لبنان ينقّب عن حكومته النفطية

لبنان ينقّب عن حكومته النفطية

30 يناير 2014
+ الخط -
بين طائفة وطائفة، وبين مصلحة زعيم سياسي وآخر، وبين أزمة حكومية وأخرى، أصبح ملف التنقيب عن النفط والغاز في لبنان قضية القضايا. الآمال بأن تصبح الثروة النفطية رافعة الاقتصاد اللبناني، تكاد تتبدد على ساحة الخلافات بين الأطراف السياسية، إذ من الواضح أن الثروة التي من المفترض أن تكون "وطنية" ويفيد منها الشعب اللبناني بكامله، دخلت ساحة المحاصصات الطائفية، وذلك قبل إقرار المراسيم التنفيذية لقانون التنقيب عن النفط.

أما الأطراف المتخاصمة على النفط فلا تتخندق سياسياً كما هو الحال في القضايا العامة، أي بين قوى " 14 آذار" و"8 آذار"، وإنما الخندقة في هذا الملف متشابكة وفق مصالح حزبية ضيقة.

هكذا، يمكن توصيف الانقسام الحاصل بين الفريق السياسي الواحد، أي "8 آذار"، من جهة، وبين الفريقين السياسيين الأساسيين 8 و14 آذار من جهة أخرى.

من هنا أصبح السبب المعلن لعدم تشكيل الحكومة اللبنانية حتى الآن هو أن كل طرف من الأطراف السياسية يطمح إلى أن يستلم وزارة الطاقة والمياه ليصبح الوصي المباشر على أضخم خزنة مالية سيفتحها لبنان، من بحره وبرّه.

وحسب وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، جبران باسيل، فإن التقديرات تشير إلى أن لدى لبنان 95.9 تريليون قدم مكعب من الغاز و865 مليون برميل من النفط في 45% من مياهه الاقتصادية.

وينتظر لبنان عمليات استخراج النفط للقضاء على الكثير من المشكلات الحادة في اقتصاده والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة مواطنيه، وخصوصاً ارتفاع كلفة الدين العام اللبناني إلى أكثر من 60 مليار دولار، وتزايد الانفاق على الكهرباء إلى ملياري دولار سنوياً، إضافة إلى ارتفاع كلفة المحروقات التي تأكل الكثير من موازنة الدولة اللبنانية ومداخيل المواطنين.

في المقابل، فإن السبب المعلن لعدم إقرار مرسومي النفط المكملين لدفتر شروط المناقصة العالمية لبدء أعمال التنقيب، هو عدم تشكيل الحكومة اللبنانية بحسب مراقبين. فقد استقالت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي في نهاية آذار/مارس من العام 2013، وبعد أقل من شهر، تم تكليف الرئيس تمام سلام بتشكيل حكومة جديدة. ومنذ نيسان/أبريل 2013 وحتى اللحظة، لم يتم الاتفاق على الوزراء الجدد وخصوصاً وزير الطاقة والمياه.

وفي ظل هذه المماطلة، تم تمديد مهلة تقديم عروض المزايدة من الشركات المؤهلة للاشتراك في دورة التراخيص الأولى للتنقيب عن النفط والغاز في مياه لبنان الاقليمية ثلاث مرات، كان آخرها في كانون الثاني/يناير الجاري، حيث أعلن باسيل أنه سيتم وللمرة الأخيرة تأجيل عملية تقديم العروض (التي يشارك فيها وفق التصريحات الرسمية 46 شركة عالمية) حتى العاشر من نيسان/أبريل المقبل.

ويضاف إلى هذا الملف، ملف التنقيب عن النفط براً، الذي صاغ باسيل قانونه، في انتظار الإقرار في مجلس النواب.

المشكلات المعلنة بين الأطراف السياسية تشي بضخامة المصالح التي تجذّر الخلاف بحسب مصادر تتابع هذا الملف، فقد طرح عدد من السياسيين فكرة إقرار مراسيم النفط قبل تشكيل حكومة جديدة أي عبر جلسة لمجلس الوزراء المكلّف تصريف الأعمال.

