها بشكل كبير براعة المونتاج. مشهد قيام "أوموت" بحلق شعره، يعتبر من أصعب مشاهد العمل، إذ إنّ أي خطأ ولو بسيط في التقمُّص والاندماج، سيكون مكلفاً، الأمر الذي يجعله المشهد الأكثر براعة في الفيلم. أمّا الموسيقى التصويرية والأغاني، فكانت في محلّها تماماً، حتى صوت الرياح والمطر. ولم تكن التغيرات في الموسيقى بين الاحتمالين والشخصيتين حادة.
حين تم الإعلان عن اسم بطلة الفيلم، بيرجوزار كوريل (دينيز)، كشريكة لإنجين أكيوريك (أوموت)، كتب كثير من المتابعين، ومن جمهور النجمين نفسيهما، أن التناسق بينهما سيكون صفراً، نظراً لملامح البطلة التي تبدو أكبر من عمرها، وكذلك لطول قامتها. في حين كتب آخرون عن وجوب الانتظار. لكن، حين يتوافر نصّ قويّ بيد مخرج مشهود له بالتمكن، يضاف لهما ممثلون بارعون، فلا بد أنّ تكون النتيجة مبهرة. فقد فعلت الكيمياء بينهما فعلها، وكان التناسق والتكامل عاليين، وظهر مدى التفاهم والارتياح بينهما على الشاشة. وتبقى في النهاية رسالة العمل: "بدلاً من البحث عن السعادة، اتركوا أنفسكم لمسار الوقت".

المساهمون