زوامل الحوثيين في الحرب: أول المعركة وآخرها

زوامل الحوثيين في الحرب: أول المعركة وآخرها

18 فبراير 2018
مقاتلون حوثيون يؤدّون رقصة شعبية (محمد حمود/فرانس برس)
+ الخط -


أحيا الحوثيون فنّ الزوامل الشعبية من عزلته القبلية إلى فضاء أوسع انتشارًا في اليمن. إنها أناشيد الحرب التي تجسّد نصف المعركة. في مقدمة الجبهات، يحرص الحوثيون على فتح الزوامل عبر مكبرات الصوت. يصف المقاتلون العائدون كيف تجعلهم يرغبون في التقدّم للقتال، غير عابئين بالطائرات والمدافع. ترفع عزيمة المقاتل وسط المعركة، وخارجها تقوم بدور التعبئة العامة: "إذا الحصار اشتد واستحكم/ نسقي البنادق من نجيع الدم".

تعبّر كثير من الزوامل عن الحرب كلحظة بطولية بطريقة تذكرنا بعض الشيء بشعر الملاحم الفروسية. يذهب المقاتلون إلى المعركة؛ السلاح في يد، وفي الأخرى أناشيد الحرب، أو الزوامل. يتم توزيع مشغّل "إم بي ثري" على كل مقاتليَن أو أكثر، تُشغّل فيها من دون انقطاع بصوتي عالٍ. هكذا، نجح الحوثيون في توظيف الزوامل ضمن مشروعهم. وبصرف النظر عن أنماطها اللحنية المتشابهة، فهي لا تعتمد على أداء غنائي أو إنشادي، بل على الرتم الإيقاعي، والأصوات المتدفقة بحماسة، كما لا يتطلب الزامل صوتًا جميلًا.

هل تبدو رديفًا شعبيًا لموسيقى الهيب هوب؟ ربما، مع مسحة إنشادية؛ رتم أكثر رتابة، وطابع شعبي. ثمة أداء وظيفي لحالة تقترب من الصخب والعنف تبثها إيقاعات مرتفعة، مع فوارق جوهرية بين الحالتين، سواءً في الخطاب أو النسق الصوتي، وربما هذا التشابه البعيد أعطى زوامل الحوثيين هذا الحضور في اليمن، باعتبارها تمثل بيئة محلية.

حظيت زوامل الحوثيين بانتشار واسع تجاوز مناطق سيطرتهم، لنستمع إليها في عدن وتعز، ومناطق أخرى. ومع أن المقاومة لديها زوامل خاصة بها، لكنها لم تحظ بنفس النجاح. يعتبر عزيز مرفق أن التفاعل مع الزوامل بهذا الشكل مؤشر على أن الناس يبحثون عن أغانٍ تمثّل اليمنيين، أو فنون أدائية من بيئتهم. وعلى سبيل المثال، فإن الغناء الصنعاني لا يعطي أهمية للإيقاعات، وما زال المغنون يؤدونه بمصاحبة العود وبصورته التقليدية، بينما الزوامل الحوثية أنتجت شكلًا إيقاعيًا سريعًا.

لعل هذا اللون العريق الخاص بالمجتمعات القبلية، منح الحوثيين ثوبًا يتسم بالأصالة الثقافية، تنفي عنهم ما يثيره مناهضوهم أنهم يستوردون قيمًا غير يمنية، سواء عبر ارتباطهم بإيران، أو أنهم يستدعون المذهب الإثنى عشرية. فالأناشيد السائدة في الأوساط الشيعية في لبنان والعراق لم تلق أي نجاح في اليمن.

يظهر مواطن سعودي في اليوتيوب وهو يستمع لزامل "الطاهش البطاش"، وبعد استماعه يقول: "إذا اجتمعت العرب لتأتي بزامل مثله، ما استطاعت". يجسّد المشهد الأثر القوي الذي تتركه لدى مستمعيها، وتحديدًا لمجتمعات تتسم بروابط ثقافية متقاربة مع اليمنيين.


يستخدم هذا الزامل، وهو أحد أكثر الزوامل شعبية، تعابير يومية تحمل صورًا بسيطة ومباشرة، والطاهش تعني أحد الوحوش، وهو الضبع: "اضرب مواجعهم ولا ترحم/ وانسف عجول النفط بين اليم/ واصرف لهم شيك المنية كاش".

ولا ينسى الزامل تذكيرهم بالانتصار على الرئيس السابق علي صالح؛ "إنت الحنش اللي يقتل الحناش"، عبر استعارة مقولة ظل يرددها صالح طوال حكمه بأنه يرقص فوق رؤوس الثعابين. وفي الوقت نفسه، تعزّز الثقة لدى المقاتلين أن شيئًا لا يقف في طريقهم.