والهدف من هذا الطرح إخراج الملف النفطي من عنق الزجاجة السياسية، وقد دعم هذا الطرح وبشكل أساسي رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون ليتبين أن القيام بهذه الخطوة دونها اعتراضات.

إذ إن عون يريد أن تتم عملية تقديم العروض والمناقصة عبر وزيره جبران باسيل، في حين ترفض قوى "14 آذار" هذا الموضوع كونها تعتبر أن باسيل لم ينجح في مهامه الوزارية، كما تقول مصادرها. في حين يطالب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بالإضافة إلى خبراء نفطيين، بإقرار مرسوم البلوكات البحرية من دون إعادة دراسته، والسبب أن "عقود التلزيم التي سيتم توقيعها مدتها 30 عاماً (وبعض الشركات يطالب بعقود مدتها 40 عاماً، وبالتالي سيرتبط لبنان وأجياله المقبلة بالشركات التي ستفوز بعقود التلزيم لسنوات طويلة، إذ إن استخراج النفط سيتحقق خلال عشر سنوات، فيما ستشمل عقود التلزيم عمليات الإنتاج لعشرين عاماً لاحقاً".

كذلك يرفض عدد من الأحزاب في قوى " 8 آذار "هذا الإجراء، وخصوصاً رئيس مجلس النواب (رئيس حركة أمل) نبيه بري، والسبب المعلن مطالبته بعرض البلوكات (المربعات) النفطية العشرة التي يملكها لبنان دفعة واحدة للتلزيم (لا على دفعات كما يريد باسيل)، على أن تختار الشركات البلوكات التي تريد التزامها من دون تحديدها من قبل وزارة الطاقة مسبقاً.

ويعود هذا الطرح ، بحسب مصادر بري،  إلى أن باسيل استبعد، في المرحلة الأولى للتلزيمات، البلوكات النفطية التي تقع في المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة في الجنوب، والتي تحاول اسرائيل الاستحواذ عليها.

هذه الطروحات، وخصوصاً الطرح الأخير لرئيس مجلس النواب، كان محور انتقاد ميشال عون، الذي أعلن في تشرين الأول/ أكتوبر 2013 رفضه "تحويل ملف التنقيب عن النفط إلى محاصصات".

وقال حينها: "لا ينقص سوى تطييف البترول، وهذا عيب، والنفط أينما ظهر هو لكل اللبنانيين"، وإذا بعون نفسه، وعبر وزير الطاقة جبران باسيل يعلن منذ يومين أن "حقيبة النفط ضمانة جديدة للمسيحيين، وفيها الانماء المتوازن الغائب عنهم منذ 25 عاماً، ومن حق هذه الطائفة ان تؤتمن مرحلياً على النفط".

أما مصير الشركات العالمية التي أبدت رغبتها بالمشاركة في تقديم العروض والاستثمار في المياه الإقليمية للبنان فهو مجهول فعلاً.

إذ يشرح الخبير النفطي ربيع ياغي لـ" الجديد" أنه "لا يوجد شركة في العالم مستعدة للتقدم بشكل رسمي للمشاركة في عمليات تنقيب من دون إقرار مراسيم شرعية تتعلق بمسودات التعاقد وتحديد آليات تلزيم البلوكات، وبالتالي فإن تأخير إقرار المراسيم ضد لبنان ويزيد في تردد الشركات للدخول في سوق التنقيب عن النفط اللبناني. إذ يوجد الكثير من الدول التي يمكن أن تستثمر فيها أموالها من دون مخاطر".

أما عن المخاوف من الفساد الذي يمكن أن يتحكم بعمليات التلزيم فيقول ياغي: "السمسرات والصفقات المشبوهة تحصل عادة بعد اكتشاف كميات تجارية من النفط، حينها يمكن توقع أي شيء، خصوصاً في بلد مثل لبنان".

المساهمون