صور السيلفي المفلترة... هوسٌ مرضيّ نهايته الضرر؟

صور السيلفي المفلترة... هوسٌ مرضيّ نهايته الضرر؟

04 فبراير 2019
نعيش في عصر الصور الشخصية المُعدّلة (Getty)
+ الخط -
لم تكن الفلاتر التي تستخدم على الصور، الموجودة في تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر انتشارًا من قبل. وهي اليوم، بحسب أطبّاء الجلد والتجميل، تقود معظم الأشخاص إلى استخدام الحشوات والبوتوكس والإجراءات التجميلية الأخرى. إذْ باتت الصور المفلترة أو المعدلة، هي القاعدة على وسائل التواصل الاجتماعي، فعملت على تغيير فكرة ما هو جذّاب عالميًّا في الحياة الواقعية. ماذا وراء الهوس في السعي لشكلٍ لا تشوبه شائبة؟

نعيش جميعاً في عصر الصور الشخصية المُعدّلة والمعايير المتطورة للجمال، إذْ أدى ظهور منصات التواصل الاجتماعي التي تعتمد بأغلبيتها على الاستناد إلى الصور وشعبيتها، من "سنابشات" إلى "إنستغرام"، إلى وضع تقنيات الفوتوشوب والفلاتر في جيب كل فرد منا. فأصبحت هذه الفلاتر والتعديلات هي القاعدة، وتغيّر إدراك الناس للجمال في جميع أنحاء العالم. حتى إنها ساهمت في خلق معايير جمال جديدة، غير قابلة للتحقيق!

وتأكيدًا على ذلك، ازدادت عمليات التجميل عند صغيرات السنّ ومدمني "السيلفي" أو "الفاشونيستاز"، ذكوراً وإناثاً على حد سواء. وازدادت فكرة الشعور بعدم الأمان بين المراهقين والمراهقات. حتى أصبح جيل الألفية يحاول تكرار الكمال الموجود في تعديلات التطبيقات في الحياة الحقيقية، من خلال البحث عن العلاجات التي تحدد عظام الوجنة، أو تقوم بتقويم أو تصغير حجم الأنف بشكل غير متناسق. ومع كثافة الحياة التي نعيشها جميعنا اليوم على الإنترنت، من المواعدة إلى البحث عن عمل، تُعتبر الصور الحديثة ذات الجودة العالية ضرورة أيضًا. فلا عجب أن تكون التطبيقات التجميلية التي تغطي العيوب الطبيعية في ثوان أو كبسة زر، هي الأكثر رواجًا. هذا وقد بدأ جرّاحو التجميل وأطبّاء الجلد في الآونة الأخيرة يلاحظون توجهًا مربكًا فيه يقصدهم المرضى، جالبين صورًا ذاتية، غالبًا ما تم تصفيتها وتحريرها بشكل كبير، مطالبينهم بإجراءات تجعلهم يبدون مثل إصداراتهم المفلترة المثالية من أنفسهم.

تشير طبيبة الجلد في لبنان، الدكتورة زينة نعمة، إلى ازدياد تلك الظاهرة. وأكّدت وجود العديد من الأشخاص الذين يطلبون إجراءات تجميلية، كي يشابهوا صورتهم الرقمية مع الفلتر. فتكاد أن تكون مرضاً يمكننا أن نطلق عليه اسم: "اضطراب الفلتر أو Filter Disorder"، إذْ إنها لاحظت تغييرًا في سلوكات قاصديها. ففيما كان المرضى يصوّرون في السابق صور المشاهير، ويشيرون إلى ما يريدونه ليشابههم من جلد مثالي أو شفاه ممتلئة، بات أكثر من نصفهم اليوم يأتون إليها بصورهم الشخصية مع "فلتر سنابشات"، أو صورة معدّلة في تطبيق ما كـ"فايس تيون" أو "كاميرا إيفكت"، ويطالبون ببشرة مثالية مبكسلة ناعمة كالحرير، وعيون كبيرة مرفوعة، أو شفاه تكاد تكون غير واقعية أحياناً في بعض الطلبات البعيدة المنال. ما يؤدي إلى دخول العديد من مغتصبي المهنة، أو الأطبّاء غير المتخصصين إلى الصورة، ومن ثم إيهام المرضى بأن من الممكن القيام بتلك "التعديلات المزعومة"، التي تنتهي بضرر ما.

إلى ذلك، أشارت الدكتورة نعمة لـ"العربي الجديد"، إلى أن الصور المفلترة اليوم تكاد "تطمس الخط الذي كان يفصل بين الواقع والخيال، وهي بمثابة إنذار حقيقي وعلامة على معاناة صحّية نفسية كامنة وشائعة جداً"، فأصبح الخيال حقيقة واقعة في الصور، والصور الحقيقية بلا الفلاتر نوعا ماً، صارت غير حقيقية للشخص نفسه، إذاً ما نخافه هو أن يؤدي ذلك إلى اضطراب تشوه الجسم (BDD)، وهو حالة صحّية عقلية أو وسواس قهري، إذْ يشعر المريض بأن في شكله ومظهره عيباً ما يتخيله هو فقط. ويتحوّل إلى مهووس، إذْ إن توازن حياته بالكامل، معلّق إذا استطاع تمويه عيبه المتصوّر بشكل مناسب. رغم ذلك، رداً على سؤال ما إذا ما زالت "سرّية العملاء" تعني لزبائنها، قالت لـ"العربي الجديد" بأن "الأغلب لا يأبه مشاركة الناس أنه يقوم بتعديلات ما، ولم يعد الإفصاح عن هوية المُعالج من المحرّمات، بل العكس تماماً، يفتخر الأكثرية بأنني طبيبتهم".

وكما هو الحال في كل العالم العربي، تستخدم الدكتورة زينة تقنية "الحقن" غير الجراحية، وغير الدائمة، مثل حشو البوتوكس والفيلر، وذلك لتكبير الشفاه، أو تمليس الأنف الوعر، أو تغطية شوائب الهالات السوداء تحت العيون، وهذا طبيعي. أما غير الطبيعي، فهو تعدد حالات الناس الذين يأتون إليها، بعدما قاموا حرفياً بتشويه أنفسهم.
"هناك خطر واضح في محاولة تغيير المعالم كلياً، عندما تكون بعيدة جداً عن الواقع، أو حتى عن الاتساق. ويخيفني كثيراً إصرار أحد مرضاي على عيوب غير موجودة، أو بحثهم عن إجراءات تجميلية غير ضرورية، وهنا يأتي دوري كمختصة كي أحدد السلوك القهري، ومساعدة مرضاي، من أجل أن يعلموا بأنه ما من صورة مثالية، وبأننا مثاليون في اختلافاتنا، إذْ إن التحسين الذي أساعدهم على القيام به، هو إظهار أجمل ما في اختلافهم، وليس تغييرهم جذرياً، وهو أمر لا ينتبه إليه العديد من مغتصبي المهنة. فعملي غالباً ما يتضمن الحاجة إلى تثقيف المرضى على الاستخدام الصحّي للمنتجات الفعالة التي تساعد جسدهم على التميّز، لا المنتجات التي تنتقص من جمالهم الطبيعي، وتجعلهم غير متناسقين بدل مساعدتهم على إبراز جمالهم".

المساهمون