الزحمة تختصر الأزمة الاقتصادية فى لبنان

الزحمة تختصر الأزمة الاقتصادية فى لبنان

04 فبراير 2014
+ الخط -

كل يوم، بين الثامنة والحادية عشرة صباحا، ومن الرابعة إلى السادسة مساء، تغص مداخل بيروت بزحمة مرور خانقة.

ومنذ سنوات طويلة لم تعرف الحكومات، ولا البرلمانات المتعاقبة في لبنان، حلاً لهذه الأزمة، فإقرار قانون لتنظيم النقل العام، وإعادة سكك الحديد وشراء آليات جديدة، لا يتعدى كونه دوراناً حول مربع الأزمة.

يمكن القول وبلا أي تردد أو مبالغة إن زحمة المرور تختصر الأزمة الاقتصادية في لبنان، إذ تعد بيروت المركز الاقتصادي الأقوى في لبنان، فالمدن الكبرى التي تقع في الأطراف الشمالية والجنوبية بعيدة إلى حد كبير عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تستقطب بيروت أكبر عدد من العمالة والمؤسسات من القطاعات كافة.

أسباب التمركز الاقتصادي عديدة، ونتائجه كذلك. والمؤشرات التي تربط زحمة المرور بأزمة الرؤية الاقتصادية عديدة أيضا.

 أزمة السكن

منذ العام 2008، تحولت بيروت إلى مدينة طاردة للسكان، بفعل ارتفاع أسعار العقارات، وبالتالي الإيجارات، وكذا لارتفاع تكلفة المعيشة.

واحتلت العاصمة اللبنانية المرتبة الثانية كأغلى مدينة عربية بعد دبي في المؤشر الصادر عن شركة "كوشمان ووايك فيلد" للاستشارات العَقارية في عام 2013.

أما على مستوى سعر الوحدات السكنية وإيجاراتها فاحتلت بيروت المرتبة الثامنة عالمياً وفق مسح شركة "يورو كوست انترناشونال" 2013، إذ يراوح متوسط سعر المتر المربع الواحد في العاصمة اللبنانية ما بين 1400 و2000 دولار.

 ويقول إيلي صوما، رئيس جمعية منشئي الأبنية اللبنانية، لـ"الجديد"، إن الأسعار سترتفع بين نهاية العام الجاري وعام 2016 حوالى 50%.

وأضاف أن هذا الارتفاع لن يقتصر على بيروت وإنما سيمتد إلى المناطق القريبة منها أيضاً.

وأشار صوما، إلى ارتفاع أسعار الشقق والعقارات في بيروت بين 30% و100%  منذ عام 2008، مما دفع إلى خروج اللبنانيين من العاصمة للسكن خارجها مع الحفاظ على أعمالهم في بيروت التي تعتبر مركزاً اقتصاديا محورياً.

هجرة المزارعين إلى العاصمة

رصد مراقبون تراجعا في القطاع الزراعي في لبنان بشكل كبير لانصراف السياسة الاقتصادية للدولة إلى قطاعي الخدمات والتجارة على حساب القطاعات الإنتاجية، مما دفع الحكومة إلى التغاضي عن الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية.

في المقابل، ابتعدت وزارة الزراعة عن دورها في رعاية وتوجيه وإرشاد المزارع اللبناني.

هذا الواقع أدى، حسب ما يقول انطوان حويك رئيس جمعية المزارعين لـ"الجديد"، إلى هجرة المزارعين من أرضهم، وتوجههم نحو بيروت للعمل في قطاعات اقتصادية أخرى غير الزراعة.

ولارتفاع كلفة المعيشة في العاصمة، يشير حويك إلى أن المزارعين استقروا سكنياً في قراهم، فيما آثر بعضهم العيش في أحزمة البؤس التي تحيط ببيروت.

وأضاف "الزراعة لم تعد استثماراً مربحاً، ولم تعد كافية لتأمين حاجات الأسر، وسيبقى الوضع على حاله إلى أن تقوم الحكومة بإجراءات حمائية للمزارعين".

 النقل العام

بدأت الحكومات اللبنانية البحث في مشروع النقل العام المشترك منذ عام 2002، لكنه لم يخرج إلى النور، رغم التقادم الذي حل على أسطول النقل العام المشترك بفعل الزمن، وعدم إخضاعه للصيانة.

ويقول محمد قباني، رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية وعضو البرلمان اللبناني، لـ"الجديد" إن لبنان موعود منذ سنوات بقانون للنقل المشترك، وكلما أتى وزير نقل، وضع مشروعاً، وغاب المشروع عن النقاش، فتنتهي ولاية الوزراء ولا شيء يتحقق.

وحسب قباني، فإن أسباب عدم إقرار مشروع النقل تعود إلى أن عدداً من مستوردي السيارات المتوسطة يضغط بشكل متواصل على الحكومات لوقف البحث في مشاريع النقل لكي يحافظ على حجم وارداته.

في حين يفضل "الكارتيل النفطي" (تجمع شبه احتكاري لاستيراد المشتقات النفطية إلى لبنان) ارتفاع عدد السيارات لكي يزيد استهلاك البنزين، كما يستفيد أصحاب شركات النقل الخاصة من غياب النقل العام للاستحواذ على سوق النقل في لبنان، وفق قباني.

وأشار قباني إلى نحو مليون سيارة تدخل إلى بيروت وتخرج منها يومياً لنقل الموظفين والعمال إلى مراكز أعمالهم.

تركز المصانع في العاصمة

في البلدان الصغيرة المساحة، تُبنى المصانع والمعامل خارج العاصمة في الغالب، إلا أن الأمر مختلف في لبنان، إذ تغيب المصانع عن الأطراف لتتركز في العاصمة بيروت، لما تحظى به من خدمات عامة مميزة (كهرباء ومياه واتصالات) بفضل ارتكاز مراكز السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فيها.

ويقول النائب نبيل دوفريج، رئيس لجنة الاقتصاد النيابية وعضو البرلمان، لـ"الجديد"، إن كلفة الإنتاج تعتبر من أبرز المشاكل التي يعانيها القطاع الصناعي نظرا لارتفاع كلفة التقنين الكهربائي الذي يجبر أصحاب المصانع على شراء مولدات خاصة، بالإضافة إلى كلفة المواد الصناعية.

ويصل عدد العاملين في القطاع الصناعي في لبنان إلى نحو 83 ألف عامل، أكثر من نصفهم يعملون في بيروت ومحافظة جبل لبنان (محيط بيروت)، وفق دوفريج.

المساهمون