في السنوات الأخيرة، أصبح الزامل فنًا هامشيًا حتى وسط المجتمع القبلي. يؤكد أحد أبناء قبيلة همدان، معاذ قاسم، أن الزوامل كادت تختفي بين المزارعين ورجال القبيلة، بينما انتشرت الأغاني ثم الأناشيد، وحضرت الأهازيج الشعبية في الحروب والأعراس

ارتبطت الزوامل بمضامين قبلية صرفة لتعزيز أواصرها وتمجيد القبيلة، لكن الحوثيين أدخلوا عليها مضامين دينية، وأصبحت دواعيها القبلية مرتبطة بحركتهم السياسية المذهبية. إنها جزء من حياة القبيلة، تدوّن فيها أعرافها وتقاليدها وأحداثها. وتُنشد في سياقات عديدة، كالحرب، الترحيب، المساجلات، وأيضًا الأعراس والمفاخرة. إنه طقس احتفالي بامتياز.

أما الزامل كخطاب شعري عامي؛ فصنعته البديهة العادية للإنسان، حد تعبير الشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني، وهذا الطابع اليومي واكبه نظام صوتي غير لحني، عدا أنه يتسم بوزن ثابت يتخلله صعود وهبوط. ويعود لجذور قديمة، ربما إلى ما قبل التعرف على المبادئ اللحنية الأولى. فتأديته لا تتجاوز نغمة واحدة.


ومع اتساع الشريحة الاجتماعية التي يستهدفها الزامل، مع تغير وظيفته، من حامل للقبيلة إلى حامل سياسي لحركة سياسية، تطلّب تطويره إدخال بنى لحنية بسيطة مع الحفاظ على شخصيته، إضافة إلى استخدام تقنيات حديثة وتوزيع هارموني. واستعارت الزوامل ألحانًا من الموروث الشعبي اليمني، هي التي تحظى بانتشار أعلى من التي اعتمدت على ألحان جديدة.

تُستخدم بعض التقنيات الحديثة في زوامل عيسى الليث، مثل مضاعفة صوته لتشكيل أداء جماعي عبر الدوبل ميكس، إضافة إلى دمج مسارات مختلفة تؤدي كل منها من درجة مختلفة في توزيع هارموني. وعلى العكس من الليث، أظهر المُنشد لُطف القحوم صوته، ذا الطبقة الحادة، فرديًا، ثم تلحقه أصوات جماعية.

لا يمر حدث من دون مواكبته بزامل؛ فعندما هدّد الحوثيون بأنهم سيضربون أبوظبي بصواريخ بالستية، ظهر زامل: "اضرب على أبوظبي ضربات جامد". ومنه: "شرّد بآل سعود أسرة زايد/ ثم صب نارك فوقهم شبابة. بجعل عظامي.. نار انتقامي.. واصنع من أشلائي منصات الإطلاق".

وعندما اندلعت معركة الساحل الغربي على شريط البحر الأحمر، أصدر عيسى الليث زاملا باللهجة التهامية، يتغنى فيه بجبروت قبائلها. وظهرت زوامل بلهجة تعزية وأخرى بلهجة مأربية. ومع اندلاع صراعهم مع الرئيس السابق علي صالح، ظهر زامل "كذاب اليمامة" والمقصود صالح نفسه.

وبصرف النظر عن تفاوت وجهات النظر إزاء الزوامل، إلا أنها بطبيعة الحال أدت أغراضها كفن وظيفي بالنسبة للحوثيين. يؤكد الكاتب علوي السقاف على فعالية تلك الزوامل، بصرف النظر عن طبيعة ألحانها المتقاربة، إلا أنها لولا الانقسام اليمني وانحصارها في حركة بعينها، كان بإمكانها خلق تعبئة عامة أوسع في اليمن.

موضوع الزامل يومي قد يتناول شهيدًا بعينه. في إحدى المرات، لقي أحد شباب همدان حتفه في المعارك، أنتج الحوثيون زاملًا يتغنى به، وفي يوم العزاء سمعه أصدقاء الراحل، أثّر فيهم؛ فذهبوا إلى جبهات القتال، قُتل منهم اثنان، فالتحق بهم البقية، غادر معظم شباب القرية إلى الجبهات للثأر أو الموت. بالنسبة للحوثيين، أول كل معركة وآخرها، زامل.

من صعدة إلى المهرة
في أصله اللغوي، فإن الزامل مفردة مشتقة من زمَل؛ بمعنى رافق؛ وتعني المصاحبة أو المرافقة، بسبب نمط أدائه الذي يستند إلى أصوات مترافقة. وينتشر في المناطق القبلية اليمنية من صعدة إلى المهرة، ويمتد إلى قبائل نجران جنوب السعودية. وينشده أفراد القبيلة في المرتفعات الشمالية على إيقاع البرع؛ وهو إيقاع يتسم بميزان محدود، يتصاعد نشاطه تدريجيًا. ولكل منطقة إيقاعاتها ورقصاتها وطريقتها في أداء الزامل.

المساهمون